"مشردو" الزرقاء.. الملف التائه بين "التنمية" و"الصحة"

"مشردو" الزرقاء.. الملف التائه بين "التنمية" و"الصحة"
الرابط المختصر

 

في عراء ساحة ترابية اعتاد باعة بسطات الخردة افتراشها ايام الجمع قرب دوار حي معصوم بالزرقاء، جلس "منذر" بهيئته نصف العارية تحت بطانية بالية نصبها على عصي، ملتمسا في فيئها برودة كانت تبدو عزيزة في ذلك اليوم القائظ من شهر آب.

 

يألفه اهل المنطقة، وكذلك اصحاب الجرافات والقلابات التي تتناوب احتلال الساحة مع البسطات، ولكنهم لا يعرفون، او لا يكترثون لقصته، كما لقصص غيره من "المشردين" الهائمين على وجوههم في المدينة، والذين تلقي كل جهة رسمية بالمسؤولية عنهم على الاخرى.

 

محمد الشريف، احد اصحاب الجرافات، قال ان منذر (اسم مستعار) كان "ظهر في الساحة فجأة قبل شهور، ولما كانت لي بعض خردوات اعرضها هناك للبيع، فقد اذنت له بالاقامة وسطها".

 

واضاف انه والمارة يتصدقون على منذر بالطعام، واصفا الرجل الذي تبدو عليه علائم مرض نفسي بأنه "غير مؤذ، ولكن تنتابه حالات انفعالية تفقده صوابه، واحيانا يثور ويصرخ معتقدا نفسه شخصا اخر، فيخلع ملابسه ويهيم على وجهه".

 

مأساة تاجر

في ما تشي به ثنايا قصته، فقد كان منذر تاجرا ناجحا، لكنه مني بخسارة عصفت بما يملك من مال وعائلة، واتزان عقل.

 

حين طلبنا منه الخروج من تحت البطانية التي تتوسط كومة الخردة ليسرد لنا حكايته، لم يتردد، لكنه لبث قليلا يبحث عن شئ ينتعله، ولما لم يجد، جاء يمشي حافيا فوق التراب والحجارة.

 

وقال وهو يشير بسبباته الى الكومة التي تختلط فيها الادوات البيتية الخربة "انا اعيش هنا"، ثم حرك يده الى حيث بساط مهترئ مفروش تحت جسم جرافة، وتمتم "وانام هناك ليلا".

 

وصمت برهة كمن يستحضر من ذاكرته شيئا، قبل ان يقول "كان معي 17 الف دينار.. كنت مفكر حالي اغنى واحد، وضيعتهم، راحوا مني، والان ما معي ولا اشي".

 

وتابع "كان عندي بيت وزوجة ولكنها طلبت الطلاق..اما اولادي، فالبنت عند والدة امها، والولد في المستشفى، وبشكل دائم في قسم العناية المركزة".

 

ابنته في العاشرة من العمر، واخوها يصغرها، لكن منذر لم يوضح كم عمره كما انه لا يعرف في اي مستشفى يرقد، واكتفى بالقول بحسرة "صارلي ثلاث سنين ما شفتهم".

 

وعن نفسه، فقد كشف ان "اهله" كانوا قد اصطحبوه الى طبيب نفسي اوصى له بدواء، غير انه توقف عن تناوله: "الان انا ما بشرب الدوا لانه لم يشفني".

 

وكما يخبرنا منذر، فهو يلجأ الى مسجد قريب لقضاء الحاجة والاغتسال، "واحيانا ياتي أخي ويأخذني الى بيته.. ويضيفني عنده، ثم اعود الى هذا المكان".

 

خارج السيطرة

شقيق منذر، اوضح من جانبه ان العائلة لم تدخر جهدا لمساعدته وعلاجه على مدى خمسة اعوام، سواء لدى اخصائيين في القطاع العام او الخاص، مشيرا الى ان له ملفا في المركز الوطني للصحة النفسية.

 

وقال ان مستشفى الزرقاء الحكومي احال منذر الى المركز قبل اكثر من عام، لكنه لم يمكث فيه سوى ايام عاد بعدها الى البيت، مؤكدا انه لا يعرف ما اذا كان شقيقه رفض العلاج وهرب، ام انه خرج رسميا بمعرفة ادارة المركز.

 

واوضح الرجل ان شقيقه "كان تاجرا وله بسطات في السوق، وفي السنوات القليلة الماضية قام بتطليق زوجته وترك طفليه في مهب االريح، واصبح يهيم على وجهه، وقبل اكثر من عام ترك البيت ولم نعد نستطيع السيطرة عليه".

 

وتابع انه "لا يوجد لمنذر من يمكن ان يرعاه، اذ ان والدته مسنة وارملة وتعيش في بيت لا يكاد يتسع لها، وكذلك ليس لاحد من اشقائه قدرة على احتوائه والعناية به، خاصة انه تعتريه بين فترة واخرى ثورات نفسية تخرجه عن طوره".

 

وحول ابني اخيه، فقد اشار الى ان البنت التي تبلغ عشر سنوات تقيم الان مع جدتها لامها، في حين يقيم الولد الذي يصغرها بعام في مركز لرعاية المعاقين، حيث انه يعاني اعاقة عقلية.

 

تقاذف مسؤولية

لا يعرف على وجه الدقة عدد الاشخاص الذين يمكن تصنيفهم في خانة المشردين في المدينة، وتحديدا فئة المصابين بامراض  نفسية او عقلية، وقد يشكل استمرار وجودهم في الشوارع خطرا عليهم وعلى المارة.

 

وايضا، تغلف الضبابية الجهة المسؤولة عن متابعة ملف امثال هؤلاء، حيث تعتبرهم وزارة التنمية الاجتماعية من مسؤولية وزارة الصحة، والتي بدورها تؤكد انهم من اختصاص الاولى.

 

وفي هذا الاطار، فقد اوضح الناطق الاعلامي لوزارة التنمية فواز الرطرطوط ان حالات التشرد المصحوبة بالمرض النفسي لا تقع ضمن اختصاص وزارته، بل وزارة الصحة.

 

وقال الرطروط ان "وزارة التنمية تعتني بالمعاقين فقط، وعلى ان تثبت اعاقتهم بتقرير طبي، اما المشردون، واذا تبين عدم وجود اهل لهم، فان وزارة التنمية تؤويهم في دور الايواء الخاصة بها".

 

وعلى صعيده، شدد مدير صحة الزرقاء تركي الخرابشة على عدم وجود علاقة مباشرة للمديرية بملف المشردين "مهما كانت اوضاعهم".

 

وقال "نحن في (مديرية) الصحة نباشر الاجراءات والتحركات العاجلة مع المريض عندما يصل الينا بغض النظر عن الجهة التي اوصلته الينا، وليس من دورنا اقتفاء اثار المشردين في الشوارع".

 

كما نفى الخرابشة علمه بالجهة التي يقع على عاتقها رعاية المشردين امثال منذر، قائلا "لا استطيع تحديد الجهة المسؤولة، لانني لا اعرفها".

 

وصرح مصدر مطلع في وزارة الصحة ان ذوي المشرد يمكنهم "تقديم استدعاء لمحافظ الزرقاء يشرحون فيه وضع ابنهم ويطلبون تحويله الى الجهات المعنية لدراسة حالته وتقديم المساعدة الصحية والاجتماعية الممكنة".

 

أضف تعليقك