إلغاء محكمة أمن الدولة مطلباً شعبياً

الرابط المختصر

سوسن زايدة لوثائقيات حقوق الإنسان

تتنامي الأصوات المطالبة بإلغاء محكمة أمن الدولة مع توسع اختصاصاتها بالنظر في قضايا تمس حقوق وحريات المدنيين، ومع زيادة الغموض في معايير الاتهام التي يوجهها مدعيها العام والتسييس الذي يغلب على أحكام قضاتها العسكريين.

محكمة خاصة أنشأتها الحكومة بقانون خاص، قانون محكمة أمن الدولة، بعد سنتين من إعلان الأحكام العرفية في عام 1957، والتي ألغيت في عام 1991. وبقيت المحكمة حتى يومنا هذا واستمرت الاحتجاجات والاعتصامات المطالبة بإلغائها باعتبارها محكمة "عسكرية" تحاكم المدنيين والعسكريين وفق معايير واحدة تتعارض والمحاكمة العادلة، ولا تخضع للسلطة القضائية.

الحكومة التزمت الصمت ولم تعلن عن موقفها من المطالبات الشعبية والنيابية بإلغاء محكمة أمن الدولة. فهذا الملف غير مدرج على أجندتها، كما يقول الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال طاهر العدوان.

لكن العدوان يؤكد على موقفه الشخصي المعارض لوجود محاكم خاصة. “يجب أن تتبع جميع المحاكم للقضاء النظامي المدني”.

قانونها المختلف على دستوريته يعطي رئيس الوزراء، في احوال خاصة تقتضيها المصلحة العامة، الحق بتشيكل محكمة خاصة واحدة او اكثر تدعى محكمة أمن الدولة تؤلف كل منها من ثلاثة من القضاة المدنيين و/أو القضاة العسكريين يعينهم رئيس الوزراء بناء على تنسيب وزيرالعدل بالنسبة للمدنيين , رئيس هيئة الاركان المشتركة بالنسبة للعسكريين.

ووفقا لقانونها يعين رئيس هيئة الاركان العامة المشتركة مدير القضاء العسكري او احد مساعديه نائبا عاما لدى محكمة أمن الدولة ويجوز ان يعين من القضاه العسكريين مساعدا له او اكثر، كما يعين قاضيا عسكريا او أكثر لممارسة وظيفة المدعى العام.

ويمنح القانون محكمة أمن الدولة اختصاصات فضفاضة بالنظر في جرائم تمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي والأمن الاقتصادي والسلامة العامة، والمخالفة لأحكام قانون حماية أسرار ووثائق الدولة ولأحكام قانون العقوبات والمتعلقة بالتجمهر غير المشروع والجرائم المخلة بالأمن العام، إطالة اللسان على الملك، الملكة، ولي العهد أو أحد أوصياء العرش، أو أحد أعضاء هيئة النيابة.

ويستند قانون محكمة أمن الدولة الخاصة إلى نص دستوري في المادة 99 التي حددت المحاكم في ثلاثة أنواع: النظامية، الدينية والخاصة، وإلى المادة 110 بعبارة واضحة أن المحاكم الخاصة تمارس اختصاصها في القضاء وفقا لأحكام القوانين الخاصة بها.

محكمة غير دستورية

لكن نقيب المحامين السابق صالح العرموطي يرى أن ما ورد في الدستور عن المحاكم الخاصة لا ينطبق على محكمة أمن الدولة، لأن المحاكم الخاصة يجب أن تكون مشمولة ضمن ولاية المجلس القضائي. "فمثلا محكمة الجنايات الكبرى ومحكمة ضريبة الدخل ومحكمة الجمارك جميعها محاكم خاصة لكنها تخضع للمجلس القضائي، خلافا لمحكمة أمن الدولة. وهذا مخالف للمبدأ الدستوري بالفصل بين السلطات وتغولا من السلطة التنفيذية على القضائية واعتداء على استقلال القضاء".

وعدم استقلالية محكمة أمن الدولة هو النقطة الجوهرية في عدم دستوريتها، وفقا لأستاذ النظم السياسية والقانون الدستوري وعميد كلية القانون في جامعة آل البيت، الدكتور عيد الحسبان. "المعروف في إطار السلك العسكري أنه محكوم بقاعدة الضبط والربط العسكري، فالعسكريون يخضعون للرتب الأعلى منهم وبالتالي لا يكون هناك استقلالية بالمعنى الدستوري للقاضي العسكري في إطار ممارسة اختصاصه في محكمة أمن الدولة".

ويضيف الحسبان: "إذا ربطنا اختصاص محكمة أمن الدولة مع اختصاص المحاكم النظامية والنظر إلى الغاية وتحقيق العدالة نلاحظ تعدد المعايير التي تتبع في تحقيق العدالة واختلافها عن المعايير المتبعة في المحاكم النظامية، وخاصة فيما يتعلق باختلالات حق الدفاع والاختلاف في وجهات النظر".

وفي حين نصت الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن، وتحديدا المتعلقة بحقوق الإنسان والتي أشارت إلى ضمانات المحاكمة العادلة وأن يحاكم الشخص أمام قاضيه الطبيعي، فإن محكمة أمن الدولة ليست القاضي الطبيعي للأشخاص العاديين وإنما للعسكريين. "ورغم أن الدستور الأردني لم ينص صراحة على مسألة القاضي الطبيعي لكن يمكن استخلاصها من القراءة التكاملية للنصوص المتعلقة بالسلطة القضائية"، يقول الحسبان.

ويلخص الحسبان الاشكالية الدستورية في المحاكم الخاصة عموما، وقانون محكمة أمن الدولة بشكل خاص، في توسيع نطاق الاستثناء على حساب الأصل العام. "المعروف حسب القواعد الأصولية الفقهية الدستورية أن الاستثناء لا يؤخذ به إلا بنص والاستثناء لا يقاس عليه وكذلك يفسر الاستثناء تفسيرا ضيقا، بمعنى آخر أننا إذا اضطررنا إلى إنشاء محاكم خاصة فأن تكون في أضيق نطاق".

"وكذلك الحال في مرجعية التنسيب حيث يكون التنسيب من السلطة التنفيذية، فالقضاة المدنيون في محكمة أمن الدولة ينسب بهم وزير العدل والقضاة العسكريين ينسب بهم رئيس هيئة الأركان. "وهذا مخالف للمادة 97 من الدستور والمتعلقة باستقلال القضاة وتنص على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم إلا القانون"، يوضح الحسبان.

ويشير الحسبان إلى إشكالية أخرى تتعلق بعدم وضوح معايير علاقة الجريمة بالأمن الاقتصادي، والتي يقرر رئيس الوزراء إحالتها إلى محكمة أمن الدولة. "أي فعل مجرم يمكن أن يكيف بأنه يمس بالأمن الاقتصادي، وبالتالي فإن هذا البند يمنح صلاحية تقديرية واسعة لرئيس الوزراء من أجل إحالة بعض القضايا بمحكمة أمن الدولة، وهو ما لاحظناه في بعض الجرائم التي أحيلت إلى محكمة أمن الدولة، والأصل أن تكون من اختصاص المحاكم النظامية صاحبة الولاية العامة"، يقول الحسبان.

ولأنها محكمة غير معترف بها دوليا، يقول العرموطي، "لم يستطع الأردن جلب أحمد الجلبي الذي سرق بنكا أردنيا وهرب. فالانتربول لا يعترف بمحاكم استثنائية بعض قضاتها عسكريون والمدعون العامون والنائب العام عسكريون، وتتعارض مع استقلال القضاء".

مطالبات بمحكمة دستورية

التساؤلات حول عدالة أحكام محكمة أمن الدولة بدأت منذ بداية التسعينيات بعد أن حكمت بالإعدام على 12 طالب في جامعة مؤتة بعد اتهامهم بمحاولة قلب نظام الحكم وتغيير الدستور واغتيال الملك في حينها. وبعد أن تم تمييز الحكم أصدرت محكمة التمييز حكما بإبطال جميع اعترافات الطلاب لكونها أخذت تحت التعذيب والإكراه وصدر قرار بإعلان براءتهم من التهم المسندة إليهم.

"تعديل مجلس النواب في عام 1989 لقانون محكمة أمن الدولة بحيث أصبحت تميز إلى محكمة التمييز أنقذ الـ12 شاب الذين تابعوا حياتهم ودراستهم وحصلوا على مؤهلات جامعية"، يقول محاميهم، صالح العرموطي.

سلسلة من الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة على مدار عقود دعمت القائلين بعدم دستورية القانون الخاص بهذه المحكمة، إلى جانب قوانين أخرى، دعت إلى المطالبة بإنشاء محكمة دستورية تفحص دستورية القوانين الخاصة والمؤقتة المثيرة للجدل.

"لو كان لدينا محكمة دستورية لألغت محكمة أمن الدولة لعدم دستوريتها"، يقول العرموطي. "وما أكثر القوانين الأردنية التي تتعارض مع أحكام الدستور، مثل قانون حماية أسرار الدولة، قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية، قانون منع الجرائم الذي يعطي صلاحيات واسعة للحكام الإداريين، وجميعها ما تزال قوانين مؤقتة رغم أن الدستور ينص على وجوب عرضها على مجلس النواب في أول جلسة بعد صدورها، إضافة إلى 230 قانون مؤقت صدرت في عام 2001 و48 قانون مؤقت أصدرتها الحكومة السابقة".

"يجب أن تلغى جميع المحاكم الخاصة وتعود إلى ولاية المحاكم النظامية لأن في وجودها تشتيت للقضاء. كما كثرت صلاحيات الجهات القضائية التي تسحب من القوانين والتشريعات وتعطى لمحكمة أمن الدولة، مثل قانون الجرائم الاقتصادية الذي تجيز لرئيس الوزراء إحالة الجرائم الاقتصادية إلى محكمة أمن الدولة. هذا يعتبر خرقا للدستور وخرقا لصلاحيات السلطة القضائية"، يقول العرموطي.

ويلفت المحامي إلى أن "الدستور الأردني لعام 1946 يتفوق في هذا المجال على دستور عام 1952، حيث نص الأول على أن الأفراد المدنيين والعسكريين يحاكمون على جرائم قانون العقوبات أمام القاضي النظامي المدني، وأن الفرد يحاكم أمام قاضيه الطبيعي. لكن هذه المادة في دستور عام 1946 ألغيت من دستور عام 1952.

أضف تعليقك