ضعف الحركة العمالية في الأردن: تغوّل أصحاب العمل بمؤازرة حكومية

الرابط المختصر

تحقيق دلال سلامة لوثائقيات حقوق الإنسان، مقابل 23 نقابة و27 جمعية تمثل أصحاب الأعمال في الأردن، هناك فقط سبعة عشرة نقابة تمثّل العمال. ومقابل آخر نقابة عمالية سمحت الدولة بإنشائها العام 1976، كان هناك 15 نقابة و24 جمعية لأصحاب الأعمال، أنشئت بعد العام 1976. إن أي محاولة للبحث في أداء الحركة العمالية في الأردن، لا يمكن أن تغفل عما سبق، بوصفه أحد المفاتيح الرئيسية لتفسير ضعف هذه الحركة. فالحكومات المتعاقبة، كما يؤكد باحثون ونشطاء نقابيون، "تتحالف" مع أصحاب الأعمال ضد العمال، وهو ما ساهم في "انحدار" أداء الحركة العمالية التي بدأت رسميا العام 1953 مع صدور القانون رقم 35، الذي أعطى للعمال حق التنظيم النقابي، وشهدت سنوات الخمسينات والستينات ذروة حضورها في الساحة العمالية والسياسية. لكن الحكومة، وابتداء من أوائل السبعينات، اتخذت سلسلة قرارات، فُسرت بأنها تهدف إلى "احتواء" نشاط الحركة، وقامت بموجبها بحلّ تنظيمات نقابية قائمة، وتحجيم ودمج بعضها الآخر، وهو ما أدى إلى اختصار عدد النقابات العمالية من 36 إلى 17 نقابة عمالية فقط. إن أبلغ دليل على ضعف أداء الحركة هو حقيقة أن عدد المنتسبين إلى النقابات العمالية لا يشكل أكثر من 10 في المئة، من مليون ونصف عامل في القطاع الخاص، وهم الفئة التي يحق لها التنظيم النقابي، في ظل قانون يمنع موظفي الحكومة من الانتساب إلى نقابات. وهذه النسبة على تواضعها تجد من يشكك فيها، فالرقم الذي يستند إلى أرقام العضوية التي تفصح عنها الهيئات الإدارية للنقابات، هو كما كتب الباحث هاني الحوراني في صحيفة الغد رقم "دفتري"، و"العضوية الفعلية للنقابات قد لا تزيد على نصف هذا الرقم". ولكن حتى مع التسليم بهذه النسبة ، فإنها مؤشر قوي على ضعف حضور النقابات العمالية في المشهد، خاصة وأن ثلث المنتسبين إليها هم من نقابة العاملين في الميكانيك والنقل البري، التي تنفرد عن باقي النقابات بأن الانتساب إليها إجباري. أي أن إلغاء بند الإلزامية في هذه النقابة، سيعمل على تخفيض النسبة أكثر فأكثر. رغم انتهاكات حقوقهم.. عمال الأردن لا ينتسبون إلى نقاباتهم تاريخيا فإن النقابات هي الأطر القانونية الممثلة للعمال، التي تتولى حماية حقوقهم، ونظريا فإن الانضواء تحت لوائها هو ما يجب أن يفعله أي عامل يسعى إلى تعزيز مكتسباته. ولكن ليس هذا ما يقوله العمال. لينا (29 عاماً) تعمل بائعة في محل لبيع الملابس، يتبع سلسلة محلات معروفة، براتب مقداره 300 دينار، وعمولة لا تزيد في العادة على 100 دينار شهريا. إنها تعمل من الساعة العاشرة والنصف صباحاً إلى العاشرة والنصف ليلاً. وباستثناء يوم الجمعة، فإنها لا تتمتع بأي إجازات، وإذا صادف يوم الجمعة موسم عيد فإنها تعمل دون مقابل. وهي أيضا غير مشمولة بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. صاحب العمل الذي لا يدفع لها بدل ساعات العمل الإضافي يخصم مع ذلك من راتبها أي يوم غياب، ومهما كان العذر، وهذا العام رقدت في المستشفى خمسة أيام بعد إجرائها عملية جراحية، فتم حسم الأيام الخمسة من راتبها. إضافة إلى هذا كله، فإنها لينا تعاني من التمييز، فالشاب الذي يعمل معها ويقوم بنفس مهامها يتلقى راتباً وعمولة أعلى منها، وعندما اعترضت قيل لها إنه "متزوج ولديه مسؤوليات" رغم أنها هي أيضاً معيل أساسي في عائلتها. بعد عشر سنوات من العمل هي معرضة للفصل في أي لحظة، وستخرج بعدها صفر اليدين، فلا عقد مكتوب بينها وبين صاحب العمل، وحتى راتبها فإن صاحب العمل يدفعه إليها مباشرة ويرفض تحويله إلى البنك، وهي تعتقد أنه يفعل ذلك لأنه لا يريد أن يكون هناك أي سند قانوني يمكنها أن تستخدمه في حال قررت مقاضاته. إن لينا هي نموذج لقطاعات واسعة من العمال الأردنيين الذين تنتهك حقوقهم العمالية إما لوجود ثغرات في التشريعات التي تنظم العلاقة بين الطرفين، أو لأن أصحاب العمل يتجاوزون كما في حالتها، على حقوق كفلتها هذه التشريعات. ورغم كل الانتهاكات التي تتعرض لها، فإنها ترفض تماماً فكرة الانتساب إلى نقابة والتقدم بشكوى من خلالها، وتقول "ماذا ستفعل لي النقابة؟ هل ستتقدم بشكوى من صاحب عملي؟ هذا سيعني أنني سأفقد وظيفتي مباشرة، وسيكون هناك الكثيرات ممن هن مستعدات للعمل مكاني وبنفس الشروط". الإحساس بضعف النقابات العمالية إزاء ما يتمتع به أصحاب الأعمال من سطوة هو ما يجعل أيمن (31 عاماً) يحجم هو أيضاً عن الانتساب إلى نقابة. أيمن هو عامل مصنع في أحد المناطق الصناعية الحرة، وهو أفضل حالاً من لينا، فهو يعمل ضمن ساعات العمل التي حددها قانون العمل وهي ثماني ساعات، ويتلقى أجراً عن ساعات العمل الإضافي، وهو أيضاً مشمول بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. ولكن أيمن الذي بدأ العمل العام ٢٠٠٠، يعاني من التدني الهائل في أجره، فبعد أكثر من عشر سنوات، لا يزيد ما يتلقاه من راتب على 180 ديناراً. لذلك هو يعمل بعد انتهاء دوامه بائعاً في محل تجاري، لتصل بذلك ساعات عمله إلى 13 ساعة يومياً، كي يستطيع تأمين الحد الأدنى من احتياجاته وأسرته المكونة من زوجة وطفلة. وأيمن مثل لينا، يعرف أنه لا فرص أخرى أمامه، فأصحاب العمل كما يقول "متضامنون"، وهم في كل مكان يقدمون نفس الرواتب ونفس ظروف العمل.

 

 

أضف تعليقك