“المطبوعات” تواصل استخدام “الفيتو” والكتّاب يطالبون بالتعويض
*هل تنقلب “دائرة المطبوعات” إلى “دائرة صديقة للكتاب” *المطبوعات: دعوة لمن منعت كتبهم التقدم مرة أخرى
صبا أبو فرحة لوثائقيات حقوق الإنسان
في الفترة ما بين (1955-1987) منع الأردن دخول 1248 كتاباً لأردنيين وعرب. أكثر من نصف الكتب فكرية وسياسية وثقافية والبقية لأسباب تتعلق بالدين الإسلامي أو ما تسمى بوجود عبارات “خادشة للحياء العام”.
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة الأردنية ،علي محافظة، رغم تمتعه بعلاقة جيدة مع المسؤولين الأردنيين إلا أنه وعند صدور كتابه “الديمقراطية المقيدة حالة الأردن 1989-1999، تم منعه من قبل دائرة المطبوعات والنشر دون إبداء الأسباب.
هذا الكتاب نشره في بيروت في العام ٢٠٠١ لحساب مركز دراسات الوحدة العربية بيروت.
"الحديث عن كتابي، يثير الغرابة والاستغراب، فالكتاب ليس فيه شيء ضد نظام الحكم في الأردن، وكل مصادر المعلومات المتوافرة فيه هي من الصحف الأردنية، ومن بيانات رسمية أردنية، كما أنها من آراء مسؤولين أردنيين تولوا مناصب هامة في إدارة الدولة، لذلك فإن منع هذا الكتاب منذ صدوره يدل على عقلية الحكام الأردنيون آنذاك، وخاصة وزراء الإعلام والجهات المسؤولة عن المطبوعات في هذا البلد”.
من الغريب بالنسبة لمحافظة أنه وبعد مرور ٦ سنوات على منع الكتاب، سمح بدخوله، لفترة محدودة ثم عاد منعه مرة أخرى، ويرى هنا المحافظة بأن المنع “لم يكن صادرا عن دائرة قضائية ولا عن أي مصدر رسمي يعتد به، كان قراراً مزاجياً لا مبرر له قطعاً".
الكاتب عبدالله حمودة ورئيس لجنة الحريات في رابطة الكتاب الأردنيين، يوثق في دراسة خاصة له، هذه الأرقام من الكتب الممنوعة، ويربط المنع "بجملة صلاحيات معطاة لمدير المطبوعات في منع الكتاب الذي يرتأيه”.
فمنذ فترة الانفراج السياسي أواخر العام ١٩٨٩ قلت عدد الكتب الممنوعة، لكنها تراوح بين ٦٠-١٢٠ كتابا بمعدل كتاب أو كتابان يتم منعهما أسبوعياً.
بحجة "حماية الأمن الوطني" تمارس “الرقابة” منعها للكتب، مخالفة بذلك ما صادق عليه الأردن “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” بعد نشره في الجريدة الرسمية في العام ٢٠٠٦.
فالمادة (١٥) من العهد، تقر على الدول الأطراف في العهد، بأن من حق الفرد أن يشارك في الحياة الثقافية، وأن يفيد من حماية المصالح المعنوية والمادية الناجمة عن أي أثر علمي وفني أو أدبي من صنعه.
العهد الدولي، يلزم الدول الأطراف على ضرورة اتخاذ تدابير بغية ضمان الممارسة الكاملة لهذا الحق وأن تشمل تلك التدابير صيانة العلم والثقافة وإنماؤها وإشاعتها، وكما تتعهد باحترام الحرية التي لا غنى عنها للبحث العلمي والنشاط الإبداعي.
ممنوع بحكم القانون
يحق لدائرة المطبوعات والنشر منع أي كتاب تعتقد أنه يمس الصالح العام، حتى في قانون المطبوعات والنشر المعدل لعام 2007 ويتم تحويل الكاتب إلى القضاء في حال وجود أي عبارة تعتقد”الدائرة” أنها تمس الأمن الوطني أو أي مخالفات تؤثر على النسيج الاجتماعي.
المحامي المتخصص في مجال قضايا المطبوعات والنشر د. صخر الخصاونة، يبين أن هنالك بعض البنود التي تنص صراحة على ذلك؛ منها المادة 31 من القانون، خاصة البند “ب” والذي ينص "إذا تضمنت أي مطبوعة صادرة خارج المملكة ما يخالف أحكام هذا القانون فللمدير أن يوقف إدخالها او توزيعها في المملكة أو أن يحدد عدد النسخ التي يسمح بتوزيعها على ان يتقدم إلى المحكمــــة، وبصورة عاجلة، بطلب إصدار قرار مستعجل بمنع إدخالها او توزيعها او تحديد عدد النسخ الموزعة الى حين صدور قرار نهائي بهذا الشأن".
ويتابع المحامي خصاونة أنه أيضاً "وبموجب نص المادة 35 من قانون المطبوعات والنشر إذا تبين لمدير دائرة المطبوعات والنشر الكتاب المطبوع في المملكة يتضمن ما يخالف أحكام التشريعات النافذة فله بقرار من المحكمة مصادرة هذا الكتاب ومنعه من التداول"، معتبراً أن "الرقابة هي رقابة قضائية، ولا بد أن يستند قرار الوقف بقرار من المحكمة المختصة".
القاعدة العامة في مراقبة المطبوعات والنشر هو أن " الكتب التي تخالف أحكام النظام العام الأردني هي الكتب التي يجوز أن تصدر المحكمة قرار وقفها أو عدم توزيعها والقواعد العامة في هذا الشأن هي الأصل كقاعدة عامة ما يخالف الأمن الوطني أو التي قد تشكل إهانة للشعور الديني السائد في المملكة أو إذا كانت قد تؤدي إلى إثارة النعرات الدينية والمذهبية والطائفية، هذا بشكل موجز"، يوضح الخصاونة.
بذلك، على “المطبوعات والنشر” الرقابة اللاحقة وليست السابقة كما هو حالي، وذلك بموجب التعديلات التي طرأت على قانون المطبوعات والنشر.
توجهنا إلى المدير العام لدائرة المطبوعات والنشر عبد الله أبو رمان، الحالي يؤكد لنا أن المنع في قانون المطبوعات والنشر “لم يعد مسموحاً، فالقانون الحالي لا يجيز للدائرة ولا لأي دائرة حكومية أن تصادر رأي المثقف أو المبدع أو الكاتب، الآن في حالات محددة تلجأ دائرة المطبوعات والنشر هي والكاتب إلى القضاء".
أبو رمان، يشرح أن "هنالك بعض القضايا التي يتوجب على المدير العام للمطبوعات والنشر أن يتوقف عندها ويحيلها للقضاء منها تحديداً ثلاث قضايا: التي تمس بالأديان، والتي تمس بتماسك المجتمع والفتنة الداخلية، والتي تمس بالأخلاق العامة".
ويعتبر المسؤول الحكومي أن "هذه عناوين فضفاضة وليس من السهل أبداً أن يقوم موظف في دائرة حكومية بالحكم أن هذا الشخص قد أساء للدين وخاصة بالقضايا الأدبية والإبداعية".
ويقول "حتى هذه اللحظة أؤكد تماماً بكل ثقة لم تتم إحالة أي كتاب إلى المحكمة ولا أي كاتب ولم يتم منع أي كتاب لأن هذا الأمر ليس من صلاحياتنا".
المنع متواصل
يرى مقرر الحريات في رابطة الكتاب الأردنيين الباحث عبد الله حمودة أن عملية منع الكتب ما تزال قائمة، وتقوم بها دائرة المطبوعات، ويبرر اعتقاده ذلك بأن "الأردن بنى قوانينه على أساس الأمن قبل الحرية، بالتالي العقلية الأمنية هي التي تقرر".
ويقول المدير العام لدار أزمنة القاص إلياس فركوح إن "الرقابة لم ترفع، بل باتت في نتائجها سبباً رئيساً في الخسارة المالية لدور النشر".
ويتساءل فركوح عن جدوى التعديل على قانون المطبوعات "إن كانت نتائجه أدت إلى عكس المعلن عنه".
عقليات تواجه التغيير
لا يمكن حصر أو مقابلة كافة الكتاب الذين منعت كتبهم، لكن يكفي ذكر سوق العديد من النماذج لتدليل على عمومية الممارسة، فالعديد ممن صودرت منشوراتهم لم يشفع لهم “تاريخ الأردن” للحديث عنه، ومن بينهم الكاتب وهيب الشاعر، الذي منع كتابه “الأردن إلى أين” من التوزيع بمجرد نشره في العام ٢٠٠٤ عن مركز دراسات الوحدة العربية .
هذا الكتاب أثار نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية، إذ يعتبر الكتاب تكثيفا سياسيا لمخطوط لم يصدر عنه،.
"عرفت بشكل غير رسمي من دائرة المطبوعات المعنية بالأمر، أن هنالك مجموعة كبيرة من الأسباب؛ الموظفين المساعدين سجلوها في ملف الكتاب كأسباب موجبة للمنع"، يقول الشاعر، متابعاً "الظاهر لأن الكتاب نشر بالخارج وقد اكتفت الدائرة بمنع توزيع الكتاب داخل الأردن، وكان من الممكن أن يقوموا بإجراءات أخرى معي لكنهم لم يقوموا بأي إجراء".
"آن الأوان لأجهزتنا الإعلامية والأجهزة المسؤولة عن المطبوعات، أن تعي المرحلة الحالية التي تعيشها هذه الأمة، والتي يعيشها الأردنيون باعتبارهم جزءاً من هذه الأمة، عليهم أن يدركوا أن عهد الاستبداد قد ولى، وأن عهد الرقابة قد ولى أيضا، وأن عقلية حبس الناس اعتماداً على أفكارهم وملاحقتهم، انتهت والدنيا تغيرت لكن عقلية هؤلاء الناس لم تتغير، هم ما يزالون بعقلية الخمسينيات والستينيات”، يقول الدكتور محافظة، ويضيف أن هؤلاء “ما يزالون يعتقدون أن بالسوط يستطيعون أن يمنعوا الناس من القيام بأي عمل يعبرون فيه عن آرائهم، ويمارسون فيه مختلف أنواع حرياتهم".
الدائرة الصديقة
كان هنالك سجال دائم بين الكتاّب ودائرة المطبوعات والنشر، حول دعوة وجهت لها أنهم يرغبون أن تكون صديقة للكتاب وليس سيفاً يشهر في وجوههم.
يقول فتحي البس رئيس إتحاد الناشرين الأردنيين السابق أن "المطلوب من الدائرة أن تتحول لدائرة صديقة للثقافة والمثقفين، وتزود صاحب القرار بالدراسات والمعلومات وترفع يدها تماماً عن الرقابة لما يقرأ الناس".
"الأصل أن من يتضرر من أي كتاب أن يلجأ إلى المحكمة مطالباً بحقوقه"، يقول البس.
ويبين مدير عام دار الشروق: أن "هذا كلام طالبنا به ونطالب به دائماً، لكننا ندرك أن المشكلة الأساسية فيما يتعلق بصناعة الثقافة عموماً وبالكتاب خصوصاً الهاجس الأمني المسيطر على عقول المسؤولين، والذين رغم آرائهم الخاصة، لم يستطيعوا أن يتجاوزوا هذا الهاجس".
من ناحيته، يقر المدير العام لدائرة المطبوعات أبو رمان أنه "بعمر ومسيرة الدائرة التي بدأت من سنة 1921 حتى الآن نتحدث عن تسعين سنة، هنالك مئات العناوين التي صودرت والتي منعت وهذا يستدعي إحدى أمرين إما أن يقوم الكاتب أو الناشر بإعادة تقديم طلب مرة أخرى للمطبوعات في ضوء تعديلات القانون بطلب إجازة الكتاب وتسهيل دخوله للبلاد، وهذا سيتم فوراً دون نقاش، أو الآلية الثانية أن نشكل نحن دائرة المطبوعات والنشر بالتعاون مع وزارة الثقافة، والهيئات الثقافية، لمراجعة جميع العناوين التي منعت وصدرت خلال 90 سنة وهذه مهمة ستكون شاقة، هنالك بعض العناوين التي كان يحظر دخولها للبلاد وفق القانون السابق الآن يعاد النظر بها. 90% من هذه العناوين أزلنا قرار المنع السابق بأثر رجعي".
أمثلة عن كتب منعت من التداول في دول أخرى
عقبت صحيفة الإندبندنت البريطانية في عددها الذي صدر في 19/3/ 2010 أن دولاً عديدة حتى المتقدمة منها منعت في تاريخها العديد من الكتب المهمة. وهي كتب نالت حظاً كبيراً من الشهرة والرواج، بل إن معظمها كان على قائمة أفضل مائة كتاب في القرن العشرين.
وضربت الصحيفة مثلاً بعض الكتب المشهورة التي يتم تداولها هذه الأيام مثل :
رواية مدام بوفاري احتلت المرتبة الثانية في قائمة أعظم الروايات التي كتبت على الإطلاق، ولم يتقدمها سوى رواية أنا كارنينا لليو تولوستوي. وذلك بحسب استطلاع قامت به الصحيفة على موقعها الإلكتروني التاريخ الموضح أعلاه.
رواية الكاتب د. هـ. لورنس ، منعت مؤقتاً في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وأستراليا لأنها انتهكت ما كان يطلق عليه اسم قوانين الفاحشة. ورفع الحظر عنها في الولايات المتحدة الأميركية في عام 1959، وتلاه رفع للحظر عن الرواية في بريطانيا عام 1960. بعد حظر دام ثلاثين عاماً.
ولعل ما قد يصدم القارئ أن رواية أرنست هيمنجوي “وداعاً للسلاح” تم منعها في بعض الولايات الأمريكية نظراً لمزاعم أن فيها بعض التفاصيل الجنسية التي تمس الحياء العام في ذلك الحين، ولكن بعض المؤرخين لمحوا أن سبب المنع الحقيقي هو أن الحكومة الإيطالية منعتها لأنها تصور "بصورة مزعجة" الانسحاب من كابوريتو خلال الحرب العالمية الثانية، وهي المعركة التي شارك فيها الكاتب بنفسه.
إذاً ما بين منع كتب وإجازتها يبقى أن الأفكار لها أجنحة كما قال عنها ابن رشد لا يستطيع أحد أن يمنعها من الوصول إلى كل من يرغب بها.
إستمع الآن