بدأ التفكير بصنع سيارة يقل فيها الاعتماد على الوقود البترولي منذ خمسينات القرن الماضي، وسعى المخترعون لتطوير آلية عملها بحيث تعتمد على الطاقة الكهربائية بشكل كامل، ويعد المحافظة على البيئة أحد أهداف هذا التوجه.
وطرحت شركات السيارات باكورة إنتاجها من السيارة الهجينة "كهرباء، ووقود بترولي"، في بداية الألفية الثالثة وزاد عليها الطلب بشكل كبير، خاصة في ظل الرغبة بحماية المناخ من التغيير.
هل تكون البديل؟
وتم تأسيس "مجموعة المناخ" عام 2004 وهي منظمة غير ربحية، تعمل بالتعاون مع جهات حكومية ورجال أعمال للتركيز على الطاقة المتجددة، وذلك للتخلص تدريجيا من الطاقة المعتمدة على النفط، ومن مساعيها إنتاج سيارات كهربائية بالكامل.
فما مدى إمكانية أن تصبح السيارة الكهربائية بديلا بشكل كامل عن التقليدية؟ يجيب المحلل والخبير الاقتصادي مازن مرجي على هذا التساؤل بالنفي قائلا إنه "لن تصبح بديلا بشكل كامل للسيارات التقليدية، ولن نرى ذلك خاصة في الدول النامية وأعتقد أن هذا الأمر يحتاج لوقت كبير ليتحقق".
واستدرك مرجي قائلا في حديث خاص لـ"عربي21": "لكن كلما ارتفع النفط سيزداد العمل بشدة على تطوير صناعة السيارات الكهربائية، وبالتالي سيكون المستقبل لها، ولكن ليس في القريب العاجل بل خلال 20-30 عاما"، وفق تقديره.
وتوقع زيادة الطلب على السيارات الكهربائية في المستقبل بسبب نظافة طاقتها، كونها لا تعتمد على الوقود البترولي، مشيرا إلى أنه "في الأساس بدأت الشركات تتجه لصناعتها بسبب ارتفاع أسعار النفط، لذلك كلما ارتفع سعره كلما زاد الإقبال عليها والعكس صحيح".
واتفق الصحفي العلمي عبد الكريم عوير مع مرجي، بتأكيده أن "السيارة الكهربائية لن تحل مكان التقليدية في المستقبل القريب"، مضيفا أنه "لا يمكن أن يتحقق ذلك خلال العشرين سنة القادمة على الأقل".
وأوضح عوير والذي يشغل رئيس تحرير موقع نقطة العلمي، في حديث خاص لـ"عربي21" أن ذلك يعود لسببين هما، أن "سرعة السيارة الكهربائية أقل من سرعة التقليدية، إلى جانب حاجة السيارة الكهربائية للشحن بشكل كبير".
وبين أن "السيارة الكهربائية تسير ما بين 70 إلى 100 كيلو فقط قبل أن تصبح بحاجة للشحن، وبالتالي من يسيرون مسافات طويلة يوميا سيتأثرون بذلك وهي غير مناسبة لهم".
وفي الإطار ذاته، قال الخبير في شؤون النفط والطاقة نهاد إسماعيل إن "السيارات الهجينة والكهربائية ستكون الأكثر شعبية لأنها تمنح المرونة، وسيكون لها مستقبل ولكن ليس قريبا، وإنما تحتاج لعشرات السنين".
واعتقد إسماعيل في حديث خاص لـ"عربي21" أنها "لن تكون بديلا كليا ولكن بشكل جزئي، في ظل التقدم التكنولوجي الحالي، بشرط حل مشاكل البنية التحتية"، مشيرا إلى أنه "في حال تم استنزاف الاحتياطات النفطية فإن مستقبل السيارات الكهربائية سيكون أكبر".
وبحسب المختص في شؤون النفط والطاقة، فإن "السيارة ستبقى تعمل بالوقود البترولي خلال نصف القرن المقبل، وستبقى تنافس الكهربائية"، معتبرا أن "السيارة الهجينة هي الحل الوسط".
وذكر أن "هناك بعض التنبؤات تتعلق بمجال النقل، تشير إلى أنه بحلول 2030 ستكون نسبة استعمال السيارات الكهربائية 15 بالمئة، وبحلول 2050 ستعمل معظم السيارات على الكهرباء".
هل ستؤثر على صناعة النفط؟
وحول تأثر صناعة النفط أو الدول المصدرة له في حال صنعت السيارة الكهربائية بالكامل وبمواصفات جيدة، قال إسماعيل إن "التأثير سيكون ضئيلا"، مبينا أن "الحكومات تضع تشريعات وقوانين تمنع إنتاج سيارات تعتمد على مشتقات البترول".
وتابع أن "التأثير سيبقى ضئيلا ولا يذكر على الأقل حتى أواسط القرن الحالي"، منوها إلى أن "هناك عوائق ومشاكل في البنية التحتية تواجه السيارة الكهربائية، وأهمها بناء عدد كاف من محطات الشحن، وهي عالية التكاليف وستأخذ سنوات".
وأوضح أن "بريطانيا مثلا تحتاج بحلول عام 2040 لـ2.5- 3 ملايين محطة شحن، وستبلغ التكلفة حوالي 85 مليار يورو بين الآن و2040، أي كل محطة ستكلف 25 ألف يورو".
المحلل الاقتصادي مرجي شدد على أن "الدول المصدرة للنفط تعي جيدا بأن التكنولوجيا الحديثة عموما والسيارة الكهربائية بشكل خاص سيكون لها تأثير على صناعة النفط، ولهذا هم في الأساس يبحثون عن بدائل اقتصادية للنفط".
وخلص مرجي بالقول إن "التأثير سيكون تدريجيا وليس فوريا ونهائيا، ويمكن أن نرى هذا التأثير خلال عقدين، وبالنهاية سنصل لوقت سيصبح النفط فيه سلعة غير مرغوبة".
وذكر المختص العلمي عوير أن "تأثير السيارة الكهربائية على صناعة النفط لن يكون كبيرا بالوقت القريب، ولن تكون الطاقة الكهربائية بديلة له فورا، إلا إذا تطورت وسائل إنتاج الطاقة الكهربائية دون الاعتماد على النفط".
واستكمل عوير قائلا إن "إشكالية السيارة الكهربائية تكمن في مصدر حصولها على الطاقة"، مؤكدا أن "الدول تضطر حاليا لاستخدام النفط والغاز في المحطات البعيدة عن المدن، ويقتصر شحن السيارات الكهربائية داخل المدن".
وأردف قائلا: "مشكلة تخزين الطاقة الكهربائية المتولدة من الرياح والزائدة عن الحاجة، تواجه أيضا السيارة الكهربائية"، منوها إلى أنه "لا يوجد وسيلة لتحقيق ذلك حتى الآن، وبالتالي مالم تحدث طفرة علمية في قضية تخزين الكهرباء، لن تكون هناك إشكالية على الدول النفطية".
يذكر أن شركة "تيسلا" الأمريكية تعد أكثر منتجي السيارات تركيزا على صناعة السيارة الكهربائية، ويسعى مديرها "إلون ماسك" لتطوير هذه الصناعة، وقد كشف في وقت سابق من هذا العام عن أول شاحنة تعمل بالطاقة الكهربائية بشكل كامل.