مثليو الجنس: مهمشون يشقون عصا الطاعة
وثائقيات حقوق الإنسان - سوسن زايدة
لم يكن أمام المثليين جنسياً في الأردن خيار سوى عيش حياة مزدوجة: واحدة سرية يعبرون فيها عن هويتهم الجنسية "المثلية" في الحمامات العامة والحانات ودور السينما المنتشرة في وسط البلد، وأخرى "غيرية"، يظهرون فيها بقناع له ملامح "الغالبية" المقبولة في المجتمع.
بعد ظهور المدونات والشبكات الاجتماعية على الإنترنت، أصبح ممكناً للمثليين الشباب التعبير عن حقيقة هويتهم الجنسية والتعارف وتأسيس تجمعات يعبرون من خلالها عن اهتماماتهم وقضاياهم المشتركة.
من العالم الافتراضي، انتقلت هذه الفئة المهمشة، الممنوعة من التعبير عن نفسها، إلى عالم الواقع، والذي حدوده الجغرافية إحدى مناطق شارع الرينبو، بجبل عمان وبعض مقاهيه، وشاءت الصدف أن يكون "الرينبو" أو "قوس قزح" هو اسم الشارع ورمز المثليين في العالم.
هناك أماكن تجمع أخرى، صار أكثر أهل عمّان يعرفونها، مثل الشارع المؤدي إلى "المستشفى التخصصي" في الشميساني، وهو مكان لممارسة الدعارة المثلية، أكثر منه مكاناً للتعارف كما هو الحال في "الرينبو".
وعادة ما يشاهد في "شارع التخصصي" أو شارع المدينة الرياضة عدداً من المثليين "المتشبهين بالنساء" يقفون على الأرصفة في انتظار أن يلتقطهم أحد الباحثين عن "المتعة المثلية". ويطلق هؤلاء على أنفسهم أسماء ممثلات مصريات شهيرات مثل "ليلة علوي" أو "هياتم". وهم يتقاضون أجوراً مرتفعة بأكثر مما تتقاضى النساء العاملات في هذه المهنة، لأسباب الندرة، والمتعة المثلية المحرمة أكثر.
ويشاع على شبكة الإنترنت أن مقهى "بوكس أت كافية"، وبار "آر.جي.بي"، الواقع على الدوار الثالث، وأغلق منذ شهور، هما أماكن تجمع لهذه الفئة.
تضم مجموعات المثليين شباباً وشابات يعملون في مهن مختلفة أساسها صناعة الأفلام والإعلام والكتابة والفن وغيرها من المهن التي توصف بالمهن "الإبداعية". وفي أيار/مايو 2008، عرض في مسرح البلد أول فيلم يتناول موضوع المثليين جنسياً في الأردن، ويصور علاقة سحاقية بين طالبتين جامعيتين.
تمكن المثليون جنسياً، إلى حد ما، من التعبير عن أنفسهم وإيجاد أماكن للتجمع بعيداً عن ملاحقة الشرطة أو تطفل الفضوليين. لكنهم لم يتمكنوا من ترخيص جمعية تعنى بالدفاع عن حقوقهم. وفي آذار/مارس 2009، تقدم ثلاثة شبان في العشرينيات من عمرهم إلى مديرية تنمية عمان الغربية في جبل الحسين، بطلب إنشاء جمعية متخصصة بالدفاع عن حقوق المثليين.
مدير تنمية عمان الغربية محمد إبداح استقبل الشبان الثلاثة الذين أوضحوا له أن الجمعية "تهدف إلى إيجاد تجمع لمثليي الجنس للدفاع عن حقوقهم ونشر الوعي الصحي بينهم عن طريق إعطاء محاضرات طبية عن كيفية الوقاية من الأمراض الجنسية، إضافة إلى تشجيعهم على لعب دور فاعل في المجتمع عن طريق توزيع المساعدات على الفقراء".
لكن إبداح أكد لراديو البلد آنذاك أنه لا يمكن ترخيص جمعية كهذه لأن "القوانين في المملكة الأردنية الهاشمية لا تسمح بوجود هيئات أو مؤسسات أو جمعيات تخدش الحياء العام وتتعارض مع شرائع الدين الإسلامي".
طلبُ ترخيص جمعية لحقوق المثليين رُفض رغم أنه لا يتعارض وأي من الشروط التي حددها قانون الجمعيات الجديد رقم 51 لسنة 2008 في الصيغة التي صدر بها، حيث أجاز في مادته السادسة لمجموعة من الأشخاص لا يقل عددهم عن 11 شخصاً ان يقدموا طلباً لتسجيل جمعية. وحظر القانون تسجيل الجمعيات الماسونية وأي جمعيات أخرى ذات غايات عنصرية، لكنه لم يتطرق إلى حظر جمعيات يؤسسها مثليون.
غير أن تعديلات أدخلت العام 2009 على قانون الجمعيات لسنة 2008، استعاض أحدها عن حظر الجمعيات العنصرية بصيغة مطاطة أوسع تقييداً، نصت على حظر "أي جمعية لها غايات غير مشروعة أو تتعارض مع النظام العام في المملكة".
آدام، مثلي جنسياً، يدافع عن فكرة الجمعية وعن أهميتها بالنسبة للمثليين في الأردن، شارحاً "الجمعية تهدف للإرشاد والتوعية الطبية، والعمل على تقبل المجتمع لهم والدفاع عن حقوق هذه الفئة الواسعة التي تعاني من شتى أشكال الاضطهاد والمعاملة غير المحترمة والإساءة اللفظية بالكلمات البذيئة والصفات السيئة. يصفوننا بالمرضى نفسياً ونحن لسنا كذلك"، يقول آدم.
في ظل غياب جمعية أو أي جهة أخرى محلية تعنى بحقوق المثليين، يقول آدم إنه سيتابع الاستعانة بجهات خارج الأردن للدفاع عن حقوقه. الاستعانة بجهات خارجية هي أبرز انتقادات الفريق الذي يتهم المثلية الجنسية بأنها "تقليد غربي"، يريد منه المثليون "اللجوء والسفر للعيش في الدول الغربية". ويرى هؤلاء أن التقارير الدولية في هذا الخصوص تهدف إلى الضغط السياسي على الأردن.
يفيد تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في الأردن للعام 2007 بأن "هناك تمييزاً ضد المثليين، وأن هناك تقارير عن أشخاص غادروا البلاد بسبب خوفهم من أن يتعرضوا للأذى من عائلاتهم لكونهم مثليين".
بعد هذه الإشارة المقتضبة، لم يرد في التقارير اللاحقة للخارجية الأميركية أي ذكر عن تمييز أو انتهاكات لحقوق المثليين في الأردن، رغم الحملة التي نفذتها الأجهزة الأمنية في تشرين الأول/أكتوبر 2008 واستهدفت المثليين جنسياً، أو كما وصفهم تقرير صحيفة الغد بـ"الطنطات" أو "الجنس الثالث".
في الحملة الأولى من نوعها، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على أربعة أشخاص مثليين، "بعد الإيقاع بهم بواسطة كمين خصص لهذه الغاية، وتأكد تجمعهم والتقاؤهم في إحدى الحدائق القريبة من مستشفى خاص في عمان الغربية"، كما نقلت الصحيفة عن مصادر أمنية فضلت عدم ذكر اسمها.
وجاء في التقرير الصحفي أن محافظ العاصمة السابق في حينها، سعد الوادي المناصير، "اتخذ إجراءات إدارية بحقهم، تمثلت بتوقيفهم داخل مركز إصلاح وتأهيل الجويدة، ومنع تكفيلهم إلى حين اتخاذ ضمانات تكفل عدم تكرارهم هذه التصرفات الشاذة".
وأضاف تقرير "الغد" أن "إدارة السجون تضع كلاً منهم في حجز انفرادي، لمنع اختلاطهم مع باقي النزلاء، تحسباً من ممارسة الرذيلة، التي تتعارض مع الرقابة الصحية التي تحاول وزارة الصحة فرضها بهذا الشأن، تجنباً لوقوع أمراض جنسية".
المصدر الأمني "غير المعلوم" قال للصحيفة، إن "الشاذين جنسياً في تزايد مستمر، وإن الحملة الأمنية ستبقى قائمة إلى حين القضاء على كافة مظاهر الانحلال والرذيلة". وقدر المصدر أعداد المثليين في الأردن بـ 600 شخص.
التقرير الصحفي صوّر المثليين في الأردن كـ "ظاهرة سلبية" اقترنت بهم الأمراض المنقولة، وعرض تحليلات أخصائيي صحة جسدية ونفسية عن أسبابها وطرق الوقاية منها. والأهم أنه خلط بين المثليين عموماً وبين العاملين في الدعارة، الذين لا تختلف ظروفهم عن النساء العاملات في الدعارة.
هذا التقرير ما هو إلا مثال واحد على تقارير إعلامية عديدة، بما فيها من "أخصائيين" و"خبراء"، ترسم صوراً نمطية عن المثليين، وتساهم في تكريس رفض المجتمع لهم وتهميشهم.
ومن الأنشطة المناهضة للمثلية، إصدار جمعية العفاف كتاباً بعنوان "قوم لوط في ثوب جديد" يقدم لمحة تاريخية عن "الشذوذ" وأسبابه والعوامل التي تساعد على انتشاره والنتائج الخطيرة المترتبة عليه، إضافة إلى الحلول المقترحة لمعالجة هذه المشكلة والوقاية منها.
ويأتي هذا الإصدار، بحسب ما تقدم له الجمعية، ضمن الجهود الهادفة إلى "توعية الشباب ووقايتهم من الانحراف والشذوذ من خلال مشروع وقاية الشباب من الأمراض المنقولة جنسيا والإيدز".
وفي المجمل ترتدي الأصوات المناهضة للمثليين لبوساً توعوياً صحياً، وتنتهي في المحصلة إلى التأكيد على رفض الدين والمجتمع لهؤلاء.