الميكانيكي .. اخطاء فادحة وضرب بالمندل لاكتشاف الاعطال!

عمّان - آمال العطاونة - مضمون جديد

جعلني الميكانيكي استبدل عدة قطع كلفتني مبالغ كبيرة، وتبين في نهاية المطاف ان ايا منها لم يكن سبب العطل في سيارتي!

هل تبدو قصة مالوفة؟ هي كذلك فعلا بالنسبة للكثير من اصحاب السيارات ممن يمكن ان يرووا قصصا مشابهة من حيث المضمون، ولكن مع اختلاف في التفاصيل.

وقصتنا هذه تحديدا يرويها ايمن رسمي (42 عاما) الذي تحولت سيارته وهي من نوع كيا سيفيا، الى “كومة خردة” بسبب اخطاء الميكانيكية وجهلهم بالصنعة، على حد تعبيره.

يقول ايمن وهو موظف حكومي يقيم في الزرقاء “قبل عامين اشتريت هذه السيارة التي ما زلت ادفع اقساطها الى اليوم، ولم تمض اسابيع على قيادتي لها حتى بدأت المس ضعفا في عزم محركها وزيادة في استهلاكها للبنزين”.

ويضيف بنبرة قانطة وهو يشير الى سيارته البيضاء التي تلطخت بالزيوت والشحوم “اعتقدت بداية ان الامر ربما لا يعدو خللا بسيطا، وحتى اتفادى تفاقمه، قررت زيارة الميكانيكي، وكان هذا واحدا من اسوأ القرارات في حياتي”.

وتعتبر زيارة الميكانيكي مسالة محفوفة بالهواجس لدى اصحاب السيارات، بسبب الانطباع السائد لديهم بان معظم العاملين في المهنة، والذين يبلغ عددهم نحو 120 الفا، يفتقرون الى التاهيل والخبرة.

وتكاد هذه الهواجس تنحصر في العاملين في ميكانيك وكهرباء السيارات، علما ان مفهوم الميكانيك يشكل اطارا عاما تندرج ضمنه فئات اخرى عديدة مثل ورش تصليح الاكزوست والروديتر والبناشر والبودي والدهان وغيرها.

ضرب بالمندل

ويؤكد ايمن صحة هذه الهواجس بحكم تجربته مع الميكانيكية الذين قال متندرا بمرارة ان الواحد منهم “يكون كمن يضرب بالمندل خلال بحثه عن سبب العطل في السيارة”.

ويوضح “قال الميكانيكي الذي زرته بادئ الامر ان الخلل في سيارتي سببه البواجي، فاستبدلتها، ولكن المشكلة استمرت، فعاد وقال ان العلة ربما تكون في كيبلات البواجي، فغيرتها، وايضا لم تنته المشكلة”.

ويتابع “وشيئا فشيئا جعلني استبدل مضخة البنزين والكبك (غطاء صمام الخنق- التشوك) وحساس الاكسجين”.

وبعد ان انفق مبالغ طائلة دون ان يصل الى حل لمشكلة سيارته، قرر ايمن زيارة ميكانيكي اخر، ولكنه لم يكن افضل حالا من الاول كما يؤكد، وبالتدريج كرت السبحة وبات يتنقل تباعا بين الميكانيكة.

في المحصلة، يقول الرجل “تحولت سيارتي الى كومة خردة بسبب تراكم الاعطال الناجمة عن عبث الميكانيكية وعن قطع الغيار المستعملة الرديئة التي كانوا يشترونها لي بمعرفتهم، ودون ان اعرف مصير القطع الاصلية التي كانوا ينتزعونها من السيارة والتي احسب انها لم يكن بها اي عيب”.

ويضيف “فكرت باللجوء الى القضاء، لكنني كنت اعدل عن ذلك في كل مرة لشعوري بانني لن استطيع اثبات حقي، حيث ان كل ميكانيكي سيتملص ويلقي بالمسؤولية على الميكانيكية الاخرين”.

والى اليوم، لا يزال ايمن يتنقل بسيارته بين الميكانيكية على امل ان يهديه الله الى “ميكانيكي فهمان وابن حلال” كما يقول.

اخطاء خطيرة

وفي محل للميكانيك في احد المجمعات الحرفية في الزرقاء، والتي تعاني اوضاعا سيئة من حيث النظافة والتنظيم، جلس ماهر عبدالسلام (40 عاما) امام سيارته التي انهمك ثلاثة ميكانيكية، احدهم صبي، في فك ناقل سرعتها (الجير) الذي تسبب ميكانيكي اخر في “تدميره” على حد تعبيره.

وكان ماهر كما يخبرنا قد توجه الى الميكانيكي الاول بعدما شعر ان جير سيارته لم يعد يبدل السرعات بانتظام.

وبعد عدة عمليات تضمنت فك الجير وافراغه من الزيت، تبين ان الخلل كان ناجما عن ارتخاء سيخ الجير (قضيب يربط راس ناقل السرعة بذراع التبديل في حجرة القيادة).

يقول ماهر “شعرت بارتياح لان العطل كان بسيطا، ولكن هذا الشعور تبدد بعد نصف ساعة فقط، فقد توقف الجير عن العمل، واضطررت الى نقل السيارة بالونش الى اقرب ميكانيكي، وهو هذا الذي نحن عنده الان”.

ويضيف بحنق “لقد تبين ان الصبي الذي اوكل اليه الميكانيكي الاول مهمة اعادة تركيب الجير نسي ان يضع فيه الزيت، ما تسبب في تدميره بعد دقائق من قيادتي للسيارة”.

وكما يقول ماهر، فقد راجع الميكانيكي الاول الذي كان رده عدوانيا بادئ الامر ورفض الاقرار بالمسؤولية، ولكن تاكيد الميكانيكي الثاني، الذي تطوع لمرافقته، بان الجير لم يكن فيه نقطة زيت، جعله يستسلم ويتعهد بقيمة الضرر.

ويتناقل العديد من الميكانكية والسائقين على حد سواء قصصا عن اخطاء تسببت بحوادث واصابات للسائقين، الا اننا لم يتسن لنا التحقق منها.

على ان هناك روايات من نوع اخر وقفنا عليها، وتتحدث عن ممارسات ترقى الى “الاحتيال”.

ويتمثل احد اشكال هذا الاحتيال في ايهام بعض الميكانيكية لصاحب السيارة بوجود عطل في قطع معينة ما يضطره لشراء بديل لها من النوع التجاري او المستعمل، تاركا لهم القطع الاصلية التي يقومون ببيعها لزبون اخر لانها تكون في واقع الامر سليمة وليس بها أي عيب.

ممارسات مقلقة

وتصبح الامور مثيرة للقلق عندما تصل الى حد افتعال الميكانيكي اعطالا في السيارة بهدف التربح من صاحبها.

ومن ذلك ما ترويه سناء احمد التي تقول ان “الميكانيكي اخبرني ان هناك اهتراء في قشاط التايمينغ وانه بحاجة لاستبدال، ولما عدت لاخذها لم استطع تشغيلها، فتفحص المحرك ثم اخبرني ان هناك عطلا في مضخة البنزين!”.

وتضيف “عمد الى استبدال المضخة ولكن اداء السيارة اصبح سيئا فعدت اليه فاخبرني ان هناك خللا في البخاخات وانها بحاجة الى تغيير”.

وتتابع المراة “كنت مقتنعة في قرارة نفسي بان تزامن هذه الاعطال لم يكن مصادفة، وانها متعمدة من الميكانيكي، ولكنني لم استطع ان اواجهه بذلك ورضخت مغلوبة لاحتياله وابتزازه “.

وفي حكاية اخرى يتناقل الكثير من اصحاب السيارات مثيلات لها، يقول (عبدالناصر. ع) وهو موظف في بلدية الزرقاء، انه ترك سيارته عند الميكانيكي لاصلاحها، وفي مساء نفس اليوم رآها تتجول في شوارع المدينة!.

ويقر الميكانيكي بسام ابو حلاوة بوجود مثل هذه الممارسات السلبية من قبل بعض الميكانيكية، ولكنه يقول انها حالات فردية ولا ينبغي تعميم الحكم من خلالها على كافة العاملين في المهنة..

ويحمل ابو حلاوة المسؤولية للبلدية، وهي الجهة المخولة الترخيص لمحلات الميكانيك، قائلا انها كانت تشترط سابقا حصول طالب الترخيص على كتاب تزكية من ميكانيكي معتمد يفيد بانه مؤهل لممارسة المهنة، ولكنها توقفت عن ذلك وباتت تمنح الرخصة لاي شخص،.

واكد ابو حلاوة ان البلدية على ما هو واضح “لا يهمها تنظيم المهنة بقدر ما يهمها جباية الرسوم”.

بلدية ونقابة

ومن جانبه قال المدير الاداري في البلدية ماجد الحباشنة ان تعليمات منح الرخص لمحلات الميكانيك تشترط حصول طالب الترخيص على كتاب من نقابة اصحاب المهن الميكانيكة، وليس من ميكانيكي كما ذكر ابو حلاوة.

ولكنه اوضح ان هذا الشرط يجري التغاضي عنه “بسبب عدم ارسال النقابة كتابا رسميا الينا تطلب فيه تفعيله، كما هو الحال مع النقابات الاخرى التي خاطبتنا رسميا والتزمنا معها”.

وتعهد الحباشنة بتفعيل هذا الشرط فورا في حال ورود كتاب من النقابة بهذا الخصوص.

وعلى صعيده، فقد رحب داود شاهين نقيب اصحاب المهن الميكانيكية بتعهد بلدية الزرقاء الذي نقلناه اليه، واكد ان النقابة ستبدأ من فورها اجراءات مخاطبة البلدية رسميا من اجل تفعيل هذا الشرط.

واعرب شاهين عن تمنيه ان تحذو امانة عمان والبلديات الاخرى حذو بلدية الزرقاء في هذه الخطوة التي اعتبر انها في حال تحققها، فانها ستلعب دورا مهما في تنظيم المهنة ورفع مستواها وابعاد الدخلاء عنها.

ولاحقا ابلغنا الحباشنة انه تم عقد اجتماع بين ممثلين عن النقابة ومسؤولين في البلدية، وانه اتضح ان هذا الاجراء يتطلب الرجوع الى الجهات الحكومية المختصة قبل ان يصبح قابلا للتطبيق.

ومن شأن تفعيل شرط الحصول على كتاب من النقابة عند الترخيص ان يلزم اعدادا اكبر بالانضواء تحت مظلة النقابة التي تعاني ضعفا في قدرتها على تنظيم المهنة بسبب قلة عدد منتسبيها قياسا بعدد العاملين في المهنة.

والانتساب الى النقابة ليس الزاميا بحسب القانون. ومن اصل 120 الفا يعملون في المهنة، فان 8 الاف فقط ينتسبون للنقابة، نحو 1800 منهم في الزرقاء.

الحديد لا يكذب

الى ذلك، فقد حث شاهين المواطنين على الرجوع الى النقابة في حال حصول أي نزاع بينهم وبين محلات الميكانيك.

وقال ان النقابة اصبحت رسميا منذ عام 2011 المرجعية في التحقيق في النزاعات بين اصحاب السيارات والميكانيكية والتي ترد الى الحكام الاداريين.

واشار الى ان وزارة الداخلية وجهت كتابا في اذار 2011 الى الحكام الاداريين بهذا الخصوص.

وقال شاهين ان هناك لجنة مختصة في كل فرع من فروع النقابة السبعة في المملكة تقوم بالنظر في هذه القضايا بعد تلقيها طلبا من الحاكم الاداري، وتسعى خلال ذلك الى حل النزاعات وديا اذا امكن وتوافي الحاكم الاداري بتوصياتها بالخصوص.

واضاف ان النقابة تقوم بعملها في هذا الاطار كجهة خبيرة محكمة، معتبرا انها اقدر من غيرها على اكتشاف المسؤولية في الاخطاء التي تقع في نطاق عمل الميكانيكية.

وطمأن شاهين المواطنين المتشككين في امكانية اثبات حقوقهم قائلا ان “الاخطاء يمكن اثباتها بسهولة فالحديد لا يكذب”.

وكما يوضح النقيب فان “90 بالمئة من النزاعات يتم حلها بشكل ودي في النقابة” مشيرا الى انه “في عام 2011 كانت هناك 110 قضايا، جرى حل 109 منها وديا”.

واضاف ان “35 بالمئة من تلك القضايا ثبتت فيها مسؤولية الميكانيكي” وان العقوبة في احداها وصلت الى حد اغلاق المحل.

وفي السياق، فقد كشف شاهين عن حملة توعية ستنفذها النقابة قريبا بدءا من عمان ثم الى المحافظات، من اجل حث اصحاب السيارات على عدم التنازل عن حقوقهم ومراجعتها في حال وجود أي خلاف مع ميكانيكي.

أضف تعليقك