200 قضية اعتداء على معلمين سجلتها محاكم الزرقاء خلال عام

200 قضية اعتداء على معلمين سجلتها محاكم الزرقاء خلال عام
الرابط المختصر

التربية تعتبرها حالات فردية وترفض وصفها بـ"الظاهرة"

النقابة: قدمنا للوزارة نصا تشريعيا يحمي المعلم وننتظر الافراج عنه منذ سنة

خبراء: غياب التواصل بين مكونات العملية التربوية والمجتمع من اهم اسباب الاعتداءات

كشفت نقابة المعلمين عن ان محاكم الزرقاء سجلت اكثر من 200 قضية اعتداء على معلمين من قبل طلبة واولياء امورهم خلال العام الدراسي الماضي، في وقت قللت وزارة التربية من شأن هذه "الاعتداءات"، معتبرة انها تمثل حالات فردية ولا ترقى الى"الظاهرة".

وقال فالح المومني رئيس لجنة القضايا في فرع نقابة المعلمين بالزرقاء، ان "هناك أكثر 200 حالة اعتداء على المعلمين وقعت خلال العام الدارسي 2014-2015"، مضيفا ان "هذه الحالات مسجلة ووصلت المحاكم وتم النظر فيها".

وعزا المومني اسباب الاعتداءات اجمالا الى رفض الطلبة او ذويهم لقرارات المعلمين المتعلقة بالنجاح والرسوب والاكمال، و"الجهل" بالاسس التي تحكم تلك القرارات.

واوضح "ما يحدث سببه جهل بالتعليمات والانظمة الموجودة عندنا في زارة التربية والتعليم، وما يتعلق منها بأسس النجاح والاكمال والرسوب"، والذي يؤدي الى حصول "مشاكل" بين الطلبة والاهالي من جهة والمعلمين من جهة اخرى.

وفي عدد لا بأس به من الاشكالات، كان الطلبة او ذووهم يتقدمون بشكاوى مضادة تؤدي الى توقيف معلمين في مراكز الشرطة، سواء بقرارات قضائية ان من قبل الحكام الاداريين.

وكثيرا ما كانت تلك الشكاوى تسفر عن اسقاط المعلمين لما يعتبرونه حقوقهم القانونية في مقابل تنازل الطرف المقابل عن شكواه.

واكد المومني في هذا الاطار ان "النقابة وقفت الى جانب المعلم في جميع تلك الحالات، حيث تمت المساعدة في الافراج عنهم عندما كان يتم توقيفهم قضائيا او اداريا".

وطالما طالبت النقابة بتشريعات تمنع توقيف المعلمين على خلفية الدعاوى التي تصفها بانها "كيدية"، معتبرة ان استمرار غياب تلك التشريعات ادى الى تفاقم "ظاهرة" الاعتداء عليهم في كافة انحاء المملكة.

واتهم المومني وزارة التربية بالمماطلة في هذا الامر، موضحا ان "النقابة اقترحت تشريعا يحمي المعلمين اعتداء الاهالي وهو الان مودع لدى وزير التريية التعليم منذ عام وننتظر الافراج عنه".

"ليست ظاهرة"

من جانبه، وصف مدير تربية الرصيفة سعيد الرقب  "الاعتداءات" على المعلمين في الزرقاء، بانها مجرد "حالات فردية"، رافضا وصفها بانها ظاهرة.

وقال الرقب ان تلك "الاعتداءات ليست ظاهرة بل حالات فردية تحدث بين فترة واخرى على مستوى مديريات المملكة"، مضيفا ان "الظاهرة يجب ان تكون سلوكا عند افراد المجتمع، و200 حالة اعتداء على معلمي الزرقاء هو رقم غير ذي دلالة، ومقارنة بعدد المعلمين وعدد سكان الاردن لا يشكل الا اقل من واحد بالالف".

ومع ذلك، شدد الرقب على رفض وزارة التربية للاعتداء على المعلمين، معتبرا ان المشكلة لا تكمن فيهم، بل في اولياء الأمور.

وقال "نحن نرفض رفضا قاطعا هذا التصرف والسلوك الذي يمارسه ولي أمر الطالب او المجتمع بشكل عام على المعلم، وكما يقول وزير التربية محمد الذنيبات فالمعلم خط احمر، وخدمته عبادة".

ورأى الرقب ان التجاوزات ضد المعلمين تؤشر الى "فجوة سببها الخلل في القيم"، والذي انعكس على اداء المعلم، مؤكدا ان ذلك "يحتاج الى وقفة مكاشفة وصراحة لتتبين اسباب قيام ولي الامر باعتداءات لفظية او مادية او معنوية تجاه المعلم".

وبشأن المطالب بسن تشريعات تحمي المعلم، فقد ابدى تشككه حيال الحاجة الى ذلك، معتبرا ان القوانين الحالية كافية.

وقال الرقب "حتى وان وضع قانون عقوبات قاس يوقع اقسى العقوبات بالمعتدي، هل سيحد ذلك من الاعتداءات؟. العقوبات الموجودة كافية، وما نحن بحاجة اليه ليس تغليظها بقدر ما نحن بحاجة الى اعادة التوازن لمنظومة القيم" .

ودعا في هذا السياق الى "مبادرة مجتمعية تتضمن اطلاق وثيقة شرف لوقف الاعتداء على معلمي المدارس، على غرار المبادرات المجتمعية التي نادت بوقف اطلاق الرصاص في الافراح والمناسبات".

وفي اشارة الى القضية التي صدمت الشارع مؤخرا، والمتهم فيها ثلاثة من اولياء امور طلبة بالاعتداء على مدير مدرسة جابر بن حيان في لواء الرصيفة، فقد فضل الرقب عدم الخوض في تفاصيلها باعتبار انها ما زالت منظورة امام القضاء.

وكان مدير المدرسة ادخل المستشفى بعد تعرضه للضرب بالعصي والحجارة إضافة لتحطيم سيارته، فيما قال بيان لنقابة المعلمين ان السبب هو نقل طالب من شعبة الى شعبة اخرى خلافا لرغبته ورغبة ذويه.

قوانين قاصرة

خلافا لما ذهب اليه الرقب، اكدت حنان الزبن رئيس مجلس التطوير التربوي لمدارس لواء الرصيفة، ان ما يتعرض له المعلمون من اعتداءات ينجم اساسا عن "قصور القوانين" والامتناع عن سن تشريعات باتت ضرورية لحمايتهم.

كما رأت الزبن ان "المجتمع المحلي (يؤدي) دورا رئيسيا في زيادة الاعتداءات على المعلمين من خلال التمسك بالعادات والتقاليد، اي موضوع اسقاط الحق الشخصي للمعلم بضغط من عشيرته وبعد عقد صلح عشائري بفنجان قهوة".

وانتقدت كذلك ما وصفته بالدور "الضعيف" لنقابة المعلمين وممثليهم في مجلس النواب، حيال التصدي للاعتداءات.

وقالت ان "النقابة ما زالت فتية ضعيفة ولم تستطع الى الان فرض التشريعات التي اقترحتها منذ عام ونيف"، مضيفة ان "هناك كتلة في مجلس النواب غير ان دورها ضعيف ولا تشكل ضغوطا على الحكومة لسن قوانين أقوى وأشد لصالح المعلمين".

ودعت الزبن الى وضع "كاميرات في المدارس لرصد المخالفات والتعديات التي يقوم بها أولياء الامور على معلمي وادارت المدارس"، مؤكدة ايضا "ضرورة وجود الحارس النهاري، والذي يجب ان يكون مهيئا ومدربا للدفاع عن الادارات التعليمية عند وجود ما يلزم".

ولفتت الى ان مجلس التطوير التربوي يعتزم "عقد لقاء يضم وجهاء مدينة الرصيفة ومديري المديريات الثقافية والدينية والشرطية ومن لديهم علاقة بالعملية التربوية بشكل عام، لبحث موضوع الاعتداء على المعلمين ودور المجتمع في ذلك".

ثقافة الحوار

على صعيدها، ارجعت جميلة الدعجة رئيس قسم الارشاد التربوي في مديرية تربية الرصيفة الاعتداءات على المعلمين الى غياب ثقافة الحوار لدى اولياء الامور، وكذلك تغير منظومة القيم في المجتمع.

وقالت الدعجة ان "من الاسباب المهمة في نشوء الصراعات بين اولياء الامور والمعلمين عدم معرفة اولياء الامور بالقنوات الرسمية التي يجب ان يتبعوها في حال وجود ملاحظات لديهم حول ابنائهم في المدرسة".

واعتبرت ان "من الضروري ان يزور ولي الامر المدير بداية حتى يتمكن المدير من حل المشكلة بطريقة تربوية مناسبة، قبل ان يتوجه الاب باللائمة الى المعلم ويحدث ما لا يحمد عقباه".

واشارت الدعجة الى ان ما اسهم في تزايد الاعتداءات هو "تغير منظومة القيم في المجتمع"، ولعوامل منها الضغوط المعيشية التي يعيشها اولياء الامور، و"الانفتاح الالكتروني الذي يمكن الطلبة من مشاهدة اجزاء من افلام تحث على العنف على حواسبهم او اجهزتهم المحمولة، فيقومون بتقليدها، وهي تؤثر على سلوكهم حتى وان اقتصر الامر على مشاهدتها فقط".

وبدوره، يرى المشرف التربوي عدنان العلي ان الاعتداءات تقف وراءه اسباب من ابرزها غياب التواصل بين مكونات العملية التربوية والمجتمع المحلي، وقلة خبرة بعض المعلمين في كيفية التعامل مع الطلبة.

واوضح العلي ان هناك "قلة في التواصل والشراكة المجتمعية بين المدرسة والمجتمع المحلي المحيط بالمدرسة"، معتبرا ان "العلاقة الواضحة بين ادراة المدرسة والارشاد التربوي والمجتمع المحلي حول المدرسة يجعل التواصل اكثر ايجابية، وتقل تبعا لذلك المشكلات بين المجتمع المحلي ومعلمي المدراس".

واضاف ان "بعض المعلمين لديهم ممارسات خاطئة في الجانب التربوي والجانب التعليمي، وهؤلاء يجب ان يخضعوا لدورات ارشادية وتدريبية لتعريفهم بكيفية التعامل مع شخصيات الطلبة المختلفة، وهذه المهارة يجب ان يتعلمها المعلم كما يتعلم مهارات الادارة الصفية واالتدريس".

واجمالا، يؤكد العلي انه "لا يوجد اي مبرر للاعتداء على المعلم، وفي حالة كونه مخطئا في حق الطالب فهناك قنوات قانونية من خلال ادراة المدرسة او ادارة التربية يجب اتباعها من قبل المتضرر للحصول على حقه".

"حاجز بلوري"

الاعتداءات التي قد يمارسها الطلبة او ذووهم ضد المعلمين لا تقتصر على مدارس الذكور كما تظهر التجربة، بل ايضا تشمل مدارس الاناث، وهو ما يشير الى مدى تعمق هذا السلوك.

منيرة الاسعد، مديرة مدرسة اجنادين الثانوية للبنات التابعة لمديرية تربية الزرقاء الاولى، احد الامثلة على ذلك، حيث تعرضت سيارتها لاضرار جراء اعتداء تقول ان طالبات في المدرسة نفذنه انتقاما منها بعد حرمانهن من امتحان الثانوية العامة.

وفي ضوء تجربتها، فقد دعت الى "اتخاذ تدابير من الجهات الحكومية لحماية المعلمين وممتلكاتهم"، والى ان "يمتلك المعلم في المدرسة قدرات جيدة ومعرفة جدية حول طرق التعامل مع الطلبة واولياء امورهم، وبطريقة تحميه".

واكدت الاسعد انها تشعر بالحزن الى ما آلت اليه الامور في بعض المدارس من ترد للعلاقة بين الطالب والمعلم الذي كان الجميع سابقا "يقفون له تبجيلا".

وردت بعض اسباب الاعتداءات الى المعلمين انفسهم، والذين "يفتحون قنوات التواصل بينهم وبين الطلبة بلا حدود ولا يقيمون الحاجز البلوري الذي يمنع الطلبة من التمادي مع معلميهم".

وعبرت عن اعتقادها اننا حاليا اصبحنا "بحاجة شديدة الى مرحلة انتقالية بين السطوة القديمة التي كانت تسود العلاقة بين المعلم والطالب وبين العلاقة الحديثة، والتي يجب ان تتسم بالاحترام المتبادل بين المعلم والمتعلم".

ولعل ما يثير الانتباه، هو ان المدارس الخاصة تكاد تكون في منجى من حوادث الاعتداء التي يتعرض لها المعلمون، كما يوضح المعلم اياد سالم الذي يعمل في مدرسة خاصة.

وقال سالم ان "عدد الحالات التي يحدث فيها اعتداء على معلمي القطاع الخاص قليل جدا مقارنة مع القطاع الحكومي، والسبب هو ان المجتمع ينظر بعين ملأى بالرضى تجاه معلم القطاع الخاص، والذي يكلف الاباء مبالغ طائلة من اجل تعليم اولادهم".