معلمون على تخوم الفقر: كيف أسهمت سياسات الحكومة في تدهور أحوالهم

كيف ساهمت السياسية الـ"نيو ليبرالية" بخلق جيش من المعلمين الفقراء؟

 

يصنف غالبية معلمي الأردن من الطبقة الفقيرة استناداً إلى خط الفقر الشهري للفرد في الأردن البالغ (100) دينار شهرياً، والذي تعتمده مؤسسات الحكومة في رسم سياساتها لتحديد الأسر الفقيرة، وبناء على ذلك، فإن الأسرة المكونة من خمسة أفراد ستنزلق تحت خط الفقر إن كان دخلها (500) دينار فما دون ذلك.

ويبين التقرير السنوي الصادر عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لعام 2018 أن (66.2%) من مجمل العاملين المشتركين في الضمان يتقاضون رواتب شهرية بقيمة (500) دينار فأدنى، وأظهر التقرير أن (102) ألف معلم ومعلمة مشتركون في الضمان الاجتماعي، يبلغ المتوسط العام لأجورهم مع العلاوات (521) ديناراً شهرياً، وهذا يشير إلى أن الغالبية العظمى منهم من ضمن الطبقة التي تعيش على تخوم الفقر. 

رسمم

المعلم محمد الزواهرة، يقول إن المعلمين رغم الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها، يضطرهم للبحث عن عمل آخر دائماً، لن تبادر الحكومة لتحسين أحوالهم طالما التزموا الصمت، ما حدا بهم إلى المطالبة بإقرار علاوة. 

الزواهرة يلفت إلى أن المهامّ الملقاة على عاتق المعلم أو المعلمة لا تتناسب وأجره، إذ يتقاضى هو راتب (450) ديناراً مع علاوات الخدمة، عقب 15 عاماً من التعيين، وفقاً لقوله، ويعمل في محل تجاري كبائع في الفترة المسائية.

وتؤكد المعلمة أروى علي أن إهمال الدولة المتفاقم للأمور كافة في المدارس الحكومية، من معلمين وبيئة تعليمية، ومناهج، يتسبب بتراجع مستمر لمنظومة التعليم العام، "فهناك مدارس طاردة للمعلمين والمعلمات والطلبة أيضاً"، على حدّ وصفها، لكن عدم توفر البدائل يجبر الطلبة على ارتيادها، والتزام المعلمين والمعلمات برسالة مهنتهم يجبرهم على العمل فيها، في ظل استجابات ضعيفة من الوزارة لتحسين ظروف المدارس أو بناء غيرها تحت ذريعة ضعف الميزانية.

"أنا أتعامل مع خمسين طالبة كحدّ أدنى في كل حصة، وعليّ تعليمهن ومتابعة أدائهنّ أكاديمياً وتطويره، واستمر بالعمل على ذلك في المنزل حتى بعد انتهاء ساعات الدوام، مقابل راتب لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية لأطفالي ولي"، تقول المعلمة أروى، مؤكدة على أن تحسين ظروف المعلم ضرورة للنهوض بمهنته.

ويرى الخبير الاجتماعي حسني عايش أن تغيير حال التعليم والمعلم معتمد على فلسفة الدولة، والأهمية التي توليها للتعليم، إذ أسهمت الأخيرة على مدار عقود بترسيخ فكرة التعامل مع التعليم كوظيفة، والمعينون منهم موظفون في الدولة، وتخضع أجورهم لنظام محدد.

 

وقد تراجعت أوضاع المعلمين والمعلمات بحدّة –مالياً واجتماعياً- عقب التحول إلى اقتصاد السوق (اقتصاد نقدي)، حينها تزايدت أعداد الخريجين في الطب، والصيدلة، والقانون، والهندسة، فتكونت طبقات مهنية جديدة ورفيعة، ذات دخول ممتازة، وفي الوقت ذاته، لم يطرأ أي تحسين على أحوال المعلمين من قبل الحكومات المتعاقبة، بحجة عددهم الكبير الذي يشكل عبئاً على الدولة، حتى ساءت أحوالهم إلى هذا الحد، كما يوضح عايش.

 

كما أن السياسة "نيو ليبرالية" التي التزمت بها الدولة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وذلك بالخضوع لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، عمقت سياسات التخلي عن مؤسسات الدولة باسم التخاصية، وزيادة الاعتماد على الضرائب غير المباشرة والقروض، وكان لتداعيات هذه السياسات على "الشرائح الوسطى" في المجتمع أثرا بالغا، حيث أفضت إلى تدهور أوضاعهم المعيشية وتحويلهم لفقراء، وعلى رأسهم المعلمون، والموظفون عامة. وفقاً للخبير في الاقتصاد فهمي الكتوت.

 

ومع أن تأسيس نقابة المعلمين عام 2011 كان له أثر في تحسين رواتب وامتيازات المعلمين والمعلمات، لكن هذا التحسن ظلّ محدوداً، ولم يرق إلى المستوى الذي يتطلعون إليه.

ومن المؤكد أن تراجع دخل المعلم مقارنة بمهن أخرى أدى إلى تراجع مكانته الاجتماعية، إذ أجبرته الأوضاع المادية البائسة على البحث الدائم عن سبل تحسين معيشته، والتركيز على ذلك، ما أدى إلى انسحابه وانعزاله عن المجتمع، بحسب المتخصص في علم الاجتماع حسين الخزاعي.

منظومة تعليمية متكاملة

يعتبر عايش أن من مسؤولية الدولة جعل مهنة التعليم في المقام الأعلى، وإعادة المكانة المرموقة للمعلمين والمعلمات بعد أن فقدوها، وذلك بتحسين فعلي على أحوالهم، ما سينعكس حتماً على جودة التعليم العام، الذي شهد مستواه تراجعاً متوالياً.

ويخوض المعلمون منذ الثامن من أيلول / سبتمبر الجاري إضراباً بقرار من نقابتهم، لتحقيق مجموعة من المطالب الأساسية، على رأسها صرف علاوة مالية مستحقة بنسبة 50% تضاف إلى الراتب الأساسي، وإيجاد بيئة تعليمية ملائمة للمعلم والطالب.

ولا تتعلق فكرة الاستجابة لمطالب المعلمين بتحسين وضعهم مادياً فقط، فقد أظهر هذا الإضراب تهشماً في العلاقة مع الحكومة التي "لم تبد حرصها على مصالح المعلمين"، بحسب نائب نقيب المعلمين الأردنيين ناصر النواصرة، وإنما أسهمت بتقعر العملية التعليمية، لذلك فإن المسار الذي بدأته النقابة ذا "هدف استراتيجي"، يقول نائب النقيب، ويجب أن ينتهي بسلسلة من الالتزامات المتبادلة بين الطرفين، لاسترداد قوة الحضور والتأثير للمعلم، باعتباره الفاعل الأساسي في المنظومة التعليمية والتربوية، ولا يتم تطوير التعليم بأي اتجاه في أي بلد بمعزل عن تحسين وضع المعلم مادياً واجتماعياً، ودفعه باتجاه تطوير مهاراته بشكل مستمر لتقديم أفضل ما لديه لطلبته، فاستثمار الدولة في المعلم أولى، لأنه استثمار في تعليم أفضل. وفقاً لقوله.

ورغم وجود العديد من التحديات التي تواجه النظام التعليمي في الأردن والتي يجب مواجهتها كما تُظهر وثيقة معلومات برنامج مساندة إصلاح التعليم في الأردن الذي يقوم عليه البنك الدولي، لكنّ إنفاق الحكومة على قطاعي التعليم والصحة في تراجع، مقابل ازدياده بشكل ملحوظ على الجانب العسكري، إذ جاء الأردن في المرتبة الخامسة على مستوى الشرق الأوسط، من حيث الإنفاق العسكري بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2018، بحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

في الوقت ذاته، تدلل مؤشرات عديدة على تراجع التعليم ومخرجاته، وهذا عائد بالضرورة إلى خلل في السياسات التي تدير العملية التعليمية والتربوية، وأثرها السلبي على الطالب والمعلم على حدّ سواء، علماً أن المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية تؤكد على مسؤولية الدولة في ضمان حق التعليم على أساس تكافؤ الفرص، وتسخير اللازم من أجل تحقيق ذلك.

رفع كفاءة المعلم معيار دولي 

أوصت لجنة العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية بضرورة حماية وتعزيز حقوق المعلمين مهنياً ومادياً، ما يعني أن رفع كفاءة المعلم معيار دولي، باعتباره مركز الدائرة التعليمية، وفقاً للمستشار في حقوق الإنسان رياض الصبح.

ويبين الصبح أن هذه المعايير الدولية ملزمة للأردن، الذي عليه أن يتكفل بتوفير البيئة المثلى للمعلمين، وأن يتعامل مع مطالبهم باهتمام، لأن ذلك يصب في مصلحة الطلبة الذين انحدرت مستوياتهم، إذ نجد أن مخرجات التعليم الجامعي قد تراجعت بسبب ضعف مدخلات التعليم الأساسي، وبعدم إيلاء التعليم والمعلم أهمية عليا على سلم الأولويات، فإن الدولة تدفع باتجاه تراجع أكبر لمستويات الطلبة في كافة المراحل.

لذلك فإن "الإضراب الذي يخوضه المعلمون شرعي، لا خلاف على ذلك"، يقول المستشار الصبح، استناداً لما ورد في المادة (8/1/د) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تقضي بالحق في الإضراب، وهو حق كفله الدستور الأردني أيضاَ في الفقرة (1) من المادة (15)، والتي تنص على أن "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون". 

والإضراب –يشير اصطلاحاً- إلى التوقف عن العمل جزئياً أو كلياً أثناء العمل، من أجل الضغط على صانع القرار أو على صاحب العمل، لنيل حقوق عمالية أو تعديل سياسات اقتصادية عامة، وفقاً للصبح، الذي يؤكد على أن الأولى بالحكومة أن لا تتجاهل واقع المعلمين والطلبة والبيئة التعليمية في المدارس الحكومية، وأن تجعل المعلم مكتفٍ معيشياً دون أن يبحث عن عمل إضافي، ليكرس طاقاته لطلبته.

 

رسم



 

*بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR 

أضف تعليقك