حرية التنظيم النقابي العمالي في الأردن وجدل الشرعية

الرابط المختصر

-وثائقيات حقوق الإنسان - أكد المرصد العمالي الأردني أن النقابات العمالية المستقلة والجديدة شرعية، وأن الخلل يكمن في نصوص قانون العمل التي يتم تعديلها لتنسجم مع المواثيق والمعاهدات الدولية ذات العلاقة.

وطالب المرصد الحكومة بضرورة تعديل التشريعات العمالية المتعلقة بالتنظيم النقابي وفق حاجات المجتمع الأردني وتحولات القوى الفاعلة فيه، ووفقا لمضامين المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن، لتسهيل عمليات التقاضي في النظام القانوني الأردني. والى حين تعديل تشريعات العمل الأردنية ذات العلاقة، على الحكومة الاعتراف بالنقابات العمالية المستقلة والجديدة، وتمكينها من ممارسة حقها الكامل في فتح مقرات لها وعقد اجتماعاتها وتمكينها من حق ممارسة المفاوضة الجماعية.

وجاء في التقرير الذي أعده المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبرت، أن نصوص قانون العمل الأردني المعمول به تقيد بشكل كبير حق ممارسة حرية التنظيم النقابي في الأردن، مخالفة بذلك مضامين العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع أنهما جزء من المنظومة القانونية الأردنية منذ المصادقة عليهما ونشرهما في الجريدة الرسمية قبل ست سنوات، الى جانب مخالفتها لاتفاقيات منظمة العمل الدولية ذات العلاقة، واعلان منظمة العمل الدولية للحقوق والمبادئ الأساسية بالعمل.

وجاء في التقرير الذي حمل عنوان "حرية التنظيم النقابي العمالي في الأردن.. وجدل الشرعية حول النقابات العمالية المستقلة والجديدة" أن الأردن وبالرغم من انه لم يصادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (87) الا أنه ملزم بتطبيقها واخذ مضامينها بعين الاعتبار عند وضع التشريعات الوطنية وفق ما جاء في نصوص "إعلان منظمة العمل الدولية للمبادئ والحقوق الأساسية في العمل" هذا الى جانب اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 98 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية والتي صادق عليها الأردن في عام 1966.

واستهدف التقرير تحليل واقع حق وحرية التنظيم النقابي العمالي في الأردن من خلال تقديم قراءة اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية لهذا الواقع، وتقديم قراءة تحليلية لمواقف الأطراف ذات العلاقة بإنفاذ هذا الحق.

وبين التقرير أن التحول النوعي في الحراك العمالي والنقابي الأردن الجدي الذي نشهده حاليا جاءت تتويجا لنضالات عمالية عبرت عن نفسها باحتجاجات عمالية متنوعة وذات نوعية خاصة، بدأ هذا التحول النوعي مع الاحتجاجات المتتالية التي بدأها "عمال المياومة" وخاصة في قطاع الزراعة في عام 2006، ونفذوا عشرات الاحتجاجات، وتلاه الإضراب الكبير والنوعي الذي نفذه عمال الموانئ في العقبة في صيف عام 2009 والذي استمر لعدة أيام. وفي كلا الحالتين كان منظمي هذه الاضرابات النوعية يعملون خارج اطار النقابات العمالية المعترف بها في قانون العمل، لا بل رفضت لجنة ادارة اضراب عمال الموانئ ان تمثلها النقابة العامة والاتحاد العام للنقابات.

وقد اوضح التقرير كذلك أن الأردن شهد خلال العقود الماضية موجة من التحولات في علاقات العمل، أدت الى بروز قوى وحركات عمالية جديدة لم تستوعبها النقابات العمالية التقليدية والمعترف بها بقانون العمل، والذي سمح للعمال في أي مهنة تأسيس نقابة خاصة بهم، الا أن ذات القانون فرّغ هذا النص من مضمونة في المادة التي تلتها عندما منح صلاحية تصنيف المهن التي لها الحق في تأسيس نقابات دون غيرها الى وزير العمل ثم الى اللجنة الثلاثية. ومنذ أواسط السبعينات لم يسمح قانون العمل والقرارات الصادرة بموجبه بتأسيس أية نقابة عمالية جديدة.

في سياق ذلك أشار "أحمد عوض" مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمرصد العمالي وهي الجهة التي أعدت التقرير، "بقيت أبواب الاتحاد العام لنقابات العمل والنقابات المنضوية تحته موصدة أمام كل محاولات الاصلاح على انظمتها الداخلي". وأكد كذلك "أمام هذا الواقع وجد العاملين بأجر في الأردن انفسهم أما خيار التحرك للدفاع عن مصالحهم وتحسين ظروف عملهم، ولم يتمكن قانون العمل والقرارات الصادرة بموجبه من منع التحولات في القوى والحراكات الاجتماعية من التعبير عن نفسها والدفاع عن مصالحها، خاصة بعد استمرار الحكومات الأردنية المتعاقبة بتنفيذ نماذج تنموية وسياسات اقتصادية لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح هذا الفئات الواسعة من العاملين بأجر في الأردن، سواء كانوا يعملون في القطاع الخاص أم القطاع العام، بما رافقها من عمليات خصخصة عشوائية لمختلف مؤسسات الدولة شاملة تلك المؤسسات التي تقدم خدمات عامة للمواطنين مثل الكهرباء والمياه والاتصالات .. الخ".

وبين التقرير أن القوى العاملة الأردنية كانت الأكثر حساسية والأكثر تعرضا لنتائج السياسات اقتصادية التي تم تطبيقها في الأردن ، الأمر الذي وضع العاملين في اطار خيارات محدودة، سواء اولائك العاملين في القطاع العام أو العاملين في القطاع الخاص، وحسب التقارير التحليلية التي تناولت الاحتجاجات العمالية في السنوات الثلاث الأخيرة، فإن ثلثيها تم تنفيذه من قبل عاملين في القطاع العام، الأمر الذي يشير الى حجم الخراب الكبير الذي تعرضت له علاقات العمل في القطاعين، وتنامت حالة عدم التوازن ما بين أطراف علاقات الإنتاج وبشكل رئيسي طرفي علاقات الإنتاج الأساسية، المتمثلة في وزارة العمل والنقابات العمالية المعترف بها وأصحاب العمل، إذ أن ممثلي العمال من النقابات العمالية كانوا الطرف الأضعف، بسبب التدخلات الحكومية في اعمالها، وغياب الممارسات الديمقراطية الداخلية مما ادى الى غياب فاعليتها، لذلك وجد هذا التغول الكبير على حقوق العاملين بأجر، وانتشرت ظاهرة الانتهاكات والاعتداءات على الحقوق الأساسية في العمل في سوق العمل الأردن، ولم تتمكن وزارة العمل وفريق المفتشين فيها من ضمان تمتع جميع العاملين وخاصة في القطاع الخاص بالحقوق العمالية الأساسية المنصوص عليها في قانون العمل.

ومن المؤشرات على غياب فاعلية النقابات أورد التقرير أن عضوية النقابات العمالية جميعها لا تتجاوز (80) الف عضو من اصل ما يقارب مليون ونصف عامل اردني، وجزء كبير من هذه العضوية شبه الزامية في النقابة العامة للعاملين في النقل البري والميكانيك، والنقابات العمالية التي تمثل العاملين في الشركات الحكومية قبل خصخصتها، وأصبح الاتحاد العام للنقابات مؤسسة شبه حكومية، إذ يتم تمويل الاتحاد العام بالكامل من قبل وزارة المالية، وأموال الضمان الاجتماعي. هذا الى جانب وجود رؤساء نقابات لم يعملوا قط في القطاعات العمالية التي تمثلها نقاباتهم، وجز كبير منهم متقاعدين. بالإضافة الى أن الغالبية الكبرى من النقابات لم يجر فيها انتخابات داخلية ديمقراطية منذ سنوات طويلة، إذ أن هنالك 15 رئيس نقابة عمالية غير منتخب من أصل 17 نقابة وهنالك ايضا 14 هيئة ادارية غير منتخبة.

أمام هذا الواقع، وأمام تفاقم حجم الاحتجاجات العمالية التي شهدها الأردن خلال العامين الماضين وزيادة عزلة غالبية النقابات العمالية واتحادها العام، وأمام تنامي حاجة عمال الأردن للمزيد من العناية والرعاية والاهتمام وحمايتهم من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وانعدام فرص اصلاح النقابات العمالية واتحادها العام، خطت القوى والحراكات العمالية الجديدة خطوات جادة نحو استخدام حقها في انشاء نقابات عمالية مستقلة جديدة وفق انظمة داخلية ديمقراطية.

وفي سياق الأدلة التي اوردها التقرير على شرعية النقابات العمالية المستقلة والجديدة في الأردن، أشار التقرير اجماع فقهاء القانون الانساني الدولي على أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تصادق عليها الدول تسمو في التطبيق على القوانين الداخلية إذا كانت تتعارض معها، وتم الاشارة في التقرير الى اتفاقية "فيينا لقانون المعاهدات" التي نصت على أنه " لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة".

 

والى جانب ذلك اورد تقرير المرصد العمالي التزامات الأردن في هذا المجال كما جاءت ء في التقرير الدوري الثاني للأردن الذي قدمه الى لجنه مناهضة التعذيب في عام 2010 وقال فيه "إن اتفاقية مناهضة التعذيب أصبحت بمجرد المصادقة عليها ونشرها في الجريدة الرسمية جزءًا من النظام القانوني الأردني تكتسب قوة القانون. وعاد التقرير الى العديد من قرارات الصادرة عن محكمة التمييز الأردنية التي توكد سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها على القانون الأردني حال حدوث تعارض معه، حيث جاء في أحد القرارات "تسمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية مرتبة على القوانين المحلية ولها أولوية التطبيق عند تعارضها معها ولا يجوز الاحتجاج بأي قانون محلي أمام الاتفاقية ".

 

وفي سياق ايراد الأدلة على شرعية النقابات العمالية المستقلة والجديدة، يشير التقرير الى اتفاقيتي منظمة العمل الدولية التي تنظمان الحق في حرية التنظيم النقابي هما اتفاقية (87 ) بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم والاتفاقية (98) بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية. وبين أنه بالرغم من أن الأردن لم يصادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (87) المذكورة أعلاه، الا أنه ملزم بتطبيقها واخذ مضامينها بعين الاعتبار عند وضع التشريعات الوطنية وفق ما جاء في نصوص "إعلان منظمة العمل الدولية للمبادئ والحقوق الأساسية في العمل" والتي جاء فيها " تعلن المنظمة (منظمة العمل الدولية) أن الدول الأعضاء حتى ولو لم تصادق على الاتفاقيات ذات العلاقة، ملزمة بحكم انتمائها وعضويتها في المنظمة باحترام المبادئ المتعلقة بالحقوق الأساسية وتعزيزها وتطبيقها بحسن نية وطبقا للدستور (دستور منظمة العمل الدولية)".

 

وأشار التقرير أن التعديلات التي جرت على الدستور الأردني في عام 2011 جاءت لتصب في مصلحة حرية التنظيم النقابي، إذ جاء في هذه التعديلات " للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات  والاحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف احكام الدستور" وأكدت ذلك مادة أخرى في الدستور نصت على الحق في انشاء تنظيم نقابي حر.

وانتقد التقرير موقف وزارة العمل التي رفضت الاعتراف بالنقابات المستقلة وتسجيلها مبررة موقفها أن نصوص قانون العمل الأردني لا يسمح بذلك، وانتقد كذلك مارسة الوزارة موقفين متعارضين مع النقابات العمالية المستقلة، ففي الوقت الذي تفاوضت فيه مع النقابة المستقلة للعاملين في قطاع الفوسفات أثناء اضرابهم، رفضت التفاوض مع النقابة المستقلة للعاملين في شركة الكهرباء الأردنية، والحكومة بذلك كانت تقترف مخالفة صريحة لمبادئ حرية التنظيم والمفاوضة.

كذلك انتقد التقرير مواقف عدد من النقابات العمالية المعترف بها واتحادها العام وفق قانون العمل ساري المفعول، والتي كانت من المفترض أن تكون حاملة لواء حرية التنظيم النقابي، فقد اصدرت العديد من البيانات والتصريحات التي تعلن فيه أن النقابات العمالية المستقلة التي اسستها قطاعات عمالية متعددة غير قانونية وغير شرعية، لا بل أن بعض النقابات العمالية المعترف بها قامت بتحريض الحكومة وارباب العمل والعمال انفسهم لعدم التعامل مع هذه النقابات باعتبارها غير شرعية.

 

كامل التقرير

حرية التنظيم النقابي العمالي في الأردن وجدل الشرعية

 

شهد الأردن خلال الأشهر الماضية حراكات عمالية مكثفة جاءت تتويجا لنضالات عمالية عبرت عن نفسها باحتجاجات عمالية متنوعة وذات نوعية خاصة، بدأ هذا التحول النوعي مع الاحتجاجات المتتالية التي بدأها عمال المياومة (العمال الذين يعملون على اسس يومية في القطاع العام) وخاصة في قطاع الزراعة في عام 2006، ونفذوا عشرات الاحتجاجات، ولإدارة جهودهم التي كانت تستهدف تثبيتهم في أعمالهم ووظائفهم، وتحسين شروط عملهم، قاموا بتشكيل تنظيم نقابي بسيط تحت مسمى "لجنة متابعة"، حيث يحظر قانون العمل الأردني تشكيل منظمات نقابية للعاملين في القطاع العام. واستمر حراكهم حتى تم تحقيق غالبية اهدافهم. تلاه الإضراب الكبير والنوعي الذي نفذه عمال ميناء العقبة (قطاع عام) في صيف عام 2009 والذي استمر لعدة أيام وكان يستهدف تحسين شروط العمل وعلى وجه الخصوص زيادة الأجور، وكان يقوده لجنة نقابية ذات هيكلية بسيطة هي عبارة عن "لجنة عمال الميناء" وكانت تعمل خارج اطار النقابة العامة للعاملين في الموانئ والتخليص، لا بل كانت مناهضة لها وتعتبرها حليفة لإدارة الميناء وتعمل ضد مصالحهم.

واستمرت هذه الحراكات، وتعمقت الفجوة بين غالبية العاملين في الأردن وبين النقابات العمالية المعترف بها وفق قانون العمل بسبب تقييده لحق التنظيم النقابي وحصره في سبعة عشر نقابة عمالية فقط، وغياب آليات العمل الديمقراطي عن هذه النقابات، لا بل تم حرمان الهيئات العامة للنقابات العمالية من حق وضع انظمتها الداخلية، وأصبحت صلاحية وضع هذه الأنظمة من حق المؤتمر العام للنقابات العمالية المكون من أعضاء الهيئات الادارية للنقابات والمهيمن عليها من قبل عدد محدود جدا من الأشخاص، ورافق ذلك تدخلات مباشرة من قبل المؤسسات الحكومية في أعمال النقابات العمالية واتحادها العام، الى جانب ذلك أصبحت النقابات العمالية تعمل وفق نظام اساسي موحد غير ديمقراطي يسمح بسيطرة فئة محدودة على النقابات، لذلك غابت الانتخابات الداخلية لدرجة أن ثلاث نقابات فقط من اصل سبعة عشر نقابة اجرت انتخابات لهيئاتها الادارية ونقابتين فقط جرت فيهما انتخابات لرؤسائها في الدورة الانتخابية الأخيرة عام 2010، الأمر الذي عزل النقابات العمالية عن قواعدها واصبح اتحادها العام مؤسسة شبه حكومية، إذ يتم تمويل الاتحاد العام بالكامل من قبل وزارة المالية، وأموال الضمان الاجتماعي، وهذا لا ينفي وجود عدد محدود من النقابات العمالية التي كانت تنشط لتحسين شروط عمل أعضائها، وهي النقابات التي تمثل عمال شركات كانت حكومية وشبه حكومية قبل خصخصتها، وكان وما يزال يتم اقتطاع اشتراك أعضائها من رواتب العمال الشهرية مباشرة وتحويله الى صناديق النقابات.

مجمل هذه المعطيات دفعت العمال المتضررين من غياب تنظيم نقابي مستقل وفعال الى البحث عن مخارج لهذا الواقع الصعب، فاتجهوا نحو تنظيم انفسهم وفرض منظماتهم النقابية كأمر واقع، وبالتالي بدأت القوى الاجتماعية العمالية الناشئة بتشكيل منظماتها خارج اطار القوانين الأردنية المقيدة لممارسة هذا الحق.

يهدف هذا التقرير الى تحليل واقع حق التنظيم النقابي العمالي في الأردن من خلال تقديم قراءة اجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية لهذا الواقع، الى جانب تقديم قراءة تحليلية في مواقف الأطراف ذات العلاقة بإنفاذ هذا الحق. وتعود أهمية اعداد هذا التقرير الى التسارع المضطرد للحراك العمالي والنقابي الذي يشهده الأردن في الوقت الراهن، الى جانب الجدل الاجتماعي والسياسي والقانوني الذي نشهده حول التنظيمات النقابية الجديدة المستقلة التي بدأت تنشأ في الأردن والنقاش حول شرعيتها، وقيادتها للعديد من الاحتجاجات العمالية، هذا الى جانب مناقشة بعض الآراء والمواقف التي تعتب نشوء وتأسيس نقابات عمالية مستقلة يؤدي الى تفتيت وحدة الحركة النقابية الأردني، إذ أن الغالبية الساحقة من الاحتجاجات العمالية التي تم تنفيذها خلال العامين الماضيين نفذت من قبل اطر ومنظمات نقابية من خارج الأطر النقابية العمالية المعترف بها وفق قانون العمل الأردنيi.

وقد تم اعداد هذا التقرير من خلال إجراء قراءة تحليلية للسياقات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية للتحولات التي يشهدها الأردن في الوقت الراهن، وكذلك تم اجراء قراءة تحليلية مقارنة للنصوص التشريعية العمالية الأردنية المتعلقة بحق التنظيم النقابي في ضوء هذه التحولات، وفي ضوء العهود والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتنظيم النقابي، سواء تلك المندرجة في اطار الشرعة الدولية لحقوق الانسان مثل الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واتفاقيات منظمة العمل الدولية واعلاناتها والمتعلقة بحق التنظيم النقابي.

 

قراءة اجتماعية اقتصادية سياسية

شهد الأردن خلال العقود الماضية موجة من التحولات في علاقات العمل، أدت الى بروز قوى وحركات عمالية جديدة خارج اطار القوى والمنظمات النقابية التقليدية والعاملة وفق قانون العمل ساري المفعول، والذي سمح للعمال في أي مهنة تأسيس نقابة خاصة بهمii، الا أن ذات القانون فرّغ هذا النص من مضمونة في المادة التي تلتها عندما منح صلاحية تصنيف المهن التي لها الحق في تأسيس نقابات دون غيرهاiii. ومنذ أواسط السبعينات لم يسمح قانون العمل والقرارات الصادرة بموجبه بتأسيس أية نقابة عمالية جديدة، إذ تم رفض جميع محاولات تأسيس نقابات عمالية جديدة.

الا أن هذا لم يمنع العاملين بأجر في الأردن من التحرك للدفاع عن مصالحهم أو تحسين ظروف عملهم. ولم يتمكن القانون والقرارات الصادرة بموجبه من منع التحولات في القوى والحراكات الاجتماعية من التعبير عن نفسها والدفاع عن مصالحها، خاصة بعد استمرار الحكومات الأردنية المتعاقبة بتنفيذ نماذج تنموية وسياسات اقتصادية لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح هذا الفئات الواسعة من العاملين بأجر في الأردن، سواء كانوا يعملون في القطاع الخاص أم القطاع العام، بما رافقها من عمليات خصخصة عشوائية لمختلف مؤسسات الدولة شاملة تلك المؤسسات التي تقدم خدمات عامة للمواطنين مثل الكهرباء والمياه والاتصالات .. الخ. ونتيجة غياب الشفافية وضعف مستوى الرقابة من البرلمان وغيره من المؤسسات الرقابية، وانخفاض مستوى الحريات الديمقراطية، فقد رافق عمليات الخصخصة المذكورة شبهات فساد، انتشرت تفاصيلها في العديد من التقارير الرسمية والبرلمانية والصحفية. الأمر الذي انعكس سلبا على آلاف العمال سواء من حيث تسريحهم من أعمالهم أو احالتهم على الاستيداع أو التقاعد المبكر، وفي جميع الحالات كان العمال على اختلاف فئاتهم هم من دفعوا الثمن الأعلى بسبب هذه السياسات.

وقد أدى الاستمرار في تنفيذ ذات السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أدخلت الأردن في الأزمة الاقتصادية الكبرى في اواخر عقد الثمانينات وبعض الأزمات الأقل حدة بعد ذلك، حيث التوسع في الانفاق العام وثبات "واحيانا تراجع" الانفاق على الحقوق الاجتماعية في التعليم والعمل والصحة، في ذات الوقت التوسع في الانفاق العسكري والأمني، واستسهال الحصول على الدين الخارجي والداخلي. فقد شهد الانفاق على التعليم تراجعا ملموسا، ففي الوقت الذي بلغت فيه نسبة الانفاق على التعليم عام 2000 (13) بالمائة من حجم الانفاق العام، وصلت الى (9) بالمائة في عام 2010.iv

وكانت معدلات نمو الانفاق العام أعلى من معدلات نمو الايرادات المحلية، إذ بلغت نسبة الزيادة في الانفاق العام منذ عام 2006 حتى 2010 (10.0%) بينما ازدادت الايرادات المحلية خلال ذات الفترة بنسبة (8.0%)v، وأدت هذه السياسات الى تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة قبل المنح والمساعدات عاما بعد آخر، وارتفع من (6.8%) في عام 2008، كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي، ووصل الى (12.7%) في عام vi2011. الأمر الذي دفع الدين العام للتحليق عاليا وبمستويات غير مسبوقة، وارتفع اجمالي الدين العام من (7.3) مليار دينار عام 2007 الى (13.4) عام2011 vii، وتشير الأرقام الجديدة الا أنه سجلت في نهاية الربع الأول من العام الجاري 2012 ( 15 ) مليار دينار اردني.

وأدى مجمل ذلك الى تراجع مستويات تمتع غالبية المواطنين بالحدود الدنيا الحياة الكريمة. والى جانب ذلك يعد الأردن من أقل الدول في العالم من حيث المؤشرات الرئيسية لسوق العمل من حيث نسب التوظيف ومعدلات المشاركة الاقتصادية، فقد بلغت نسبة التوظيف الكلية في الأردن (38%) حسب أحدث بيانات متاحة للعام 2008، فيما بلغت في ذات العام في الدول العربية بالمتوسط (46%)، و في دول الاتحاد الأوروبي (50%).viii ويرافق ذلك انخفاض شديد في انفاق الدولة الأردنية على الحق في العمل إذ يبلغ بالمتوسط (2%) خلال السنوات (2000-2010).ix

وقد انعكست السياسات والتوجهات الحكومية على اجراء تعديلات قانون العمل الأردني في صيف عام 2010 سلبا على العاملين الذين ليس لديهم تنظيم نقابي، أو لديهم تمثيل نقابي ضعيف، إذ حرمتهم من حق المفاوضة الجماعية مع أصحاب العمل، واقتصرها القانون المعدل على النقابات المعترف بها من قبل الحكومة.x الا أنه وعلى الرغم من كل هذه القيود، فإن الأردن شهد خلال عام 2011 حراكا عماليا غير مسبوق عبر عن نفسه بأكثر من (829) احتجاجاً عمالياً غالبيتها الساحقة تم تنفيذها من مجموعات عمالية مستقلة غير معترف بها رسميا.xi وتصاعدت حدة الاحتجاجات العمالية خلال الربع الأول من عام 2012 إذ ارتفع عددها الى 302 احتجاج عمالي مقارنة مع 235 احتجاج في الربع الأول من عام 2011 وبنسبة زيادة تقدر ب 28.5 بالمائة.xii

وفي مجال الحماية الاجتماعية، فإن نسبة العاملين المشمولين في منظومة الضمان الاجتماعي مازالت قليلة، فهم يشكلون ما يقارب (65%) من حجم المشتغلين في الأردن، ويشكلون (50%) من مجمل القوى العاملة (مشتغلين وغير مشتغلين)، إذ يبلغ عدد المؤمن عليهم الفعالين (على رأس عملهم) في نهاية عام 2011 (956) ألف منتفع.xiii وحتى لو أضفنا لهم أعداد العاملين المشمولين بأنظمة تقاعدية وتأمينية أخرى ( مدنية وعسكري) تبقى الأرقام دون المأمول. هذا الى جانب أن منظومة التأمينات الاجتماعية التي توفرها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لا زالت غير شاملة وفق المعايير الدولية الواردة في الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، فالتأمين الصحي ما زال خارج هذه المنظومة، والتأمين ضد البطالة ينتابه القصور، وتم استبداله بالتأمين ضد التعطل عن العمل.

 

وانعكست السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة على عدم خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل الأردني، لذلك بقيت معدلات البطالة مرتفعة وتراوح مكانها منذ سنوات، إذ أن معدل البطالة بلغ (12.1%)، يتركز غالبيتهم في الفئات الشبابية وخاصة بين الفئتين العمريتين 16-19 سنة و20-24 سنة، حيث بلغت 36.5% و28.1% لكل منهما على التوالي.xiv

 

وهكذا كانت القوى العاملة الأردنية هي الأكثر حساسية والأكثر تعرضا لنتائج هكذا سياسات اقتصادية، الأمر الذي وضع العاملين في اطار خيارات محدودة، سواء اولائك العاملين في القطاع العام أو العاملين في القطاع الخاص، وحسب التقارير التحليلية التي تناولت الاحتجاجات العمالية في السنوات الثلاث الأخيرة، فإن ثلثيها تم تنفيذه من قبل عاملين في القطاع العامxv، الأمر الذي يشير الى حجم الخراب الكبير الذي تعرضت له علاقات العمل في القطاعين، وتنامت حالة عدم التوازن ما بين أطراف علاقات الإنتاج وبشكل رئيسي طرفي علاقات الإنتاج الأساسية، المتمثلة في وزارة العمل والنقابات العمالية المعترف بها وأصحاب العمل، إذ أن ممثلي العمال من النقابات العمالية كانوا الطرف الأضعف، بسبب التدخلات الحكومية في اعمالها، وغياب الديمقراطية الداخلية مما ادى الى غياب فاعليتها، لذلك وجد هذا التغول الكبير على حقوق العاملين بأجر، وانتشرت ظاهرة الانتهاكات والاعتداءات على الحقوق الأساسية في العمل في سوق العمل الأردن، ولم تتمكن وزارة العمل وفريق المفتشين فيها من ضمان تمتع جميع العاملين وخاصة في القطاع الخاص بالحقوق العمالية الأساسية المنصوص عليها في قانون العمل.xvi

ان مجمل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي حصلت في الأردن والتي تم الاشارة اليها، دفعت باتجاه مزيد من الاختناقات في بنية علاقات العمل، الأمر الذي كان يستدعي استجابة من قبل الحكومات المتعاقبة، سواء كان ذلك بإعادة النظر بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية لإعطائها بعدا اجتماعياً، أو باتجاه التخفيف من حدة الاختلالات التي يعاني من سوق العمل، والعمل على اعادة التوازن اليه، الا أن صانعي ومنفذي هذه السياسات لم يلتفتوا الى النتائج الكارثية لسياساتهم غارقين في وهم "اليد الخفية" التي ستعيد التوازن لهذا السوق.

 

 

 

الحركة النقابية العمالية الأردنية:

لقد رافق كل تلك التحولات استنفاذ مختلف فرص اصلاح النقابات العمالية واتحادها العام، سواء كانت هذه المحاولات من داخلها أم من خارجها. فعلى المستوى الداخلي تقدمت ثلاث نقابات في صيف عام 2011 بحزمة مقترحات لإصلاح النظام الأساسي للنقابات العمالية والنظام الداخلي للاتحاد العام لنقابات العمالxvii، الا أن أي من المقترحات التي قدمتها هذه النقابات لم تر النور حتى الآن، وأصرت قيادة الاتحاد على عدم اجراء اية اصلاحات على هذين النظامين، ولم تبذل هذه النقابات الثلاث جهودا ملموسة باتجاه الضغط على اصحاب القرار في الاتحاد العام لتمريرها.

وقد كانت هنالك نية لعقد مؤتمر للنقابات العمالية يوم السبت 28 نيسان 2012 لإجراء بعض التعديلات على النظام الأساسي للنقابات والنظام الداخلي للاتحاد، الا أن هذا المؤتمر تم تأجيله الى اشعار آخر وبدون ابداء أية أسباب، واستنادا الى ما رشح من معلومات حول جوهر هذه التعديلات فإنها لم تكن أكثر من العودة الى النظام الأساسي الموحد للنقابات والنظام الداخلي التي كان معمولا بها قبل عام 2006، وهي ليست تعديلات جوهرية تمس البنية الهيكلة للنقابات واتحادها العام، ولا تشكل خطوة باتجاه اقرار أنظمة ديمقراطية، وهي تقتصر على اعادة فتح الفروع وبعض التعديلات الشكلية الخرى.

كذلك جرت محاولات عدة من قبل نشطاء نقابيين من خارج النقابات العمالية واتحادها للضغط على قيادة الاتحاد العام للنقابات العمالية من اجل تصويب اوضاعه واوضاع نقاباته، وشملت عمليات الضغط هذه تنفيذ اعتصامات ومسيرات واصدار بيانات تطالب جميعها بضرورة تصويب أوضاع الاتحاد العام ونقاباته، الا ان ابواب الاتحاد العام والنقابات الأعضاء فيه بقيت موصدة أمام جميع هذه المحاولات. وقد تنفس النشطاء النقابيين والعمال الصعداء عندما تم تحويل ملف الاتحاد العام للنقابات لدائرة مكافحة الفساد خلال صيف عام 2011 للوقوف على والتحقق من وجود شبهات فساد اداري ومالي في اروقته، الا ان هذه التحقيقات لم تسفر عن شيىء حتى الان.

وعلى المستوى البرلماني، فقد طالب عدد كبير من أعضاء مجلس النواب في النصف الأول من عام 2011 على رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت اثناء مناقشات المجلس لمنح الثقة لحكومته، طالبوا بإصدار مشروع قانون لتنظيم العمل النقابي يقوم على اسس ديمقراطية، والتزم هو بذلك، الا أن الحكومة استقالت بعد اشهر من التزامها بذلك. ثم تم اطلاق مبادرة نيابية موقعة من أغلبية برلمانية خلال شهر شباط 2012 تطالب الحكومة بضرورة العمل على اصلاح حال النقابات العمالية واتحادها العام لتأخذ دورها الطبيعي في الدفاع عن وحماية مصالح عمال الأردن، الا أن أثر هذه المبادرة لم يكن بأحسن حال من الجهود التي سبقتها. لا بل كانت ردة فعل المكتب التنفيذي للاتحاد العام للنقابات على اطلاق هذه المبادرة قاسية، إذ اصدر بياناً انتقد فيها هذه الأغلبية البرلمانية واتهمها بالتدخل بشؤون النقابات الداخلية واتحادها العام.

وهكذا انعدمت فرص اصلاح الاتحاد العام للنقابات العمالية والنقابات العمالية المنضوية تحت لوائه، واستمرت بالعمل وفق نظام اساسي موحد مفروض على النقابات العمالية جميعها، ونظام داخلي للاتحاد العام، وهي نظم لا تتمتع بأبسط قواعد الديمقراطية، وتتسم بالمركزية الشديدة، إذ تتركز مجمل الصلاحيات بيد رؤساء النقابات، وتتركز صلاحيات المكتب التنفيذي للاتحاد العام بيد رئيس الاتحاد، وهكذا تركزت مقدرات الحركة العمالية الأردنية بيد مجموعة صغيرة من رؤساء النقابات غالبيتهم متقاعدين من أعمالهم، معتمدين بذلك على انظمة تم تصميمها من قبلهم بحيث تضمن لهم الاستمرار في مناصبهم لدورات انتخابية متتالية وغير محدودة، لذلك يوجد رؤساء نقابات في مناصبهم منذ عشرات السنين، ويوجد رؤساء نقابات لم يعملوا قط في القطاعات العمالية التي تمثلها نقاباتهم. وأدى أيضا الى أن الغالبية الكبرى من النقابات لم يجر فيها انتخابات داخلية ديمقراطية منذ سنوات طويلة، إذ أن هنالك 15 رئيس نقابة عمالية غير منتخب من أصل 17 نقابة و هنالك ايضا 14 هيئة ادارية غير منتخبة.

ومجمل ذلك أدى الى انعزال غالبية النقابات العمالية عن قواعدها، إذ لا تتجاوز عضوية النقابات العمالية جميعها (80) الف عضو من اصل ما يقارب مليون ونصف عامل اردني، وجزء كبير من هذه العضوية شبه الزامية في النقابة العامة للعاملين في النقل البري والميكانيك، والنقابات العمالية التي تمثل العاملين في الشركات الحكومية قبل خصخصتها، وأصبح الاتحاد العام للنقابات مؤسسة شبه حكومية، إذ يتم تمويل الاتحاد العام بالكامل من قبل وزارة المالية، وأموال الضمان الاجتماعي.

أمام هذا الواقع، وأمام تفاقم حجم الاحتجاجات العمالية التي شهدها الأردن خلال العامين الماضين وزيادة عزلة غالبية النقابات العمالية واتحادها العام، وأمام تنامي حاجة عمال الأردن للمزيد من العناية والرعاية والاهتمام وحمايتهم من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وانعدام فرص اصلاح النقابات العمالية واتحادها العام، خطت القوى والحراكات العمالية الجديدة خطوات جادة نحو استخدام حقها في انشاء نقابات عمالية مستقلة وفق انظمة داخلية ديمقراطية. لذلك فإننا نرى أن تأسيس نقابات عمالية جديدة ومستقلة لا يشكل تفتيتاً لوحدة الحركة النقابية الأردنية، وهي وحدة الزامية بقوة القانون، بل هي خطوة هامة باتجاه وضع عربة النقابات العمالية على الطريق الصحيح.

 

حق وحرية التنظيم النقابي وفق القانون الانساني الدولي

الى جانب ما تم استعراضه سابقاً، هنالك جملة من القواعد القانونية العالمية ذات العلاقة بالحق في التنظيم النقابي، والتي تكفل لجميع البشر حق انشاء النقابات بكامل الحرية، والتي كان لإهمالها من قبل الحكومات الأردنية المتعاقبة والمشرعين الأردنيين أكبر الأثر على تعمق الأزمة التي تعيشها الحركة النقابية الأردنية، إذ لا تتوائم التشريعات العمالية الأردنية الناظمة للعمل النقابي العمالي مع المعايير الدولية ذات العلاقة بالنقابات العمالية وعلى وجه الخصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الى جانب اتفاقيات منظمة العمل الدولية ذات العلاقة بحق وحرية التنظيم النقابي.

ففي الوقت الذي سمح قانون العمل للعمال في أي مهنة تأسيس نقابة خاصة بهمxviii، وكما أشرنا سابقا تم تفرّغ هذا النص من مضمونة في المادة التي تلتها عندما منح صلاحية تصنيف المهن التي لها الحق في تأسيس نقابات دون غيرها الى جانب المهن التي لا يحق للعاملين فيها تأسيس نقابات الى اللجنة الثلاثية المكونة من الحكومة ونقابات العمال ونقابات اصحاب العملxix. وقد كان قانون العمل السابق يمنح هذه الصلاحية الى وزير العمل، إذ صدر ولأكثر من مرة قرارات تحدد المهن التي يسمح للعاملين فيها تأسيس نقابات عمالية وفق تصنيف مهني محدد تم فيه تجميع مئات المهن في 17 نقابة فقط، وجاء آخر تجديد لها في عام 1996xx. ومنذ أواسط السبعينات لم تسمح وزارة العمل وفق القانون والقرارات الصادرة بموجبه بتأسيس أية نقابة عمالية جديدة، إذ تم رفض جميع محاولات تأسيس نقابات عمالية جديدة.

ولم تأخذ الحكومات الأردنية المتعاقبة ولا المشرع الأردني بعين الاعتبار مضامين العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي صادق عليهما الأردن في عام 1976 ونشرهما بالجريدة الرسمية عام 2006،xxi وبالتالي اصبح هذين العهدين جزءا من المنظومة التشريعية الأردنية منذ ذلك الوقت. وهذان العهدان يكفلان حق العمال وبدون اي شروط تأسيس نقابات عمالية، اذ جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن "لكل فرد الحق في تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحة".xxii

وكان العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أكثر وضوحاً في تفصيل حق التنظيم النقابي حيث اشار الى "ان لكل فرد الحق في تشكيل النقابات والانضمام إلى ما يختار منها، وانه لا يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحق"، بالإضافة الى "أن للنقابات الحق في تشكيل اتحادات وطنية"، ولها "الحق في العمل بحرية دون أن تخضع لأية قيود".xxiii

وفي مجال التزامات الأردن بمضامين المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، فهناك اجماع بين فقهاء القانون الانساني الدولي على أن هذه الاتفاقيات تسمو في التطبيق على القوانين الداخلية إذا كانت تتعارض معها، وقد أكدت اتفاقية "فيينا لقانون المعاهدات" على ذلك ونصت على أنه " لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة". xxiv

 

وفي الأردن هنالك اكثر من تصريح قانوني رسمي يؤكد سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها على القانون المحلي حال حدوث تعارض بينهما، حيث جاء في التقرير الدوري الثاني للأردن الذي قدمه الى لجنه مناهضة التعذيبxxv في عام 2010 "إن اتفاقية مناهضة التعذيب أصبحت بمجرد المصادقة عليها ونشرها في الجريدة الرسمية جزءًا من النظام القانوني الأردني تكتسب قوة القانون، وعلى ذلك فإنه إذا عرضت مسألة من هذا القبيل على القضاء الوطني، فإن المحاكم الأردنية ملزمة بالرجوع إلى التعريف الوارد في المادة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب"xxvi

 

والى جانب ذلك، صدرت في الأردن العديد من القرارات عن محكمة التمييز في أكثر من قضية تتحدث عن سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها على القانون الأردني حال حدوث تعارض معه، حيث جاء في أحد القرارات "ان الدولة تنفذ المعاهدات التي تعقدها مع الدول الأخرى على اعتبار أن المعاهدة اقوي من القانون العادي الداخلي".xxvii وفي قرار آخر ايضا جاء "ان الاتفاقيات الثنائية أو الدولية واجبة الإلزام ويجب العمل بها، وهي أعلى مرتبة من القانون الداخلي في حال تعارضهما".xxviii وهنالك قرار صدر عن محكمة التمييز في أحد القضايا يشير وبشكل واضح الى سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية على القوانين المحلية وينص على "تسمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية مرتبة على القوانين المحلية ولها أولوية التطبيق عند تعارضها معها ولا يجوز الاحتجاج بأي قانون محلي أمام الاتفاقية ".xxix

وعليه فإن حق وحرية التنظيم النقابي مضمونة وفق النظام القضائي الأردني، حتى لو تعارض ذلك مع نصوص قانون العمل الأردني، ولا يمكن اعتبار ممارسة حق التنظيم النقابي بحرية ووفق اسس ديمقراطية شرذمة للحركة النقابية الأردنية، القائمة بقوة القانون، وليس وفق الاختيار الطوعي للنقابات ذاتها.

 

 

حق وحرية التنظيم النقابي وفق اتفاقيات منظمة العمل الدولية

أما على مستوى موائمة التشريعات العمالية الأردنية المتمثلة بقانون العمل والقرارات الصادرة بموجبه، مع معايير العمل الدولية الواردة في اتفاقيات منظمة العمل الدولية، فنصوص التشريعات الأردنية لا تتوائم ايضا مع مضامين هذه الاتفاقيات. وهنالك اتفاقيتين اساسيتين تنظمان الحق في حرية التنظيم النقابي هما اتفاقية (87 ) بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم والاتفاقية (98) بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية.

وباستعراض المضامين الجوهرية لهاتين الاتفاقيتين، نرى أن الاتفاقية (87) تنص على أن "للعمال وأصحاب العمل دون تمييز الحق وبدون ترخيص مسبق في تكوين منظمات يختارونها، وكذلك الحق في الانضمام إليها" وتكفل " لمنظمات العمل وأصحاب العمل الحق في وضع دساتيرها ولوائحها الإدارية وفي انتخاب ممثليها بحرية كاملة"، وتنص كذلك على "تمتنع السلطات العامة (الحكومية) عن أي تدخل من شأنه أن يقيّد هذا الحق وأن يعوّق ممارسته المشروعة"، الى جانب تأكيدها على أنه "لا يجوز للسلطة الإدارية (الحكومة) حل منظمات العمال ومنظمات أصحاب العمل أو وقف نشاطها"، وتؤكد الاتفاقية على أن "لمنظمات العمال وأصحاب العمل الحق في تكوين اتحادات واتحادات عامة وفي الانضمام إليها، ولأي من هذه المنظمات أو الاتحادات أو الاتحادات العامة الحق في الانضمام إلى منظمات دولية للعمال ولأصحاب العمل"، وبينت الاتفاقية على ضرورة " أن يحترم العمال وأصحاب العمل ومنظماتهم قانون البلد التي تعمل فيه"، واشترطت لذلك "أن لا ينطوي (هذا) القانون على مساس بالضمانات المنصوص عليها في هذه الاتفاقية أو أن يطبق بطريقة فيها مساس بهذه الضمانات".xxx

وبالرغم من أن الأردن لم يصادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (87) المذكورة أعلاه، الا أنه ملزم بتطبيقها واخذ مضامينها بعين الاعتبار عند وضع التشريعات الوطنية وفق ما جاء في نصوص "إعلان منظمة العمل الدولية للمبادئ والحقوق الأساسية في العمل" xxxi والذي تشكل حرية التنظيم والاعتراف الفعلي بالحق بالمفاوضة الجماعية اولى هذه الحقوق والمبادئ، ولضمان هذا الحق أشار الاعلان الى الاتفاقيتين، اتفاقية 87 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم والاتفاقية 98 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية. إذ جاء في مقدمة هذا الاعلان " تعلن المنظمة (منظمة العمل الدولية) أن الدول الأعضاء حتى ولو لم تصادق على الاتفاقيات ذات العلاقة، ملزمة بحكم انتمائها وعضويتها في المنظمة باحترام المبادئ المتعلقة بالحقوق الأساسية وتعزيزها وتطبيقها بحسن نية وطبقا للدستور (دستور منظمة العمل الدولية)"xxxii. وعليه ولأن الأردن عضوا في منظمة العمل الدولية فهو ملزم بموجب ذلك باحترام الحق في حرية التنظيم كما جاءت في نصوص اتفاقية منظمة العمل الدولية 87.

 

والى جانب الاتفاقية أعلاه، كان الأردن قد صادق في عام 1966 على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 98 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية، وهي الاتفاقية الثانية الضامنة للحق والمبدأ الأول في اعلان المبادئ المذكور، وتتلخص مضامين هذه الاتفاقية على "توفر للعمال حماية كافية من أية أعمال تمييزية علي صعيد استخدامهم تستهدف المساس بحريتهم النقابية"، وحظرت الاتفاقية "جعل استخدام العامل مرهونا بشرط ألا ينضم إلي نقابة أو أن يتخلى عن عضويته النقابية" وحظرت ايضاً "فصل العامل أو الإجحاف به بأية وسيلة أخرى بسبب عضويته النقابية أو اشتراكه في أنشطة نقابية" هذا الى جانب نصها على "توفر لمنظمات العمال وأصحاب العمل حماية كافية من أية تصرفات تمثل تدخلا من بعضها في شؤون بعضها الآخر سواء بصورة مباشرة أو من خلال وكلائها أو أعضائها، سواء استهدف هذا التدخل تكوينها أو أسلوب عملها أو إدارتها".xxxiii وهذه الاتفاقية تضمن في جانب منها حق التنظيم النقابي، بتأكيدها على حظر تعرض العمال لأي اشكال عقابية اي كان نوعها بسبب انتماءاتهم ونشاطاتهم النقابية.

 

وفي ضوء الحقائق المذكورة أعلاه فإن نصوص قانون العمل الأردني المعمول به، تقيد بشكل كبير حق ممارسة حرية التنظيم النقابي مخالفة بذلك مضامين العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع أنهما جزء من المنظومة القانونية الأردنية منذ ست سنوات، الى جانب مخالفتها لاتفاقيات منظمة العمل الدولية ذات العلاقة، واعلان منظمة العمل الدولية للحقوق والمبادئ الأساسية بالعمل، لذلك وجد الآلاف من عمال الأردن الى انشاء نقابات عمالية مستقلة استنادا الى قاعدة سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات المحلية، بغض النظر عن درجة تخلف هذه التشريعات عن مواكبة التزامات الدولة الأردنية الدولية تجاه القانون الانساني الدولي، والحاجات الملحة للمجتمع الأردني.

وفي هذا السياق جاءت التعديلات على الدستور الأردني في عام 2011 لتصب في مصلحة حرية التنظيم النقابي، إذ جاء في هذه التعديلات " للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات  والاحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف احكام الدستور."xxxiv وأكدت ذلك مادة أخرى في الدستور نصت على الحق في انشاء "تنظيم نقابي حر ضمن حدود القانون"xxxv. وجملة "ضمن حدود القانون" فهمها أصحاب الحق المتعطشين لتنظيم نقابي حر وفق المعايير الواردة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها والتي تسمو على القوانين المحلية، الأمر الذي شجعهم على انشاء نقابات عمالية جديدة، وحتى لحظة اعداد هذا التقرير تأسست ست نقابات مستقلة في كل من قطاعات الفوسفات وشركة الكهرباء الأردنية والمطابع والبلديات والصناعات الدوائية والزراعة، وقد أعلنت هذه النقابات عن تأسيس اتحاد عمالي مستقل يجمعها، ووفق انظمة داخلية ديمقراطية.

 

مواقف الأطراف ذات العلاقة بإنفاذ الحق بالتنظيم

على الرغم من درجة وضوح النصوص الواردة في القانون الانساني الدولي بخصوص حق وحرية التنظيم النقابي، ووضوح مستويات الالتزام بها وسموها على القانون المحلي الأردني الا أن ردود فعل عدد من الجهات ذات العلاقة بالعمل النقابي على اقدام قطاعات عمالية بتأسيس نقابات عمالية مستقلة كانت مستغربة ومستهجنة وتعبر عن جهل كبير بهذه الأبعاد، وكأن مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية لا يوجد فيها مستشارين قانونيين يفترض بهم الالمام بمختلف هذه الأبعاد القانونية المحلية والدولية.

وبتفصيل أكثر، كان الموقف الأكثر غرابة، موقف وزارة العمل حيث رفضت تسجيل هذه النقابات ورفضت الاعتراف بها مبررة موقفها ذلك أن نصوص قانون العمل الأردني لا يسمح بذلك، وقد مارست الوزارة موقفين مختلفين مع النقابات المستقلة، ففي الوقت الذي تفاوضت فيه من النقابة المستقلة للعاملين في قطاع الفوسفات أثناء اضرابهم، رفضت التفاوض مع النقابة المستقلة للعاملين في شركة الكهرباء الأردنية، والحكومة بذلك كانت تقترف مخالفة صريحة لمبادئ حرية التنظيم والمفاوضة الجماعية الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الحكومة وملتزمة بها، وخاصة اتفاقية منظمة العمل الدولي رقم 98 المتعلقة بحق التنظيم والمفاوضة الجماعية.

وتوافق موقف وزارة العمل مع موقف عدد من النقابات العمالية المعترف بها وفق قانون العمل ساري المفعول، والتي كانت من المفترض أن تكون حاملة لواء حرية التنظيم النقابي، فقد أصدر الاتحاد العام لنقابات العمال العديد من البيانات والتصريحات التي تعلن فيه أن النقابات المستقلة التي اسستها قطاعات عمالية متعددة غير قانونية وغير شرعية، لا بل أن بعض النقابات العمالية المعترف بها وفق القانون المعمول به، قامت بتحريض الحكومة وارباب العمل والعمال انفسهم لعدم التعامل مع هذه النقابات باعتبارها غير شرعية.xxxvi

أما موقف أصحاب العمل فقد انسجم موقفهم مع موقف وزارة العمل والنقابات العمالية المعترف بها وفق قانون العمل المعمول به، إذ رفضت ادارة شركة مناجم الفوسفات التفاوض مع النقابة المستقلة للعاملين في قطاع الفوسفات التي نظمت الاضراب المفتوح لعمال الفوسفات الذي استمر لأربعة أيام، في شهر شباط 2012، الا أنها اضطرت للتفاوض معهم وبحضور وزير العمل والنقابة العامة للعاملين في المناجم والتعدين. أما ادارة شركة الكهرباء الأردنية فقد رفضت التفاوض مطلقاً مع النقابة المستقلة للعاملين في شركة الكهرباء وهو الاضراب المفتوح الذي استمر لمدة 17 يوم في نيسان 2012، وكان موقف ادارة الشركة منسجما بالكامل مع موقف كل من وزارة العمل والنقابة العاملة للعاملين في الكهرباء، حيث تم في النهاية توقيع اتفاقية بعيدا عن مشاركة النقابة المستقلة للعاملين في شركة الكهرباء.

أما فيما يتعلق بموقف المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني فقد صدرت موقفين حيال تأسيس النقابات العمالية المستقلة، تمثلا في رسالة ارسلها المركز الوطني لحقوق الانسان الى وزير العمل، أشار فيها الى " ان احكام قانون العمل يعتريها نقص .... وانها لا تنسجم مع المعايير الدولية، فأحكام قانون العمل تمنح وزارة العمل الصلاحية المطلقة في الموافقة على تأسيس النقابة"، وطالب المركز في ذات الرسالة وزارة العمل " بضرورة اعادة النظر في تصنيف المهن التي يجوز لها تشكيل نقابة"، وطالب الوزارة كذلك "ولحين تعديل قانون العمل وقيام اللجنة الثلاثية بإيجاد تصنيف جديد لمنح النقابات المستقلة الفرصة لاثبات وجودها، .... ولحين انجاز التعديل المرتقب يتم منحها الصفة القانونية، اذ انه لا يوجد ما يمنع في المعايير الدولية من وجود نقابتين لذات الجهة"xxxvii.

 

أما الموقف الثاني، فقد أوضح برنامج المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية وبأكثر من مناسبة أن "تأسيس نقابات عمالية مستقلة هو حق مكفول للعاملين وفق مختلف معايير العمل الدولية، ووفق العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن المشكلة تكمن في تشريعات العمل الأردنية الناظمة للعمل النقابي"، و "أن تشريعات العمل الأردنية هي التي تخالف المعاهدات والمواثيق الدولية"، وبين كذلك "ووفقا لمبدأ سمو المعاهدات والمواثيق الدولية على القوانين المحلية حال تعارضها، فإن النقابات العمالية المستقلة تعتبر نقابات شرعية"xxxviii.

 

 

الخلاصة والتوصيات:

يتضح مما سبق ذكره أن طبيعة التحولات التي عاشها المجتمع الأردني خلال العقود الماضية وعلى وجهة الخصوص الحركات والقوى العمالية الأردنية، بسبب النتائج السلبية للسياسات الاقتصادية التي تم تنفيذها في الأردن، وعدم تطوير التشريعات العمالية بما يتوافق مع متطلبات وحاجات قطاعات عمالية واسعة تشكل جزءا اساسيا من هذا المجتمع، الى جانب عدم تطوير وتعديل التشريعات العمالية الأردنية بما ينسجم مع التزامات الأردن مع المعاهدات والمواثيق الدولية سواء كانت الشرعة الدولية لحقوق الانسان وعلى وجه الخصوص العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أم اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وما تبعه من اعلان منظمة العمل الدولية الخاص بالحقوق والمبادئ الأساسية في العمل. يضاف الى ذلك انسداد آفاق اصلاح النقابات العمالية القائمة وتصويب أوضاعها، وفي الوقت الذي لم تستطيع فيه مختلف القيود القانونية الأردنية من منع القوى الاجتماعية والعمالية الناشئة من التحرك للدفاع عن مصالحها وتنظيم نفسها، قامت هذه القوى بصياغة قانونها الخاص بما يحقق هذه المصالح، وجاء هذا قبل اكتشاف بعض هذه القوى لمبدأ سمو المعاهدات والمواثيق الدولية المصادق عليها على التشريعات المحلية، الذي اعطى هذه القوى والحراكات دفعة قوية لتنظيم نفسها بشكل ديمقراطي ولتبني منظمات نقابية فعالة وفق اسس ديمقراطية.

وهي بذلك قامت بممارسة حقها في تأسيس منظماتها النقابية "النقابات المستقلة" وغيرها حيث من المتوقع انشاء نقابة للطيارين والمحاسبين خلال اسابيع. وفي هذا السياق فإن هذه المنظمات النقابية الجديدة من شأنها استعادة الدور الذي كان يفترض بها القيام به من عقود، ولعب دور في خلق حالة من التوازن في علاقات العمل بين العمال وأصحاب العمل، الأمر الذي سيدفع المجتمع خطوة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال لعب هذه المنظمات لدورها في مراجعة وصياغة السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تأثرت وستؤثر فيها. وعليه فإن هذه المنظمات النقابية الجديدة تؤسس لوحدة طبيعية للحركة النقابية تقوم على خياراتها الطوعية الديمقراطية وليست وفقا لنصوص قانونية، التي من شأنها بناء وحدة نقابية هشة وضعيفة كما هو الحال في الوقت الراهن.

واستنادا الى ذلك، فإن التقرير يتقدم بالتوصيات التالية:

1.اعادة النظر بالتشريعات العمالية المتعلقة بالتنظيم النقابي وفق حاجات المجتمع الأردني وتحولات القوى الفاعلة فيه، ووفقا لمضامين المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن، لتسهيل عمليات التقاضي في النظام القانوني الأردني.

2.المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم.

3.الى حين تعديل تشريعات العمل الأردنية ذات العلاقة، على الحكومة الاعتراف بالنقابات العمالية والنقابات الخرى الجديدة، وتمكينها من ممارسة حقها الكامل في فتح مقرات لها وعقد اجتماعاتها وتمكينها من حق ممارسة المفاوضة الجماعية.

4.وقف جميع حملات التشهير التي تتعرض لها النقابات العمالية المستقلة، وعدم الاستقواء بنصوص التشريعات العمالية غير المنسجمة مع الدستور الأردني الجديد ومبادئ حرية التنظيم النقابي المكفولة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها.