أظهر إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، تفانيا ملحوظا في دعم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. حيث صرح مؤخرا بأنه مستعد للمخاطرة بحياته لضمان عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وقد بلغت مساهماته المالية في حملة ترامب الانتخابية 120 مليون دولار حتى الآن، مما يثير تساؤلات حول دوافعه وراء هذا الدعم اللامحدود.
من المعروف أن عملاق التكنولوجيا ماسك لم يكن من مؤيدي ترامب سابقًا، حيث أنه ليبرالي الهوى، وقد وسبق أن وصف نفسه بأنه "معتدل سياسيًا". لكن عام 2016 كان نقطة تحول؛ فعقب انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، دعا الأخير عمالقة التكنولوجيا لاجتماع. في ذلك اللقاء، شعر ماسك بأنه بينه وبين ترامب "كيمياء واضحة حتى إنه قال إنه شعر بأن بإمكانه التأثير على ترامب لتغيير موقفه تجاه المهاجرين في أمريكا.
تاريخيًا، كان ماسك نقديًا تجاه ترامب ودعم المرشحين الديمقراطيين، بما في ذلك هيلاري كلينتون في انتخابات 2016 الرئاسية. عبّر ماسك عن مخاوفه بشأن ملاءمة ترامب للرئاسة وانتقد مقترحات سياسته. ومع ذلك، فإن فوز ترامب غير المتوقع غيّر المشهد السياسي. على الرغم من اختلافاتهم، عين ترامب ماسك في المنتدى الاستراتيجي والسياسي، وهو مجموعة من قادة الأعمال الذين يقدمون المشورة للإدارة. كانت فترة ماسك في المنتدى قصيرة الأمد، حيث استقال في يونيو 2017 احتجاجًا على قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.
وكشف ماسك سر تحوّله وتأييده لترمب قائلاً إنه يخشى ما يراه من تهديد لحرية التعبير والديمقراطية الأميركية في ظل القيادة الديمقراطية. وأصدر ماسك تحذيرات مكثفة على منصة «إكس» انتقد فيها السياسات التقدمية للحزب الديمقراطي، وحذر عبرها من أن هذه الانتخابات ستكون الأخيرة في الولايات المتحدة إذا لم يفز ترمب.
وبدأ ماسك يميل نحو وجهات نظر الجمهوريين اليمينيين بسبب اختلافه مع إدارة بايدن وعدم اهتمام الإدارة الحالية بمشروعاته، خاصة مشروع «سبيس إكس»، واتجاه الديمقراطيين لفرض مزيد من الضرائب على الأغنياء. وتفيد التقارير بأن من الطبيعي أن يسعى ماسك إلى تجنب هذه التوجهات الديمقراطية.
حماية المصالح التجارية والمزيد من الاستثمارات
والواضح أن ماسك يرى في ترامب شريكًا قادرًا على حماية مصالحه، وهو ما عبر عنه برادلي تاسك، الخبير الاستراتيجي السياسي والمستثمر، لـ"يورونيوز" قائلًا: "ماسك يؤمن بفوز ترامب، وهذا يعني بالنسبة له ضمان المزيد من عقود ناسا لشركة سبيس إكس، والمزيد من العقود الفيدرالية لشركة ستارلينك، والمزيد من الحوافز لشركة تسلا، وحماية القسم 230 لشركة إكس، وغيرها من الفرص اللامحدودة". وأضاف تاسك أن ماسك قد يشعر بخيبة أمل كبيرة، ونكسة ساحقة إذا فازت هاريس في الانتخابات.
في تحليل لموقع «أكسيوس»، وُصف دعم ماسك لترامب بـ«المصلحة الراسخة»، حيث أوضح الموقع أن إيلون ماسك يبني إمبراطوريته على علاقات قوية مع الحكومة الأمريكية، مما قد يكون دافعًا لتأييد مرشح يملك علاقات قوية في الإدارة الفيدرالية. فشركة «سبيس إكس» التي يمتلكها ماسك تستفيد من عقود ضخمة مع وكالة ناسا، وشركة «تسلا» التي حصلت على قرض حكومي حاسم في بداياتها تعتمد على دعم حكومي مستمر في شكل إعفاءات ضريبية، إضافة إلى حماية قانونية لمنصة «إكس» عبر المادة 230 من قانون آداب الاتصالات.
أشار تقرير «أكسيوس» إلى أن ماسك قد يسعى لتخفيف الضغط الذي تفرضه عليه هيئة الأوراق المالية والبورصات بسبب تصريحاته على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما قد يتحقق إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض. وأوضح الموقع أيضًا أن دعم ماسك لترامب يمنحه فرصة للتأثير على السياسات المستقبلية، خاصة فيما يتعلق بحوافز السيارات الكهربائية والسياسات التجارية مع الصين، التي قد تؤثر مباشرة على مصالحه التجارية .
ما الذي تغير؟
بعد تنصيب الرئيس الديمقراطي جو بايدن في بداية 2021، تواصل مسؤولون من شركة تسلا مع البيت الأبيض من أجل بناء علاقة بين بايدن وماسك، في وقت كانت قد بدأت الإدارة الجديدة في وضع الخطط لتنفيذ وعود حملتها الانتخابية لتعزيز المركبات الكهربائية على الطرق الأميركية، وفقا لما نقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين على الأمر.
ورغم أنه في ذلك الوقت كانت تسلا هي الشركة الأميركية الوحيدة التي أنتجت ثلثي المركبات الكهربائية التي تسير على الطرق الأميركية، فضّل مسؤولو البيت الأبيض عدم إثارة غضب نقابة عمال السيارات التي ضغطت للحفاظ على مسافة بين بايدن وماسك.
فقد كانت تسلا هي الشركة المصنعة الوحيدة الكبرى للسيارات في الولايات المتحدة التي ليس لديها عمال مصانع نقابيون. وكانت بعض ممارسات العمل الخاصة بها تحت التدقيق من جانب الهيئات التنظيمية الفيدرالية.
وفي أغسطس 2021، نظم بايدن حدثًا للسيارات الكهربائية، والذي كان من المقرر أن يوقع على أمر تنفيذي بهدف جعل نصف جميع المركبات الجديدة المباعة بحلول عام 2030 خالية من الانبعاثات.
قبل الحدث مباشرة، اتصل مسؤولو البيت الأبيض بشركة تسلا لإبلاغهم بأن ماسك ليس مدعوا.
بدلا من ذلك، رحب بايدن بمسؤولين تنفيذيين من ثلاث شركات سيارات أخرى هي جنرال موتورز وفورد وشركة ستيلانتيس، والتي تخلفت جميعها عن تسلا بهامش كبير في إنتاج السيارات الكهربائية، لكنها توظف آلافا من أعضاء نقابة عمال السيارات.
وبالمقارنة، فقد سلمت تسلا 115 ألف سيارة كهربائية في الربع الرابع من عام 2021، في حين أنتجت جنرال موتورز 26 سيارة فقط في نفس الفترة.
ومنذ أن أصبح بايدن رئيسا، حققت لجنة التجارة الفيدرالية فيما إذا كان منصة "أكس" التي اشتراها ماسك قد انتهكت مرسوم الموافقة عندما سمح ماسك للصحفيين بالوصول إلى سجلات الشركة، ورفعت وزارة العدل دعوى قضائية ضد شركة "سبيس أكس" الفضائية التي يملكها المليارير الأميركي، زاعمة التمييز في ممارسات التوظيف، ورفضت لجنة الاتصالات الفيدرالية دعم نظام ستارلينك لنطاق عريض، وهي إجراءات اعتبرها ماسك ذات دوافع سياسية، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
على الرغم من مظالمه مع الإدارة الأميركية الحالية، فقد ارتفعت ثروة ماسك الشخصية خلال فترة بايدن.
ففي يوم تنصيب بايدن، بلغت ثروته الصافية 184 مليار دولار، وفقا لمجلة فوربس. واليوم، تبلغ ثروته 234 مليار دولار ويحتل المرتبة الأولى كأغنى شخص في العالم.
حققت "سبيس أكس" العديد من الانتصارات الكبيرة خلال فترة بايدن، حيث حصلت على ما يقرب من 4 مليارات دولار من عقود ناسا لتطوير مركبة هبوط لنقل رواد الفضاء إلى القمر في مهام مستقبلية والعمل مع إدارة الطيران الفيدرالية لمضاعفة عدد عمليات الإطلاق المعتمدة من الوكالة بين عامي 2021 و2023.
وبالإضافة إلى "أكس" و"سبيس أكس" و"تسلا"، يمتلك ماسك ثلاث شركات أخرى هي "نيورالينك" الناشئة لصناعة رقائق الدماغ، و"بورينغ" للأنفاق، و"أكس أيه آي" للذكاء الاصطناعي.
ويقول المقربون من ماسك إنه مع ارتفاع ثروته، أصبح هدفًا أكثر للنقد، ومعظمهم من اليسار بشأن قضايا مثل الضرائب خاصة، وهذا دفعه أيضا بعيدا عن الحزب الديمقراطي، بحسب "وول ستريت جورنال".
وفي تحليله لخلفيات إعلان ماسك تأييده لترامب، ذكر موقع "أكسيوس"، أن "إمبراطورية ماسك بنيت بدعم حكومي، ولديه مصلحة راسخة في الحفاظ على ذلك"، لافتا في هذا الجانب إلى أن لسبيس أكس عقود مربحة مع ناسا.
كما أن شركة تسلا التي حصلت على قرض فيدرالي حاسم في بداياتها للبقاء، تسوق سياراتها الكهربائية على أنها مؤهلة للحصول على إعفاءات ضريبية أميركية.
وتستفيد منصة أكس من درع قانوني في شكل المادة 230 من قانون آداب الاتصالات التي تحمي شركات وسائل التواصل الاجتماعي من المسؤولية عن محتوى المستخدم.
وأشار الموقع إلى أن دعم ماسك لترامب قد يكون مدفوعا كذلك برغبته في تخفيف الضغط الذي تفرضه عليه هيئة الأوراق المالية والبورصات بسبب تصريحاته على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما قد يتحقق إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض.