"آسيا مصغرة" في قلب بلدة الظليل.. اهلا "صديق"!

"آسيا مصغرة" في قلب بلدة الظليل.. اهلا "صديق"!
الرابط المختصر

ما ان تميل شمس عصر يوم الخميس من كل اسبوع، حتى تنتصب الاكشاك والخرابيش وتُمد البسطات على جنبات شارع المصانع في الظليل، وتُنثر فوقها اصناف والوان من بضاعة بعضها لم يعرف له ابناء البلدة من قبل مثيلا.

 

ولا تكاد تمر دقائق الا وترى اسرابا من البشر تنسل من كل حدب الى الشارع، ولكأنهم على موعد، ليحل مكان الهدوء الذي كان يعم المكان هدير اصوات مساوماتهم مع الباعة، والتي يرطنون فيها بما لا تكاد تفقه منه قولا.

 

اهلا بك "صديق"، انت الان تدخل "اسيا مصغرة" نمت في قلب الظليل على مدى السنوات القليلة الماضية، وباتت تتجلى في اوضح صورها ضمن هذه السوق، والتي يؤمها الاسيويون العاملون في مصانع الظليل عند نهاية كل اسبوع.

 

وكلمة "صديق" هي ما درج هؤلاء على الاستهلال به عند مخاطبتهم اهل البلدة، وذلك من باب التأدب والتودد، ولكنها لم تلبث ان اصبحت "علامة مسجلة" تستخدم للاشارة الى الواحد منهم والدلالة على انه "بنغالي" او "سريلانكي" او "هندي".

 

ويمكن بوضوح سماع هذه الكلمة تتردد على السنة كنترولية الباصات خصوصا، والذين تجدهم يقفون عند اطراف السوق، وينادون بها على ابناء تلك الجنسيات ممن يرغبون في التوجه الى الزرقاء للتبضع، حيث الاسواق الاكبر حجما والاكثر تنوعا.

 

وحتى سنوات خلت، كانت الزرقاء مقصد التسوق الاول للعمال الوافدين في الظليل، والمقدر عددهم بنحو 13 الفا معظمهم من بنغلاديش، لكن ذلك تغير مع ظهور السوق الحالية في البلدة، والتي اصبحت تجتذب اعدادا متزايدة منهم، لما توفره من بضائع طالما الفوها في اوطانهم.

 

واكثر من ذلك، فقد باتوا يجدون في هذه السوق باعة يتحدثون لغاتهم، سواء من ابناء جلدتهم او من اهل البلدة ممن غدوا ملمين بتلك اللغات جراء المخالطة والممارسة، وايضا مزاملة الاسيويين في اماكن العمل.

 

ففي هذه السوق، والتي تبلغ ذروتها يوم الجمعة، تجد اصناف فاكهة استوائية وخضروات اشكالها اغرب من اسمائها بالنسبة لاهل البلدة، وبهارات لاذعة فوق الاحتمال، لكنها تطيب لمن اعتادها من ابناء البلاد الحارة.

 

وبعض تلك الفاكهة تاتي من الخارج، لكن كثيرا من الخضروات تجري زراعتها في الاردن من قبل اشخاص ذوي اصول اسيوية، كما هي الحال مع معروف ابو نورس، وهو بنغالي متزوج من اردنية ومقيم في البلدة منذ سنوات بعيدة.

 

وتوثق السجلات الرسمية 24 واقعة زواج بين أردنيات ووافدين من الجنسيتين البنغالية والباكستانية في محافظة الزرقاء خلال السنوات الأربع الماضية، وهو رقم يقترب مما تم تسجيله في العاصمة عمان لذات الفترة.

 

وابو نورس، حسبما يخبرنا، تخلى عن العمل في المصانع بعدما وجد ان الزراعة تدر مردودا اوفر، وهو ينتج المحاصيل عادة في منطقة الحلابات شرق الظليل، لكن الصقيع الذي اتى محاصيل الموسم السابق جعله يتجه الى الاغوار هذه السنة.

 

ومما يبيعه انواع من الفجل والسبانخ ذات الوان وهيئات غير مألوفة في الاردن، لكن ابناء جلدته لا يطيقون انتظار نزولها الى السوق، حيث يتلقفونها بحنين واشتهاء، ويجزلون العطاء في مقابل الحصول عليها.

 

ولا يجد ابو نورس اختلافا يذكر بين الخضروات البنغالية والاردنية، اللهم سوى من ناحية الشكل، وهو استنتاج ربما خلص اليه من خلال تجربته الشخصية لكلا الصنفين، وايضا عبر ردود افعال وانطباعات اهالي البلدة ممن جربوهما.

 

وفي هذا اشارة الى شكل من تبادل الثقافات، والذي اصبح بحكم الامر الواقع نتيجة اختلاط وتعايش الاعداد الكبيرة نسبيا من الاسيويين مع مواطني البلدة البالغ عددهم 25 الفا.

 

ويمكن تلمس ذلك في نطاقه الضيق من خلال الحياة العائلية لابي نورس الذي يجيد العربية، وقال انه اصبح من عشاق المنسف الاردني، وفي نفس الوقت نقل الى ابنائه وزوجته شغفه بالارز المفعم بالتوابل الحريفة كالفلفل والزنجبيل والثوم.

 

كما انه تستهويه الحلويات الاردنية، واصبحت زوجته بدورها تتقن صنع حلويات اهل بنغلاديش، مثل "المشتي" المؤلف من الحليب والسكر والسميد والمكسرات، و"المشبك" او "زلافيا" العيد الذي قوامه الشعرية والزبيب والقرفة وجوز الهند.

 

وعلى نطاق التبادل الاوسع، فقد باتت تنتشر حالات تقليد من بعض بنات البلدة للاسيويات من حيث ثقب الانوف ووضع الحلقات فيها، وكذلك انواع من قصات الشعر التي يتشبه بعض الشبان من خلالها بالعمال الاسيويين.

 

ويقاس في ذلك ايضا انواع من الثياب، مثل الساري، والتي هي تباع الان في محال متخصصة في الظليل، وصارت بعض نسوة البلدة يظهرن ميلا اليها، وان كان ذلك على مستوى محدود.

 

على ان الشوط لا يزال بعيدا بالنسبة لامور اخرى لا تجد بعد تقبلا من الجانبين، كعادة مضغ الاسيوييين لنوع من اللبان ذي رائحة غير مستحبة ويصبغ اللسان والاسنان باللون الاحمر، لما يدخل في مكوناته من الشومر وجوز الهند.

 

وهذا اللبان على صنفين، احدهما حلو المذاق مخصص للاناث، والاخر حار يقبل عليه الرجال ويضاف اليه التبغ.

 

وفي الجهة المقابلة، لا يزال الاسيويون معتادين خبز الارز ولا يرتاحون لخبز القمح، وكثير منهم يلجأون الى الخبز المحمص كبديل، رغم ان بعض المحال التجارية بدأت في الاونة الاخيرة بتوفير دقيق الارز الى جانب انواع اخرى من الاطعمة التي يفتقد اليها هؤلاء الوافدون.

 

وفي ما يراه مراقبون، فان الزمن كفيل بصهر العادات بين الشعوب، وخصوصا اذا ما كان هناك مشترك يجمعها، سواء كان الدين او اللغة او التاريخ، وفي حالة البنغال، فان المشترك هو الاسلام التي يعتنقه نحو 90 بالمئة من سكان بنغلاديش.

 

 

أضف تعليقك