الأجهزة الأمنية: خروجا عن مربعها.. تقييدا للحياة العامة

الرابط المختصر

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان

الأصل في الأجهزة الأمنية أن تقوم بجمع المعلومات وتقديمها للحكومة لتتخذ قرارها السياسي تحت رقابة البرلمان ومحاسبية القضاء، ضمن مبادئ الفصل بين السلطات الثلاث والتوازن بينها، كما ينص الدستور الأردني.

لكن الأجهزة الأمنية إن تجاوزت دورها التقني، وتغول الأمني على السياسي لينتزع صناعة القرار وإدارة الدولة، أصبح نقمة على السلطات وانتهاكا لحقوق وحريات المواطنين.

"المخابرات"، "الدائرة"، "الأجهزة"، "الجماعة"، تعبيرات مختلفة يتداولها الناس للحديث عن الأجهزة الأمنية التي يبحث هذا الوثائقي دورها في صناعة القرار السياسي والحياة العامة في الأردن.

وزراء ونواب، حزبيون ونقابيون، إعلاميون ونشطاء، عمال وطلاب، اشتكوا على حد سواء من تدخل "الأجهزة الأمنية" في عملهم ونشاطهم العام.

تدخل في مجلسي النواب والوزراء

النائب الحالي ووزير الإعلام الأسبق، عبدالله النسور، يشكو "مرارة ومشاكل" تدخلات الأجهزة الأمنية في مجلسي النواب والوزراء. ويقول: "من تجربتي عندما كنت وزيرا للإعلام أشهد أنه كان هناك تدخلات من الأجهزة الأمنية. لكن لا أدري إذا كان ذلك مستمرا لغاية الآن. لكن كل الدلائل تشير إلى أنهم يتدخلون ويظنون بذلك أنهم يخدمون البلد، وهم في الواقع يضرون به. ما يفيد البلد هو الحريات والثقة بالنفس".

ويؤكد النسور على صحة موقف وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال السابق، طاهر العدوان، الذي استقال على خلفية رفضه تقديم الحكومة لمشاريع قوانين من شأنها التضييق على حرية الإعلام، وصفها في رسالة استقالته بأنها نتيجة "ضغوط تمارس عليها".

يقول العدوان في نص استقالته "لقد نوقشت التعديلات المقترحة على قانون المطبوعات والخاصة بالمواقع الالكترونية (مرتين) في مجلس الوزراء ولم يوافق المجلس على إدراجها في الدورة الاستثنائية. وفي جلسة يوم السبت الماضي كانت أغلبية الوزارة المطلقة ضد إدراج التعديل الخاص بالمطبوعات".

"لكن يبدو أن هناك إصرار من داخل الحكومة او بضغوط تمارس عليها للذهاب إلى الدورة الاستثنائية بحزمة القوانين الثلاث التي لا يمكن أن توصف إلا انها قوانين عرفية"، يضيف العدوان.

ويحذر العدوان في نص استقالته من أن "قوى الشد العكسي" و"المضللين" "لهم الصوت العالي والقدرة على إجهاض كل إرادة وطنية مخلصة وصادقة".

وبعد أسبوعين من استقالته كتب العدوان: "إن شعارات الأمن والاستقرار في ظل الدول الأمنية لم تكن سوى غيوم عابرة تخفي غليان البراكين. ليس في مقدور أية دولة أو نظام بعد اليوم وفي ظل مناخ الربيع العربي أن يساوم ويراوغ أو يؤخر استحقاقات الحرية والكرامة".

رئيس الوزراء الأسبق العين عبد الرؤوف الروابدة يعترف بأن الأجهزة الأمنية أصبحت مرجعية حكم، ولم ينف تدخلها واعتبرها جزءا ممن وصفهم بمراكز القوى. وقال في المنتدى الذي خصص للحوار عن "الولاية العامة للحكومة بين النظرية والممارسة وحكومات الظل" في حزيران 2011: "إن الدول التي لا تتمتع بحياة حزبية تشكل فيها الحكومات حسب العلاقات الشخصية وسياسة استرضاء أصحاب الصوت العالي ومراكز القوى، وأصبح كل وزير مرتبط بالجهة التي نسبته ورشحته ويصبح ولاؤه لها".

لكن الحديث عن الدور الأمني في البلد "مبالغ فيه"، وفقا للناطق باسم الحكومة ووزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، عبدالله أبو رمان، ومطلب وقف التدخل الأمني "ليس المطلب الطاغي، فهناك مطلبين رئيسيين الإصلاح ومكافحة الفساد". ويضيف: "منذ 3 سنوات بدأنا نلمس إعادة تموضع حقيقية للأجهزة الأمنية داخل المربعات الأمنية".

"بالمجمل العمل الأمني في الأردن عمل محترف وضمن المربع الأمني البحت، ولا يحاول التمدد على حساب السياسي، على العكس تماما القرار في مجمله قرار سياسي والولاية على الأجهزة الأمنية كما هو معروف دستوريا ولاية السلطة التنفيذية. ودورها الرئيسي حماية الوطن وتوفير البيئة الملائمة والآمنة لكل الأطراف، بما في ذلك المعارضة، وصون وحماية حق المعارضة في التعبير عن رأيها"، يقول أبورمان.

"ولم أسمع من النواب أي ملاحظة تتعلق بالتدخل الأمني، وأنا على اطلاع وتواصل مع جميع أعضاء مجلس النواب وعلى علاقة طيبة معهم. أحيانا تكون هناك صورة نمطية، توجد قوى محافظة بالمجتمع ولها الحق في التعبير عن رأيها وهو مصان، وربما تمثل الاغلبية في لحظات في قرارات ونقاشات عامة، تفسر عند طرف أو آخر بوجود تدخلات"، يضيف أبورمان.

ويتابع: "لا يجوز لأي شخص حاز على ثقة الشعب وأصبح نائبا أن يتذرع بتعرضه لضغط ما. هذا كلام غير جائز ولم اسمعه من النواب بل أقرأه في تحليلات صحفيين أو في جلسات عامة".

قرار سياسي وآخر أمني

النائب النسور يؤكد وجود تدخل من "يزعمون ويظنون أنهم أحرص وأفهم من مجلس الوزراء ومجلس النواب بمصلحة الأمة والشعب والنظام. من قال أنه يحق لكم توجيه مجلس النواب أو بعض أعضائه فيما ينبغي أن يفعلوه، يجب أن يتوقف ذلك"، يقول النسور.

"لا نريد لهذه الجهات (الأجهزة الأمنية) أن تزاود علينا أو أن تعيق عملنا وتحرض النواب على بعضهم البعض كما يفعلون. من دون أن يفرض أحد شيئا على الآخر نعمل حاليا على إجراء تعديلات دستورية ضمن نظامنا الملكي الدستوري الهاشمي وجلالة الملك هو قائد الجميع ولا نريد تقليل صلاحياته وإنما نريد إصلاحا تدريجيا وتطورا مدروسا".

ويضيف النائب: "المشكلة في الهتّافين الذين يحاولون أن يصوروا للملك أنهم مدركين لتوجيهاته لكن لديهم وجهة نظر أخرى هي التي يعملون بها. لا يحق لهم ذلك وسنقاومهم".

أما المشكلة، كما يشخصها الباحث في مركز الدراسات الإستراتجية بالجامعة الأردنية، محمد المصري، فتكمن في وجود "توجهين في التعامل مع اي قضية سياسية، اجتماعية او اقتصادية، أحدهما أمني والثاني سياسي. الأمني يقوم على مبادرة الأجهزة الأمنية بتشخيص الوضع واقتراح الحلول، وهذا يعود لسنة 1996 ولم يكن قبل ذلك حتى في فترة الاحكام العرفية، حيث الأجهزة الأمنية تابعة للسلطة التنفيذية ورأيها لم يكن قرارا او سياسة تنفذ فصاحب الرأي السياسي هو من يقرر".

ويلخص المصري المفاصل الرئيسية التي مر بها الأردن وساهمت في تطور دور الأجهزة الأمنية، ابتداء من مرحلة التحول الديمقراطي في عام 1989 حيث "لم تكن الاجهزة الامنية تعلم دورها وكانت تبحث عن دور جديد لها". وفي عام 1994 وقع الأردن على معاهدة السلام مع إسرائيل وظهر مناوئون وتوجه لدى الحكومة للتراجع عن عملية التحول الديمقراطي وتقييدها واضطرت إلى الاعتماد أكثر على الاجهزة الامنية لحشد مؤيدين لعملية السلام من ناحية والتقليل من دور غير المؤيدين. وصار دور الأجهزة الأمنية أقوى. ثم دخلت عوامل اخرى مثل منظومة الحرب على الارهاب التي أعطت نفوذا أكبر للأجهزة الأمنية. هذه العوامل ساهمت في زيادة دور الاجهزة الأمنية في تقرير السياسات العامة.

دور الأجهزة الأمنية في صياغة القرار، وفقا للمصري، وصل أوجه في عام 2007 حيث تدخلت في انتخابات نيابية غير نزيهة ومزورة وفي تشكيلة الحكومات بشكل أكبر مما يحدث الآن. "حتى رئيس الوزراء معروف البخيت قالها صراحة انه لم يكن مسؤولا عن التزوير وإنما الأجهزة الأمنية هي المسؤولة".

اليوم، يقول المصري، "ونتيجة الربيع العربي الذي خلق الحوار والاسئلة، يوجد سؤال موضوعي عما إذا كان يجب ان نتعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية من وجهة نظر أمنية أم سياسية، وهناك من يدافع عن وجهة النظر الأمنية وآخرين عن السياسية. وهناك المظاهرات التي خرجت تطالب برفع القبضة الامنية عن الحياة العامة، وهناك سياسيون في السلطة يقولون انه يجب ان تكون تدير البلد إدارة سياسية وأن القرار للسياسيين وليس للأجهزة الأمنية".

حزبيا، يرى رئيس الدائرة السياسية في جبهة العمل الاسلامي، زكي بن رشيد، أن "الدولة تسير باتجاه أمنقراط والبوليسية والحارسة على حساب البعد السياسي. وهذا يربك الأردن على جميع المستويات الاقليمية والدولية والمحلية والاقتصادية في مجال هروب الاستثمارات. هذه بيئة طاردة للمستثمرين ولا تشكل أي بارقة أمل للحصول على إصلاحات سياسية"، يقول رشيد.

ويضيف: "رئيس الوزراء موظف لا يمارس أكثر من 10% من صلاحياته الدستورية وفقا للولاية العامة الدستورية الممنوحة له، ومن يمارس تلك النسبة يكون قويا. وإذا كان هذا حال رئيس الوزراء فما بالنا في المؤسسات الاخرى. وذلك لا يقتصر على الحكومة الحالية وإنما نهج أنتج مجموعة من المعطيات نحصد ثمارها".

ويخلص رشيد إلى أن "الأجهز الأمنية هي من تدير البلد، وعبر سنوات أضعفت كل مؤسسات الدولة لصالح تسمينها وتغولها حيث تدخلت في كل مفاصل الدولة الاردنية سواء في المؤسسات الرسمية، الشعبية، المدنية، النقابية والعمالية".

في الحياة الحزبية

الأجهزة الأمنية، كما يراها رشيد، "قابضة على كل مناحي الحياة السياسية، والتدخل في تزايد وعلى مستويات متعددة".

"الأجهزة الأمنية تتحكم في التعيينات على مستوى حارس مدرسة أو مرمى، وفي المؤسسات العامة والخاصة. هناك الكثير من أعضاء الحزب يتعرضون للابتزاز لتقديم استقالاتهم الحزبية مقابل تمتعهم بحق الوظائف والتعينات أو المنح الدراسية. وما هذا إلا قبضة أمنية على الحياة الحزبية"، يقول رشيد.

ويضيف: "في لقاءات مصغرة جمعت أعضاء في جماعة الاخوان مع وجهاء عشيرة تم استدعاء المعنيين بالامر واالتحقيق معهم وإلغاء الفعالية. والأساس أن يعمل الجهاز وفقا للدستور في الحفاظ على أمن البلد وممتلكاته والأمن القومي وليس التوسع في صلاحيته".

ويتحدث رشيد عن مشاهداته في الانتخابات النيابية، وينقل عن "أحد رؤساء الجهاز الأمني قبل إجراء الانتخابات قوله أنه قادر على انجاح 80 نائبا، ما يعني أن الاجهزة الامنية تتحكم بقواعد الاداء السياسي والمدني في الاردن، وهو ملف قلما يتحدث عنه الناس، لكن آن أوان الحديث عنه صراحة، فلا يمكن الحديث عن إصلاح مع وجود القبضة الامنية المسيطرة على مجريات الحياة السياسية والمدنية".

ويتهم رشيد الجهاز الأمني بمحاولة التحكم بالحراك الشعبي عبر تحريك المسيرات الموالية والتحشيد لها بهدف إعاقة المسيرات المطالبة بالاصلاح".

الحريات العامة، كما يراها الناطق باسم الحكومة، "مصانة بحكم الدستور وقوتها من قوة الدستور الأردني والقرار السياسي بأعلى مستوياته، والملك هو الضامن الرئيسي للحريات العامة، ويوجه جميع الاطراف في العمل العام الرسمي إلى حماية الحريات العامة وحق التعبير. وفي مطلع عهده أطلق مقولة أصبحت عنوان للحريات العامة وهي "الحرية سقفها السماء".

ويعتبر الوزير أن "ما شهدته الفترة الماضية من قرابة ٢٥٠٠ مسيرة وتظاهرة وتفاعل في شتى انحاء المملكة، يعكس أن التعبير عن الرأي حق مشروع. وواجب الأجهزة الأمنية هو توفير البيئة الديمقراطية الآمنة للتعبير عن الرأي. فأين هو التدخل الأمني وأين هو الحد من الحريات العامة؟".

كل الأجهزة الحكومية السياسية والأمنية مسؤوليتها الرئيسية حماية هذا الحق وليس الحد منه، بالتالي المراقب المنصف سيدرك بأن المسيرات والتفاعلات خلال الشهور الست الماضية لم يسجل فيها أي حالة تدخل أو تكميم أفواه أو صدام بأي شكل من الاشكال، باستثناء ساحة النخيل التي تلتها مباشرة جرأة الأمن العام بتحمل المسؤولية الأدبية والقانونية وفتح ملف تحقيق وقدمت النتائج لنقابة الصحفيين. بالمجمل كل هذا الحراك شاهد ماثل على الدور الأمني المجرد البحت للأجهزة الأمنية والمنظور في هذه اللحظة التاريخية لحماية حق التعبير والاعتراض والمطالبة السياسية والبرامجية التي تطرح في الشارع.

في الحراك الشعبي والعمالي

الناطق باسم "لجنة شباب ذيبان" المطالبة بإصلاحات سياسية، وناشط عمالي منذ العام 2006، محمد سنيد، تحدث عن ممارسات الأجهزة الأمنية من "مضايقات وتهديدات واجراءات فصل وسجن"، كما تحدث عن "عروض وإغراءات بالعودة إلى عمل براتب مرتفع" رفضها سنيد جميعا.

"ضغطت الأجهزة الأمنية لكي توقف قيادتي لحركة عمال المياومة، ولتوقف الاحتجاجات والاعتصامات. لكن هذه المحاولات لم تنجح في ثنينا عن مطالب العمال وتحسين اوضاعهم. كما رفضت اغراءاتهم مثل وظيفة براتب مرتفع وشروط وظيفية افضل من كوني عامل مياومة. وعادوا للتهديد اكثر من مرة عن طريق أحد أقاربي ممن تربطهم علاقات مع الأجهزة الأمنية، إلى أن نفذوا تهديدهم بفصلي من العمل".

ويروي سنيد أن "أحد الاشخاص من جهة رسمية قال لي ان لديه صلاحيات بسجني إذا لم أترك هذه التحركات. وقلت له لن اترك التحركات السلمية. وعند زيارة وزير الزراعة لمادبا فيي ندوة لمركز الشراكة من اجل الديمقراطية، كنت من المدعوين رسميا، وفيها هتفت ضد الحكومة وسياساتها تجاه العمال، وتعرضت للضرب والتحويل لمحكمة أمن الدولة حيث رفعت علي 4 قضايا. وكان وقضيت فترة سجني في السلط إلى ان سقطت عني التهم بالعفو العام".

رئيس التجمع النقابي العمالي، شرف المجالي، يشرح كيف يكون تدخل الجهات في اتحاد نقابات العمال. ويقول: "كل واحد يتقدم بطلب عضوية في الاتحاد ترسل أوراقه او سيرته الذاتية إلى الجهات الامنية للحصول على موافقة أمنية. ومنذ عام 1989 حتى الآن الجميع يحصلون على موافقات أمنية وبلا تعقيدات. لكن هناك انتقادات كبيرة لهذا الموضوع، وثمة اصوات تطالب برفع الوصاية الحكومية المتمثلة في الاجهزة الامنية عن النقابات العمالية".

"الحكومة سابقا لم تكن تتدخل لكون الإدارة متماهية معها، لكن الآن تغير الوضع ويوجد للبعض حماية ودعم من الاجهزة الأمنية. هذا ما يتداوله العمال لكن لا يوجد إثبات".

النقابات المهنية

ومقارنة بمؤسسات المجتمع المدني الأخرى، فإن النقابات المهنية هي "الأقل عرضة لتدخل الأجهزة الأمنية"، وفقا للناطق الإعلامي لحركة "نقابيون من أجل الإصلاح"، ميسرة ملص.

ويوضح ملص أن شكل التدخل الأمني يتلخص في مجلس النقباء الذين يتعرضون لضغوط لاتخاذ قرارات "مخالفة للتوجهات العامة للنقابات في مجال الحريات وما شابه. ومن يخضع للضغوطات الأمنية تعمل الهيئات العامة على تنحيته وانتخاب آخر". ويضرب ملص مثالا عندما رفض طلب تنسيقية الحركات الشبابية عقد مؤتمر تنسيقي لها في مجمع النقابات فعقدت مؤتمرها قبالة مقر المجمع في الهواء الطلق. ويعزو ملص ذلك "لضغوطات الأجهزة الأمنية".

ويتساءل ملص مستنكرا: "أين لا تتدخل الأجهزة الأمنية؟ تتدخل في عمل الحكومات والنواب والأعيان والنقابات العمالية والمجتمع المدني والجمعيات، فهي كالأب الذي يفرض وصايته على الأسرة. وهذا ما يؤثر على الحريات العامة والديمقراطية".

ويتابع: "من المعلوم أن أي اجتماع تريد عقده الأحزاب والمعارضة فإنها تلتزم بأخذ إذن المتصرف (الحاكم الاداري)، حسب قانون الاجتماعات العامة قبل التعديل. الأجهزة الأمنية هي من توافق أو تمنع، فسقف النشاط الحزبي والبرنامج الحزبي تحدده دائرة المخابرات على هيئة محافظ. الاجهزة الامنية اصبحت الحاكم الفعلي، وقد استقوت وتحكمت أكثر".

تدخل أمني في الإعلام

"مشكلة تدخل الاجهزة الامنية في الإعلام مستمرة، سواء عبر اتصالات هاتفية مع القائمين على الصحيفة أو مع منهم قريبين منهم"، يقول رئيس تحرير صحيفة "الحياة" الأسبوعية سابقا ومدير موقع "عفرا" حاليا، حسان خريسات.

ويروي خريسات إحدى تجاربه في شهر أيار من العام الماضي، عندما أراد طباعة أحد أعداد أسبوعية "الحياة" الذي يحمل مانشيت "الشعب الاردني يعيش مرحلة التحرر" في مطبعة الدستور كما جرت العادة.

"تفاجأت بمطبعة الدستور تخبرني بأن طباعة العدد توقفت بأمر من الجهات التي طلبت إلغاء 4 صفحات ومراجعة المخابرات. وتبين لي أن لدى المخابرات ضابط ارتباط في مطبعة الدستور الذي طلب إلغاء تقرير المانشيت ومقال لتوجان فيصل. ودخلت في مفاوضات مع ممثل مطبعة الدستور المرتبط مع المخابرات، وهو موظف عادي، استمرت 3 ساعات حتى طبعت الجريدة، وقد وضعت بدلا من المواد التي شطبت مقصات تعني مقص الرقيب. وقد وضعت مكان المانشيت الرئيسي في الصفحة الاولى علم الاردن. وفي اليوم التالي عقدت مؤتمرا صحفيا حول الحادثة. ولم يعجب المخابرات ذلك واتصلوا بمدير الجريدة".

واعتبر خريسات ما حدث مصادرة للحريات العامة ورقابة مسبقة على الصحف، مستغربا طلب إزالة المادة وهي عبارة عن "آراء لشخصيات وطنية كرئيس الوزراء الأسبق احمد عبيدات ورئيس الوزراء الأسبق فيصل الفايز و النائب الأسبق منصور الدين مراد".

ويضيف مدير موقع "عفرا" أن "الاجهزة الامنية لغاية الآن لا تزال تتدخل بالمواقع وتؤثر وتضغط وتمارس دورا كبيرا". كنت في استراليا قبل فترة عندما تلقيت اتصالا من المخابرات لطلب شطب مادة منشورة على موقع عفرا عن بيان لتيار 36".

لكن بعض القائمين على المواقع الالكترونية الإخبارية يتداولون فيما بينهم تراجع عدد الاتصالات التي اعتادت أن تتلقاها من الأجهزة الأمنية طلبا لحذف أخبار أو مقالات.

أما على صعيد نقابة الصحفيين فقد أظهرت دراسة أجراها مركز القدس للدراسات السياسية في حزيران 2011 أن أكثر من 80% من عينة الصحفيين تعتقد وبدرجات متفاوتة بخضوع نقابة الصحفيين لسيطرة الحكومة وتدخل الأجهزة الأمنية في شؤونها وبخاصة انتخابات مجلسها.

لكن الوزير أبورمان فيرى خلاف ذلك. ويقول: "بشهادة جميع الصحفيين الذين فازوا في مجلس نقابة الصحفيين، لم يكن هناك أي ملمح من ملامح التدخل أو اتصال. هناك صورة نمطية ويقال أن أحدهم لديه ضوء أخضر أو أحمر وما إلى ذلك، وهذا غير صحيح بدليل أن جزءا منهم لم ينجح في الانتخابات".

ويؤكد الوزير أنه "لم يكن هناك أي تدخل ملموس في النقابات والأحزاب والانتخابات عامة، على سبيل المثال عند انتخابات رابطة الكتاب الأردنيين، وكنت هناك في نفس اليوم، وقدمت المباركات للأعضاء والرئيس موفق محادين، وقد أشادوا بأنفسهم بأنهم لم يلمسوا لا من قريب أو من بعيد أي تدخل أمني، وهي انتخابات مهمة".

في الحياة الطلابية والأكاديمية

وجهت لجنة المتابعة للحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة “ذبحتونا” رسالة إلى رئيسة الجامعة الهاشمية الدكتورة رويدا المعايطة طالبت فيها بضرورة وقف التحقيق مع الطلبة الناشطين، والإسراع بإصدار عفو عن كافة الطلبة الذين تم توجيه عقوبات لهم لتوجهاتهم الفكرية ونشاطاتهم السياسية والمطلبية.

وحذرت الحملة من استمرار سيطرة الذهنية الأمنية في التعامل مع كافة القضايا الجامعية، وقالت ان الأمر “لم يعد مقبولاً ولا يجوز السكوت عنه”، مؤكدة على ضرورة إسراع إدارة الهاشمية بإلغاء العقوبات عن الطلبة على خلفية نشاطاتهم المطلبية وأفكارهم السياسية.

ومن جهته قال رئيس إتحاد الطلبة في الجامعة الأردنية عبد السلام منصور، في تصريحات صحفية، أن "التدخل الأمني تكون فرصته عند إنتخابات الإتحاد وبشكل واضح"، وأكد أنه واجه تدخلا أمنيا في إنتخابات الإتحاد.

وأضاف أن الجهات الأمنية ما زالت تتدخل في تحركات جميع النشاطات الطلابية داخل الجامعات الذي يعتبر مجتمع له رجال أمن وميزانية وكوادر بشرية خاصة به بعيداً عن المجتمع الخارجي.

وقال منصور أنه قدم للملك عند لقائه في شباط 2011 مذكرة إحدى مطالبها كانت عدم تدخل الجهات الأمنية في الفعاليات الطلابية داخل الجامعات الاردنية، إلا أن ذلك لم يتم بشكل رسمي.

وكما الطلاب تعاني الهيئة التدريسية في الجامعات من قيود أمنية، حيث تظهر دراسة علمية أجراها المركز الوطني لحقوق الإنسان بالتعاون مع مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان، أن نسبة 40٪ من عينة أكاديمية ترى أن "الجهات الرسمية" تفرض قيودا على حرية الرأي داخل الجامعات الأردنية.

وأوضح أحد أعضاء فريق إعداد الدراسة ورئيس وحدة الدراسات في المركز الوطني، محمد يعقوب، أن " المخابرات" هي المقصودة بـ"الجهات الرسمية".

فيما ترى نسبة 53,35٪ من العينة التي اجريت بين الهيئات التدريسية في جامعات (الأردنية، اليرموك ومؤتة) أن هناك “خطوط حمر” تضم مواضيع لا يمكن مناقشتها علنا وبحرية، ونسبة 31,54٪ منهم ترى بأن هناك ممارسات إدارية داخل الجامعات قد عززت الرقابة الذاتية بين أعضاء المجتمع الأكاديمي وهذا يعني أن الحرية الاكاديمية التي يمارسها عضو هيئة التدريس في التعبير عن رأيه بحرية تكون مضبوطة ومقننة.

تناولت تلك الدراسة التي أعلن عنها اواخر تموز الماضي واقع الحريات الأكاديمية في الجامعات الأردنية، مستندة على الجامعات الثلاث كنموذج لبناء العينة العلمية من الكادر الأكاديمي الذي بلغ 2582 أستاذا جامعيا بنسبة 24٪ من المجتمع الأكاديمي.

ورغم أن الحديث غير ممكن أحيانا في بعض القضايا المحسوسة، يقول الباحث محمد المصري، لكن "هناك انطابعات منتشرة بين المواطنين مثلا أنه لا يستطيع أحد الفوز في الانتخابات إلا اذا كانت الاجهزة الامنية راضية عنه، ولا يمكن تعيين وزير او امين عام وزارة او رئيس جامعة إلا برضى الأجهزة الأمنية كشرط. والانطباعات تمثل قوة الحقيقة ويجب معالجتها وتأتي من شواهد وقصص مثل انتخابات 2007".

ويتابع: "الحكومات عموما لا تريد ديمقراطية حقة وتعتقد أن هناك مؤامرة على الأردن وأن الفعاليات الميدانية من مظاهرات مطالبة بالحرية والعدالة ما هي إلا تهديد لأمن البلد، وتعريفهم لأمن الوطن هو تعريف أمني ضيق وليس تعريف سياسي او اقتصادي او اجتماعي".