ضعف المراقب يغذي "مؤسسة الفساد"

الرابط المختصر

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان مكافحة الفساد ومحاسبة "الفاسدين من المسؤولين " تصدرت قائمة المطالب الشعبية بالإصلاح، ما دفع الحكومة إلى تقديم ملف مسؤول مشتبه به إلى هيئة مكافحة الفساد. وبعد أن يستهلك الإعلام الخبر تبادر الحكومة لتقديم ملف جديد للهيئة يشكل مادة جديدة يقدمها الإعلام لجمهوره. وتختزل بذلك معالجة الفساد بمحاسبة هذا الفرد/المسؤول أو ذاك. في حين أن المعنيين بمكافحة الفساد يقرون بوجود خلل في النظام العام بما فيه من تشريعات وسياسات وأنظمة تتعلق بمكافحة الفساد، المحاسبية والرقابة على المال العام كإجراء وقائي من الفساد. وبالتالي تجذرت مشكلة الفساد وتمأسست وتوسعت لتشمل قطاعات عامة. ومن أمثلة المؤسسات العامة التي يكثر الحديث عن شبهات فساد فيها البلديات، إما لانتشار الفساد فيها أو لسهولة كشفها ومبادرة بعض أعضائها المنتخبين لمكافحتها. بعض قضايا الفساد في البلديات وجدت طريقها إلى مجالس النواب، كما الحال مع شبهات الفساد في بلدية الزرقاء والتي أثارها النائب بسام حدادين مرارا. وأخرى وجدت طريقها إلى الإعلام، حيث كان هناك من هو مستعد للكشف عن شبهات فساد في بلديات بانتظار أن تتابعها الجهة المخولة بالتحقيق فيها، مثل المهندس الشاب أحمد الضمور الذي أعلن عن استقالته من رئاسة بلدية الكرك في شهر شباط 2010، في مؤتمر صحفي بين فيه أن "البلدية ورثت عن المجالس البلدية السابقة حجم مديونية مرتفع وأخطاء إدارية تسببت في زيادة معاناة البلدية المالية". أما قضية بلدية الرصيفة فتميزت بوصول ملفات فسادها إلى القضاء بعد معركة دامت سنوات خاضتها محامية شابة تمكنت من الفوز بعضوية مجلس البلدية وكشفت ما يدور فيها من فساد تغلغل على مدار سنوات طويلة. نفين العجارمة، محامية فازت بعضوية مجلس بلدية الرصيفة في انتخابات عام 2007 لكن المجلس رفع لوزارة البلديات طلبا بفصلها بسبب كتابتها مذكرات للوزارة تتهم فيها مجلس البلدية بالفساد، ولم توافق البلدية على الفصل، فرفع المجلس ضدها قضيتين، الأولى بتهمة إطالة لسان على الملك، والثانية إثارة نعرات عنصرية، وخلال التحقيق قاموا بفصلها ومساومتها على سحب القضيتين مقابل سحبها لشكاوى الفساد لدى هيئة مكافحة الفساد، لكن العجارمة رفضت. وبعد توقيفها لخمسة أيام للتحقيق في القضيتين وتحويلها إلى محكمة أمن الدولة جاء قرار المحكمة ليبرأها معتبرا أن الشكوتين كيديتين. واستمرت العجارمة في محاولاتها للعودة لمجلس البلدية دون جدوى. وتقول: "رئيس هيئة مكافحة الفساد السابق عبد الشخانبة قال لي صراحة أن القانون لصالحي لكن الموضوع أكبر منه"، مضيفة أن رئيس بلدية الرصيفة السابق موسى السعد الخلايلة "كان ذي نفوذ ولم يجرؤ أحد على التحقيق معه إلا بعد أمر جلالة الملك بالتحقيق في القضية". وتصف العجارمة بقية أعضاء مجلس بلدية الرصيفة بأنهم "متواطئون" في هذه القضايا، "لا يقرأون القرارات، فقط يريدون رواتبهم في آخر الشهر". وفي إشارة إلى نفوذ رئيس البلدية تقول العجارمة: "سبق أن اعترف أحد أعضاء المجلس أمام جميع الأعضاء أنهم جاؤوا عن طريق الجيش وقرارات رئيس البلدية بالنسبة لهم أوامر، ولا أحد يستطيع مخالفة قرار الرئيس". التوقيف والمحاكمة واستدعاءات دائرة المخابرات العامة لم يثن العجارمة عن متابعة الملفات التي رأت فيها شبهات فساد وقدمت شكاوى بخصوصها لهيئة مكافحة الفساد في أيلول 2008 لكن التحقيق لم يبدأ فعليا، كما تقول العجارمة، إلا بعد ثلاثة شهور حيث أوصلت رسالة للملك حول القضية، "وهو ما دفع الهيئة إلى استدعائي لبدء التحقيق". وبالفعل انتهى تحقيق هيئة مكافحة الفساد بتوقيف رئيس بلدية الرصيفة موسى السعد الخلايلة بتهمة "استثمار الوظيفة العامة" وبتحويل القضية إلى القاضي أسامة المشاقبة في محكمة الرصيفة التي استدعت العجارمة مؤخرا كشاهدة في القضية رقم 2004/2010. وترتبط القضية بملفات عديدة، منها تعيين أكثر من ٨٠ شخص من أقارب رئيس البلدية. وتقول العجارمة أنها "واجهت رئيس البلدية بذلك ولم ينكر، كما أملك وثائق تثبت ذلك". ومن الملفات التي تنظر المحكمة فيها قضية استثمار أموال بلدية رصيفة في البورصة من دون كفالة الشركة ولا حتى دراسة جدوى اقتصادية. وانهارت الشركات وخسرت البلدية الأموال. "كان قرارا خاطئا اعترضت عليه ولم يستجب لي أحد، بل تم استثمار المزيد من أموال البلدية فيما بعد من دون علمي كعضو في المجلس البلدي. كل هذه الملفات حققت فيها هيئة مكافحة الفساد وحولتها لمحكمة أمن الدولة التي استدعتني مؤخرا للشهادة في القضية"، تقول العجارمة. وكانت شكوك العجارمة حول شبهات فساد مجلس البلدية قد بدأت مع منحة قيمتها مليون دينار تبرع بها الملك لإنشاء حديقة في المحافظة. "وبالرغم من اختيار أرض على مساحة ١٥ دونما بجانب مستشفى الأمير فيصل لبناء مكتبة وحديقة وملعب، إلا أن المشروع لم ير النور لغاية الآن"، تقول العجارمة. "بحثت في القضية مع مسؤول المنح الملكية وتبين أن المحنة قد صرفت واستلمتها بلدية الرصيفة، لكن المشروع لم ينفذ. أين ذهبت الأموال؟". وكان للعجارمة ملاحظات تتعلق بالمتعهد المسؤول عن مقبرة الرصيفة منذ 35 عاما، وهو من أقرباء رئيس البلدية، حيث تعتقد أن هناك شبهات فساد تحوم حول عمله. وكذلك الحال بالنسبة لأرض في منطقة حي الرشيد منحتها الهيئة الخيرية الهاشمية لبلدية الرصيفة لإقامة مقبرة. وأقامت البلدية مقبرة على نصفها لاستغلال نصفها الآخر لثلاث غايات أخرى، منها قسم خصص لمعمل طوب يديره أحد أفراد عائلة رئيس البلدية، والذي يقوم بتفويض هذا الجزء من الأرض بموجب عقد خارجي مقابل 10 آلاف دينار، رغم أنها ملك للدولة. ومما اعتبرته العجارمة شبهة فساد تستحق التحقيق كان مواد الضيافة التي تقدمها بلدية الرصيفة لمديرية أمن الرصيفة. "مديرية الأمن العام لها ميزانية مستقلة عن ميزانية البلدية، والسؤال لماذا تقدم البلدية من ميزانيتها مواد ضيافة وأثاث للأمن العام؟ هذه رشوة بطريقة رسمية"، تقول العجارمة. ومن الملفات التي حققت فيها هيئة مكافحة الفساد بيع أراضي للدولة في الرصيفة على أساس أنها أراضي فضلات، رغم أن بعضها وصلت مساحته إلى ٨٠٠ متر. لكن تحت مسمى فضلة، وحسب تعريفها في القانون على أنها مرفق عام وشريط ملاصق للمرفق العام، تم استملاكها. لكن بعد تحقيق الهيئة تم رفع يدهم عن الأراضي وعادت للدولة. أما الجريمة الأكبر في استثمار رئيس البلدية لوظيفته والاخلال بها وعقوبتها 10 سنوات حسب قانون العقوبات، كما تصفها العجارمة، فكان مشروع شق وتعبيد الطرق. وتقول: "بعد أن استقبلنا طلبات من خمس مناطق، تحول المشروع كله لمنطقة سكن رئيس البلدية "زريبة" وتم قطع جبال وتعبيد شارع بطول ٢ كيلو متر، ونتوءات كل ٥ متر، ليرفع من سعر الأرض وليتمكن من بيعها بحجج". "كان الهدف من المشروع تحسين طرق الرصيفة وليس حصرها في منطقة سكن رئيس البلدية، فمناطق عويجان واليرموك وحي الرشيد ومخيم حطين تعاني من الطرق المكسرة وغير الصالحة للاستخدام". ورغم كل ما حققته العجارمة وكابدته في سعيها لمكافحة الفساد لا تنوي الترشح مجددا لانتخابات البلدية لعام 2011. وتقول: "لوبي الفساد أصبح مؤسسات وتجاوز الأفراد، الفساد أصبح ممؤسسا". وترى العجارمة أن الحكومة تدخلت في الانتخابات السابقة وستتدخل في الانتخابات القادمة. "طموحي أن لا تتدخل الحكومة في الانتخابات وأن يختار الشعب ممثليه لوحده". قصة بلدية الرصيفة تشبه قصص بلديات ومؤسسات عامة أخرى تعاني من الفساد. والمطلوب، وفقا للمفوض في هيئة مكافحة الفساد، رمزي نزهة، تعزيز الرقابة على البلديات. "دورنا في مجال الرقابة يكمن في تنفيذ مشاريع تتعلق بتحديد معايير النزاهة في مختلف القطاعات". مرجعيات متضاربة ويشدد نزهة على أن مكافحة الفساد هي مسؤولية مشتركة بين كافة السلطات ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام. "لا تستطيع الهيئة بكادرها الذي لا يتجاوز 120 موظف أن تكافح الفساد لوحدها. نحتاج لدعم مؤسسات المجتمع المدني والإعلام في التوعية والوقاية من الفساد. لدينا وحدة رصد إعلامي وأحيانا نحصل على المعلومة من الإعلام الذي يعد أحد مصادرنا لمتابعة قضايا الفساد". ويوضح نزهة دور الهيئة المتمثل في تنظيم جهود مكافحة الفساد. وتقوم بدور الضابطة العدلية في استقبال الشكاوي من المواطنين، سواء كانوا متضررين من حالة فساد أو يقومون بالإخبار عن حالة فساد شهدوها أو علموا بها. كما يمكن للهيئة أن تبادر من دون وجود شكوى بالتحقيق والكشف على مؤسسة والبحث عن وجود خلل ما. أما تعريف الفساد فليس محل اجتهاد، وفقا لنزهة. فالمادة 5 من قانون الهيئة حددت الافعال التي تعتبر فسادا، الفقرة الأولى تحدثت عن الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة والجرائم المخلة بالثقة العامة، وهي التي نص عليها قانون العقوبات، ثم الجرائم الاقتصادية الموجودة في قانون العقوبات جميعها جرائم فساد. ولضمان شمول كل ما يمكن اعتباره فسادا قال المشرع أن كل فعل أو امتناع عن فعل يؤدي إلى المساس بالمال العام يعتبر فسادا. وبالتالي الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقا وتحق باطلا تعتبر من أفعال الفساد. وتبقى الشكوك حول استقلالية هيئة مكافحة الفساد لكونها ترتبط برئاسة الوزراء وفق المادة 3 من قانونها. وهو ما قد يتعارض مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي صادق الأردن عليها في عام 2004، وتنص المادة ٥ منها على أن "تقوم كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانونى، بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة". كما "تسعى كل دولة طرف إلى إجراء تقييم دورى للصكوك القانونية والتدابير الإدارية ذات الصلة، بغية تقرير مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته". ولكن نزهة ينفي وجود أي محاولات من الحكومة للتدخل في عمل الهيئة التي "تتبع للسلطة التنفيذية لغايات تنظيمية وإدارية مثل التعيينات لكن فيما يتعلق بالعمل الفني للهيئة فهناك استقلالية تامة". ويلفت إلى الفقرة "ب" من المادة 3 تنص على أن الهيئة تتمتع في ممارسة مهامها وأعمالها بحرية واستقلالية دون أي تأثير أو تدخل من أي جهة كانت. "كما أننا محصنون كأعضاء هيئة مكافحة الفساد، مثل القضاة، لا يمكن ملاحقتنا إلى بعد الحصول على إذن قضائي. كما أننا نعين لفترة أربع سنوات وخلالها لا يمكن أي أحد إنهاء خدمتنا. وعند التحقيق في قضية ما نحيل الملف مباشرة إلى المدعي العام أو إلى الجهة المعنية مثل مجلس النواب في حالة شبهة تورط وزير. لذلك نحن محميون من تدخل أي جهة". وكما الحال في إشكالية علاقة الهيئة بالسلطة التنفيذية، ظهرت مشكلة جديدة في علاقتها مع السلطة التشريعية من خلال التحقيق في "قضية الكازينو" التي كشفت عن أزمة بين الهيئة ومجلس النواب، حيث اعترض المجلس على تولي الهيئة التحقيق في ملف يتعلق بوزراء واحتجت الهيئة على عدم تعاون المجلس في التحقيق رغم أنها أحالته للمجلس حالما استدعى التحقيق استجواب وزراء، وهو من اختصاص مجلس النواب. بموجب الأعراف البرلمانية تم استحداث لجان تحقق نيابية لمعالجة الأمور الطارئة التي يتم نقاشها دون أن ترتقي إلى مستوى الجريمة، وهي عملية تنفيذية لإجراء تحقيق، فإذا اكتشفت لجنة التحقق أن الأدلة التي أمامها ترقى إلى مستوى الدليل القانوني الذي يمكن أن يدين المشتبه به تحيله إلى مجلس النواب لتشكيل لجنة تحقيق بمعناها الإتهامي لمحاكمة وزير. وهناك بعض اللجان التي قامت بالتحقق في مشتبه بهم من موظفين وليس وزراء ورفعوا توصياتهم إلى الحكومة التي توجب عليها إحالتهم إلى المدعي العام. النائب عبد الله النسور يرى أن عمل هيئة مكافحة الفساد يتعارض مع مجلس النواب والقضاء. "عمل الهيئة المتمثل بالاستقصاءات الأولية التي تجريها يتعارض مع صلب عمل القضاء إضافة إلى تعارض جزء من عملها مع صلب عمل مجلس النواب". ودعا إلى "إجراء تعديل دستوري ينزع من مجلس النواب صلاحية التحقيق مع الوزراء على أن يتم إسناد تلك الصلاحية إلى القضاء وليس لهيئة مكافحة الفساد". ودعا إلى "إلغاء هيئة مكافحة الفساد وتوفير الكلف التي تنفق عليها". إلا أن المادة 6 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تنص على أن "تكفل كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانونى، وجود هيئة أو هيئات، حسب الاقتضاء، تتولى منع الفساد...". و"تقوم كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانونى، بمنح الهيئة أو الهيئات ... ما يلزم من الاستقلالية، لتمكين تلك الهيئة أو الهيئات من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة وبمنأى عن أى تأثير لا مسوغ له...". الاتفاقية كانت دافعا للهيئة للتقدم لديوان الرأي والتشريع بمقترح مشروع قانون معدل لقانونها. "التزامنا الدولي يتطلب منا موائمة تشريعاتنا المحلية مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد". ويبين نزهة أن القانون الحالي يفتقر لبعض النصوص القانونية التي توفر للهيئة المظلة القانونية للقيام بواجبها. و"التعديلات ستكون بمثابة البنزين الذي سيشغل السيارة". ومن أبرز التعديلات التي اقترحتها هيئة مكافحة الفساد توفير الحماية للمُبلِّغ عن الفساد، العفو عمن يعيد المال المتأتي من الفساد، تجريم أفعال ليست مجرمة مثل الرشوة في القطاع الخاص بعد أن أصبحت شركات المساهمة العامة لها نشاط كبير، إبطال كل المنافع المتأتية من الفساد، ضمان حق الهيئة في الحصول على المعلومات التي قد تحميها قوانين وأنظمة أخرى الهيئة ملزمة بالخضوع لها مثل الكشف عن المعاملات المالية وتتبٍع الحركات المالية التي ترافقت مع عملية الفساد، وتجريم تعارض المصالح مثل أن يكون أحدهم عضوا في مجلس إدارة هيئة أو جمعية ما وهذه الجهة تود تنفيذ مشروع من خلال طرح عطاء ويتقدم للعطاء قريب له فيمكن لوجود عضو المجلس أن يؤثر على الآخرين باتجاه اختيار قريبه لتنفيذ هذا العطاء، المطلوب في هذه الحالة أن يفصح عضو المجلس عن تقدم قريبه للعطاء.