لا يستطيع الباحث عن القضايا الثقافية في الأردن أن
يقرأها في الجرائد اليومية أو الملاحق الثقافية فقط، إنما في المجلات الثقافية
أيضاً، فهي "الحاضن الثقافي" والجانب المضيء في حياة أي مثقف وتضاف إلى
رصيده.
المجلات الثقافية في الأردن لا مكان لها بين أدراج المتاجر
ومكتبات بيع الكتب، وإن حاولت السؤال عنها سيقال لك "لا تباع لدينا، حاول اقتناء
نسخة من المؤسسات الثقافية التي تصدر عنها، لكن لدينا مجلات ثقافية عربية إذا
وددت".
حال كهذا يجعل القارئ يبحث دوما عن الجهات التي تؤمن له نسخة
مجاناً، فهي "ليست برسم البيع على الأغلب"، وإذا حاولت التعرف على هذه
المجلات ستعرف أنها معدودة على الأصابع، فهي "تجارة ثقافية غير مربحة إنما مكلفة
وخاسرة" لذلك ستجدها مدعومة من جهات حكومية كوزارة الثقافة وأمانة عمان.
تايكي، عمان الثقافية وأفكار، أوراق والبيان هي مجلات
موجودة حالياً على الساحة الثقافية الأردنية، وكل واحدة منها تحمل قراءات ومحاولات
إبداعية لكتاب أردنيين وعرب، والقارئ "المهتم فقط" يرتاد الدور الثقافية
كي يحصل على طبعة منها.
أما غير ذلك فلا يوجد من يقرأها سوى من له علاقة بهذا
المبدع الذي نشرت مادته، أو ذلك الذي كتب عنه فيها أو أن يكون صديقاً لبعض القائمين
على المجلة، ولأن المؤسسات القائمة عليها لا تجد من يشتريها فقد ارتأت أن تكون مجانية
توزيعية.
تايكي واحدة من مجلتين تصدرهما وتمولهما أمانة عمان، وهي
متخصصة بالثقافة النسوية إن اصطلح على تسميتها، إذ بدأت المجلة كفصلية وسط مجتمع
وساحة ترفض التفريق بين الجنسين إلا أنها استطاعت أن تستمر، ولكن هذا الاستمرار تدعمه
أمانة عمان المتكفلة بمصاريف المجلة.
ولا يستطيع العاملون على المجلة أن يقدروا مدى
"مقروئيتها" لكنهم يبنون حجم الاهتمام من طلب العدد من قبل مؤسسات
ثقافية أو من بعض الشخصيات، "ولأجل ذلك رفعت المجلة أعدادها من 1000 نسخة إلى
2000 نسخة، لكن العقبة الكبيرة والطموح أن تنتشر عربياً وأقلها وصولها إلى دور
الجوار"، كما تقول بسمة النسور.
لكن، هل وصلت إلى من يبحث عن الثقافة في بلدها!
"الاهتمام موجود بالمجلات وهو متنام، وليس بالضرورة
أن يكون كل مواطن مهتم بالشعر والرواية والقصة لذلك لا أفترض أن تكون كل مطبوعة
لكل مواطن، لذلك فإن المنتج للنص الإبداعي والمتلقين له هم فئة محدودة في كل
الكون".
وتتابع رئيسة تحرير تايكي بسمة النسور حديثها لـبرائحة
القهوة، "إذا تحدثنا عن مجلة تايكي فهي ثقافية ومعناه أنها نخبوية، وليس
بالمعنى الفوقي للكلمة، المجلة بدأت بألف نسخة ثم توسعت إلى أن أصبحت تصدر ألفي
نسخة، وتوزع مجانا للجامعات والسفارات والمراكز الثقافية".
قراءة المشهد الثقافي هو ما تقوم عليه المجلات الثقافية،
لكن الواقع يشير إلى غير ذلك فإذا كان الحديث عن ماذا يريد القارئ "فهو يبحث
عن الفكرة الجديدة والمعالجة الذكية في قضايا الثقافة، ولا يجد في المجلات المصدر والمنبع
المهم"، هو دور فقدته المجلات بعد أن كان لها الدور المؤثر في الستينات
والسبعينات.
وتجد النسور أن الإقبال على تايكي "أكثر من ممتاز
ويمكن القول أننا نغطي المشهد الثقافي المحلي، لكن تظل لدينا قضية الانتشار
الخارجي، ولا أخفي أن غلاء أسعار الشحن هو القضية الحقيقية، ومن هنا نفكر جدياً
بتأسيس موقع إلكتروني لها".
هل للمجلة الثقافية مكان في الساحة الثقافية بالأردن،
تقول النسور "بالتأكيد هناك مكانة، ومجلة أفكار خير دليل على ذلك، وعمرها
تجاوز الأربعين عاماً، لكن هناك عقبات كأي مطبوعة أخرى".
ولأن تايكي تعنى بالثقافة النسوية، "فقد لاقت
العديد من العقبات، وكان الاعتقاد بأنها تقف أمام الرجل والأيام أثبتت أنها عكس
ذلك فهي شريك فاعل. مجلة تايكي تستقطب أقلاما أردنية ثقافية، وأحيانا نضطر إلى
تأجيل مواد لكثرتها !".
فالقضية ليست انتشارها بين فئات المجتمع، إنما مخاطبة
فئة اجتماعية وهي المرأة "الطرف الخاسر في المجتمع الشرقي"، فهي تحاول
أن تسلط على المنتج الثقافي المحلي عبر ستة أعداد في السنة.
"نحن نركز على الثقافة المحلية بالإضافة إلى قراءة
في واقع الثقافة العالمية، ونعتقد أننا نركز على الأقلام الجديدة ونتحسس من النجوم،
نتمنى أن تعمم على مستوى الوطن العربي، خصوصا وأن الكثير من الكتاب العرب حينما
يقرؤونها يستغربون لما غير هي منتشرة بالخارج، فهي تجربة تستحق أن تعمم".
مضمون ما يتم نشره في المجلات هو ما يحدد قيمة المجلة، فرئيسة
تحرير مجلة البيان الثقافية الصادرة عن جامعة آل البيت، هند أبو الشعر تؤكد أن مادة
المجلة تفرض وجودها، لكن طبيعة القارئ تستدعيه للقراءة، "فالقارئ الجامعي
يقرأ مجلة البيان لأنها تطرح موضوعات تخصه بينما القارئ العادي لا تهمه، لكني لا
أعلم إن كانت هذه ميزة أم ضعف فيها".
وتضيف أبو الشعر "كرئيس تحرير للمجلة البيان أقول
يجب أن نرتقي بذوق القارئ ودعنا أن نرفع بمستوى القارئ لا ننزل إلى مستوى أقل".
مجلة البيان تصدر عن جامعة آل البيت، "وخطها يتواءم
مع الخط الثقافي والأكاديمي، فمنذ بدايتها عام 1997، والإقبال جيد عليها، حتى أنها تصل لمعهد العالم
العربي في باريس، فهي لا تباع إنما توزع على المؤسسات الثقافية والتعليمية".
ورغم أن غالبية المجلات مجانية أو تباع بسعر رخيص فلا
تحقق الانتشار، فسعر الملحق الثقافي الصادر مع الجريدة اليومية عشرين قرشا،
"ويعطينا أطياف متعددة، ومتوفر لدى جميع القراء كوجبة جيدة لكن لا نستطيع أن يكون
كمجلاتنا الملونة والمنوعة، فكلاهما مكمل"، كما تقول هند أبو الشعر.
وتقول بسمة "لا تتعارض الملاحق مع المجلات لأن الكل
يكمل بعضه، والتنافس موجود ولولاه لما بقينا مستمرين".
مجلة تايكي مكلفة بالنسبة لأمانة عمان، وتعلق بسمة
النسور:"لأن نوعية الورق جيدة، بالإضافة إلى أننا استطعنا أن نحقق مكافاءات
غير مسبوقة لمن يكتب فيها؛ على الأقل في الأردن".
المجلات الثقافية في الأردن عددها قليل، وبالنسبة
للروائي جمال ناجي "أداءها متواضع، ولا يوجد تحديث حقيقي وملموس في وسائل
تقديم الثقافة فيها".
ويتابع "نحن نرى بعض المجلات الثقافية العربية تقدم
المادة الثقافية بأسلوب ليس جافاً، وليس نص وبحوث إنما حاولوا إدخال عناصر محسنة
ومحفزة للتصفح والقراءة".
ونسأل؛ هل للمجلات مكانة بالساحة الثقافية بالأردن؟
تجيب هند أبو الشعر وهي عميد كلية الآداب والعلوم
الإنسانية بآل البيت، "نحن في زمن الانترنت وفي زمن تراجع عادة القراءة،
ولنعترف أن دور المجلات الثقافية في الستينات كان محفزا وكبيرا والآن بدأ بالتراجع
وهذه حقيقة لكن يمكننا أن نوظف التقنيات كلها لمصلحة الثقافة، كأن نجعل المجلة على
الويب، وفي الوقت الذي بدأت كلفتها تنعكس على دورها".
مجلة أفكار تعتبر من أقدم المجلات الثقافية في الأردن،
فرغم تاريخها العريق ودورها ومكانها وخصوصا في الستينات فهي "كانت" أما
الآن فهي "تراجعت إلى الخلف، لصالح الجمود وعدم مواكبة الواقع ومستجداته في
مادتها".
لما هذا التراجع، فرغم أن المجلات الثقافية شهدت نهضة منذ
1921 حتى 1946 في الأردن، تشرح أبو الشعر "في العام 1945 صدرت أول مجلة
ثقافية في الأردن استمرت من عام 45 حتى عام 47 وهي مجلة الرائد وقد استقطبت خيرة
الكتاب سواء على الصعيد المحلي أو العربي، والكثير من الأدباء كانت لهم مشاركاتهم
وأذكر الأديب الراحل روكس بن زائد العزيزي، والأديب عباسي وأمين أبو الشعر وسليمان
الموسى، فدورها مهم ولا يمكن المرور عليه".
ويقول مدير تحرير مجلة أفكار، حكمت النوايسة "إذا
تحدثنا عن مجلة أفكار فهي مجلة تخاطب المثقفين والمبدعين، وهي لا تخاطب فئة القراء
بالضرورة، وإذا تحدثنا عن جرائد الرأي والدستور وغيرها المليئة بالأخبار والمواد
الثقافية، فليس بالضرورة أن يقرأها من يشتري الجريدة".
"لا يستطيع القارئ أن ينجو من قراءة المجلة، وينبغي
التفريق بين المجلة الرزينة والخفيفة"، كما يقول النوايسة.
ويضيف النوايسة.."أفكار فيها كافة المشارب من
الكتاب وفيها مقالات في الاجتماع وعلم النفس والفنون والقصة والشعر، المجلة مدعومة
بالكامل من وزارة الثقافة وسعرها نصف دينار، والكل يعلم ماذا يعني نصف دينار في زمننا
هذا".
إذن المجلات الثقافية الأردنية، "رصينة أكثر من
اللزوم، ونحن في وقت لم تعد الرصانة مهمة، أو مطلوبة فعليها أن تخاطب الجمهور".
كما يرى جمال ناجي.
ويضيف "المواد التي تنشر في مجلات أفكار وأوراق على
سبيل المثال مشغول عليها جيداً لكنها متجهمة، وتحتاج إلى أناس متخصصين في قراءتها،
ولا توجد فيها تنويعات التي يبحث عنها القارئ".
ويوضح ناجي "المجانية لا تعني قراءتها، وكيف لنا أن
نقدم الثقافة ولا ندرك الطريقة التي نقدمها !"
مجلات ثقافية لأجل الاستمرار، ورغم أنها مدعومة من جهات
ولا تعاني من قلة المال، كحال أي مشروع ثقافي، فهي إن كانت تعاني فمعاناتها "افتقارها
للتنوع" و"أقلام تبحث عن التغيير" ولا تعتمد على الصداقات
والمحسوبيات وهي التي نالت وتنال من الساحة الثقافية التي تزداد يوما بعد يوم
انعزالا عن القارئ الباحث عن الثقافة.
قدرة المجلات الثقافية في الأردن محدودة في جذبها للقارئ،
ومع فجوة عدمية القراءة، لتكون المجلات هي الحلقة الأضعف في معدلات القراءة، وما
يزيدها تعقيدا "عدم قدرة مسؤوليها على إدارة الدفة لتكون المجلة هي العازف
الوحيد خارج الاوركسترا.