مشاركة المرأة في سوق العمل: لا تقدم ملموس وبرامج ادماج غير فعالة
- وثائقيات حقوق الانسان - المرصد العمالي الأردني/ مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبرت بمناسبة يوم المرأة العالمي 8 آذار
للعام الثالث على التوالي يقوم المرصد العمالي الأردني بإصدار "ورقة تقدير موقف" بمناسبة يوم المرأة العالمي، بهدف القاء الضوء على واقع المرأة الأردنية في سوق العمل الأردني، ورصد أية تغيرات في أوضاع المرأة على أرض الواقع في سوق العمل أو على مستوى التشريعات.
وفي الوقت الذي يأتي فيه يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار من كل عام مناسبة للاحتفاء بنضال المرأة لتحقيق المساواة والعدل، واعترافا وتقديرا لجهود النساء في تحقيق التقدم الإنساني بمختلف أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فهي أيضاً تشكل فرصة لمراجعة أوضاع المرأة ومستويات تقدمها في المجتمع. وفي هذ السياق، فإننا في هذه الورقة سنقوم بمراجعة ما تم انجازه في الأردن على طريق إدماج المرأة في سوق العمل والوقوف على أبرز المعوقات التي تواجهها.
وبقراءة سريعة لعدد من المؤشرات الأساسية المتعلقة بوضع المرأة الاقتصادي وخاصة في سوق العمل، فإننا لم نلحظ أية تحسينات جوهرية على وضع المرأة في هذا المجال منذ سنوات، الأمر الذي يشير الى أن الجهود التي بذلت ومازالت تبذل في سبيل زيادة ادماج المرأة في الحياة الاقتصادية الاردنية لم تكن فعالة، وفي أحسن الأحوال ساهمت هذه الجهود والبرامج في ايجاد ونشر خطاب تضامني مع المرأة للحصول على حقوقها الاقتصادية، لكنها لم تساهم في جذبها لزيادة مشاركتها الاقتصادية، وبالتالي زيادة مساهمتها في جهود التنمية بمختلف ابعادها.
فما زالت الأرقام الرسمية تشير أن معدل المشاركة الاقتصادية المنقح للمرأة الأردنية في نهاية عام 2011 ( قوة العمل للإناث منسوبة إلى عدد السكان من الإناث 15 سنة فأكثر) ما زال منخفضاً جداً ويبلغ حوالي 14.9 بالمائة مقارنة مع 64.8 بالمائة عند الذكور، وهذه النسبة تراوح مكانها منذ سنوات. وإذا ما قورنت هذه المؤشرات مع واقع حال الدول العربية ودول العالم الثالث الذي تقارب فيها نسبة مشاركة المرأة 30 بالمائة وفي الدول المتقدمة تقارب 50 بالمائة، الأمر الذي يشير الى عدم فعالية الجهود التي تبذل لزيادة مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية. ومن المفيد الاشارة هنا الى أن ترتيب الأردن في تقرير التنافسية العالمي لعام 2010 في مؤشر مشاركة المرأة الاقتصادي كان الأخير بين (139) دولة.
من جانب آخر فإن أحدث الأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي والمتعلقة بعام 2010 تشير إلى أن نسبة النساء المشتركات في المؤسسة تبلغ حوالي 25.3 بالمائة من مجمل المشتركين في المؤسسة. وفي ذات الوقت بينت دراسة مسح فرص العمل التي استحدثها الاقتصاد الأردني في النصف الأول من عام 2010 أن 25 بالمائة من فرص العمل التي استحدثها الاقتصاد الأردني كانت للنساء. هذا وما زالت معدلات البطالة عند النساء الأردنيات أعلى منها عند الرجال، إذ بلغت 18.3 بالمائة مقابل 10.7 بالمائة عند الرجال في نهاية عام 2011. وهذه المؤشرات لم تتغير بشكل ملموس منذ سنوات، وبقيت تتحرك بواقع نقطة أو نقطتين صعوداً أو نزولاً، الأمر الذي يدخلها في باب الأخطاء الاحتمالية الاحصائية.
كذلك تتركز الغالبية الساحقة من النساء العاملات في الأردن (95) بالمائة في ثلاثة قطاعات اقتصادية من أصل (13) اقتصادي، وهذه القطاعات الثلاثة تتمثل في الادارة العامة والتعليم والصحة والعمل الاجتماعي، بنسبته (95) بالمائة من النساء العاملات.
أننا في " المرصد العمالي الأردني" نرى أن عدم حدوث تقدم ملموس في دور المرأة اقتصادياً وبالتالي زيادة مشاركتها في جهود التنمية يعود بشكل أساسي الى ظروف العمل الطاردة (غير الصديقة) التي يعاني منها سوق العمل الأردني ويعاني منها كل من الرجال والنساء، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النساء يتعرضن لانتهاكات في حقوقهن الأساسية اكثر من الرجال.
فما زالت معدلات الأجور في الأردن منخفضة جداً، فحسب آخر مؤشرات صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة فإن متوسط اجور العاملين الشهري في القطاع العام يبلغ (412) دينارا، وفي القطاع الخاص (338) دينارا، بفجوة لصالح الذكور قدرها ( 63) دينارا و (69) دينارا شهريا على التوالي. وهذا الانخفاض في معدلات الأجور والفجوة فيها لصالح الذكور تؤكدها الأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لعام 2010، إذ يبلغ متوسط أجر المشتركين الذكور (406) دينارا شهريا، بينما يبلغ متوسط أجور الاناث المشتركات (353) دينارا شهرياً، بفجورة قدرها (53) دينارا شهرياً.
وتشير كذلك العديد من التقارير العمالية والحقوقية أن النساء العاملات في القطاع الخاص يتعرضن للعديد من الانتهاكات وتجاوزات مخالفة لنصوص قانون العمل الأردني، فأعداد كبيرة منهن يعملن لساعات أكثر من 8 ساعات يوميا، ومحرومات من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، كذلك هنالك أعداد كبيرة منهن يحصلن على اجور تقل كثيرا عن الحد الأدنى للأجور ولا يتمتعن بالاستقرار الوظيفي وغيرها من شروط العمل اللائق.
وإذا ما علمنا أن النساء في الأردن يشكلن ما نسبته 51 بالمائة من طلبة البكالوريوس في مختلف الجامعات حسب أرقام 2011، فإن ضعف دور المرأة في الحياة الاقتصادية الأردنية يعد أحد المشكلات الأساسية التي يواجهها الاقتصاد الوطني، فهو من جانب يحرم طاقات إنتاجية كبيرة من المساهمة في بناء وتطوير الاقتصاد الوطني، ومن جانب آخر تزيد من نسبة الإعالة في المجتمع الأردني، حيث يعيل كل مواطن أربعة آخرين، وهذه النسبة تعد أيضاً من أعلى النسب في العالم.
هنالك كذلك جملة من العوامل الأخرى تساهم في تخفيض معدلات مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، فمن جانب هنالك ظروف العمل غير اللائقة التي يعاني منها سوق العمل الأردني بشكل عام، وخاصة في مؤسسات القطاع الخاص المتوسطة والصغيرة والقطاع غير المنظم، والتي تعتبر بيئة غير صديقة وطاردة للنساء الراغبات بالعمل، ولا تشجعهن على الالتحاق به أو الاستمرار فيه. ومنها أن المرأة تواجه تحديات غير متكافئة مقارنة مع الرجال في سوق العمل، الأمر الذي يؤثر سلباً على دخولهن إلى سوق العمل، ولا تأخذ فرصا متساوية في تقلد المناصب العليا والترقية وفي الحصول على فرص التدريب داخل وخارج الأردن.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن معدلات المشاركة الاقتصادية للمرأة في الأردن تتأثر بالحالة الاجتماعية وعدد وأعمار الأطفال لديها ومدى توفر الخدمات المتعلقة بالمرأة العاملة، وبالذات دور الحضانة، كما أن حجم قوة العمل النسائية يتأثر إلى حد كبير بعمر المرأة وزواجها، وإن الانسحاب من سوق العمل بالنسبة للمرأة يزداد طردياً مع ازدياد عدد العاملات المتزوجات، ومع ازدياد الإنجاب للمرأة العاملة.
هذا إلى جانب ارتفاع كلفة تشغيل المرأة خاصة بعد زواجها، إذ كان يتحمل صاحب العمل لوحدة كلفة إجازات الأمومة والرضاعة، وكونه صاحب القرار بالتوظيف، فإنه يحجم عن توظيفها. ومن المتوقع في هذا الشأن أن تساهم التعديلات التي تم إجرائها على قانون الضمان الاجتماعي ودخلت حيز التنفيذ والمتعلقة بإنشاء صندوق لتمويل تكاليف إجازة الأمومة في المساعدة في تشجيع أصحاب العمل على توظيف النساء. كذلك يشكل العامل الثقافي والاجتماعي السائد في مجتمعنا في دفع وتشجيع المرأة في البقاء في المنزل لرعاية الأسرة وعدم التحاقها في سوق العمل، والذي تعزز مع وجود بيئة عمل غير لائقة.،
وفي الختام، بات مطلوباً العمل على تحسين شروط العمل في الأردن بشكل عام وخاصة للنساء، لتصبح أكثر جاذبية للنساء، بالإضافة إلى عمل مراجعة لمختلف الاستراتيجيات والبرامج الهادفة إلى تعزيز دور المرأة في الحياة الاقتصادية وسوق العمل سواء تلك الصادرة عن المؤسسات الحكومية ذات العلاقة أو عن مؤسسات المجتمع المدني، ليس بهدف تقنين حقوق المرأة وحمايتها فحسب، بل لضمان تنفيذ هذه الحقوق.