الزرقاء مدينة تغرق في الضجيج "القاتل"
الجهات المختصة تتعامل معه باستخفاف وتعتبره مجرد "ازعاج"
دراسات تؤكد انه بلغ مستويات خطرة وبات يهدد بامراض بعضها يؤدي للوفاة
ما ان ياتي الصيف حتى تستحيل الزرقاء الى جحيم من الضجيج الذي يختلط فيه زعيق مواكب الاعراس ودوي الالعاب النارية وجعجعة سيارات بيع الغاز والخضار والمنظفات وجمع الخردة، وهدير مضخمات اصوات العوادم والمسجلات.
ويطلق على الضجيج علميا اصطلاح "التلوث الضوضائي"، وهو في الزرقاء لا يقتصر على اوقات النهار، بل يمتد حتى ساعات متأخرة من الليل، الامر الذي يتسبب في ابسط الحالات في تطيير النوم من رؤوس المواطنين المغلوب على امرهم.
وفي الوقت الذي تتعاطى الجهات المسؤولة في المدينة بنوع من الاستخفاف مع الضجيج، وفي افضل الاحوال تعده مخالفة تدخل في باب "الازعاج"، الا ان منظمة الصحة العالمية تصفه بانه "قاتل بيئي" يستدعي اجراءات حازمة.
وتؤكد دراسات ان التلوث الضوضائي بلغ مستويات خطرة في مدن المملكة الرئيسية، ومن بينها الزرقاء، وبات يتهدد بزيادة نسب الاصابة بالامراض العصبية والنفسية الناجمة عن اضطرابات النوم، فضلا عن السكري وارتفاع ضغط الدم الذي قد يؤدي الى الجلطة والوفاة.
وتقاس شدة الصوت بوحدة "ديسيبل"، والمستوى المعتاد هو بحدود 30 "ديسيبل"، واذا تجاوز 45 فانه يصبح ضجيجا، في حين ان التعرض الى صوت شدته 70 ديسيبل لثماني ساعات يوميا لا تأثير له، ويصبح خطيرا اذا امتد الى 24 ساعة.
* مخاطر صحية
ابسط المخاطر المباشرة التي يتعرض لها الانسان جراء الضجيج تتمثل في تضرر حاسة السمع كما يؤكد عدنان الحسبان استشاري طب الانف والاذن والحنجرة.
وقال الحسبان ان "الضجيج يؤثر على جسم الانسان من نواحي كثيرة، ونحن نلاحظ في الفترات الاخيره زيادة في ضعف السمع لدى الاشخاص العاملين أو القريبين من مصادر الضوضاء".
واضاف ان تاثيرات الضوضاء على حاسة السمع لا يشعر بها الشخص دفعة واحدة، وانما بالتدريج وبصورة تراكمية تنجم عن طول امد التعرض للضجيج.
واشار الحسبان الى عدد من مصادر الضوضاء الاشد خطورة على حاسة السمع، ومن بينها مضخمات اصوات عوادم السيارات (الهدرز) وكذلك المسجلات (السيستم)، اضافة الى اصوات انفجارات الالعاب النارية.
وتبلغ اعلى شدة صوت يمكن للاذن البشرية احتمالها 130 ديسيبل، فيما يصل صوت الالعاب النارية الى140 ديسيل، وقد يؤدي في بعض الاحيان الى فقدان فوري مؤقت او دائم للسمع.
وتتراوح شدة صوت عادم ومسجل سيارة مزودين بجهاز مضخم بين 120 و130 ديسبل، وتبلغ نحو 125 ديسبل في بعض انواع الزوامير ذات النغمات الغريبة التي يلجأ البعض الى تركيبها في سياراتهم.
وتحظر القوانين في الاردن، وبينها قانونا السير والبيئة، تركيب مثل هذه الاجهزة في السيارات، كما تحدد الشدة المسموح بها للاصوات من مختلف المصادر، وتفرض عقوبات محددة على المخالفين.
على ان التراخي في تطبيق القوانين وتعدد اجهزة الرقابة وتداخل صلاحياتها، ادى في السنوات الاخيرة الى استشراء ظاهرة الهدرز والسيستم والزوامير المدوية، فضلا عن الممارسات الاخرى المسببة للضجيج.
* قانون وتعليمات
تضمن قانون البيئة الاردني مادة تتعامل الضوضاء وصدرت بموجبها تعليمات من قبل وزير البيئة حددت طبيعة المخالفات وطرق التعامل معها ومستوى الاصوات المسموح بها. ونصت التعليمات على منع:
1. اطلاق الزوامير او الاجراس أو أي جهاز منبه باستثناء الحالات الطارئة والحالات التي يسمح بها القانون .
2. استخدام مكبرات الصوت في حفلات الاعراس المقامة في المناطق المفتوحة .
3. اصدار ضجيج من قبل صالات الافراح المغلقة بشكل يؤثر على المجاورين .
4. تشغيل اجهزة الراديو والتلفزيون او أية اجهزة مشابهة من شانها ازعاج المواطنين .
5. القيام باعمال الانشاءات التي تستخدم معدات مسببة للازعاج كالخلاطات والرجاجات وما شابهها بين الساعة الثامنة مساء والسادسة صباحا ، باستثناء الحالات التي يوافق عليها الوزير بناء على تنسيب الامين العام .
6. استمرار العمل المناطق الحرفية التي يوجد فيها تجمعات سكنية ما بين الساعة التاسعة مساء ولغاية الساعة السادسة صباحا ، بالتوقيت الصيفي ، وما بين الساعة الثامنة مساء والساعة السابعة صباحا بالتوقيت الشتوي .
وحددت التعليمات مستويات الاصوات المسموح بها على الوجه التالي: المناطق السكنية في المدن 60 ديسبل نهارا و50 ليلا، وفي المناطق السكنية في الضواحي 55 نهارا و45 ليلا، وفي المناطق السكنية في القرى 50 نهارا و40 ليلا.
وفي الاماكن السكنية التي فيها ورش او حرف بسيطة او اعمال تجارية ومناطق تجارية ووسطا تجاريا 65 نهارا و55 ليلا، وفي مناطق الصناعات الثقيلة 75 نهارا و65 ليلا، وفي اماكن التعليم والعبادة والعلاج والمستشفيات 45 نهارا و35 ليلا.
ونص القانون على معاقبة من يخالف هذه التعليمات بالحبس مدة لا تقل عن اسبوع ولا تزيد على شهر او بغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على خمسمائة دينار او بكلتا هاتين العقوبتين. كما جاء في النص انه "يغرم صاحب المركبة او الآلية او الشخص الذي يتسبب باحداث ضجيج بغرامة لا تقل عن عشرة دنانير ولا تزيد على عشرين دينارا".
*شكوى ام بلاغ؟
حتى وقت قريب كانت شرطة البيئة تتعامل مع شكاوى الضجيج، الا انها توقفت عن ذلك بصورة مفاجئة ودون تفسير، كما ان مديرية البيئة والبلدية والجهات الاخرى لا تتعامل مع بلاغات المواطنين بهذا الخصوص وتحيلهم الى مراكز الشرطة التي بدورها تطلب منهم مراجعة المحافظة.
وحسب ما يوضحه زياد عليان من قسم الصحة البيئية في مديرية صحة الزرقاء، فان لابلاغ عن مسببات الضجيج يتطلب من المواطن التوجه الى المركز الامني او المحافظة لتقديم شكوى يجري ادراجها عادة ضمن شكاوى "الازعاج".
وقال عليان ان "الحكومة عاده تتخذ اجراء اذا كانت هناك شكوى من المواطنين"، مضيفا ان اضرار الضجيج لا تتجاوز "الاثار النفسية كأن تتسبب للمواطن بارتفاع الضغط والتوتر وعدم القدرة على النوم واخذ قسط من الراحة".
ويرى مواطنون انه ينبغي التعامل مع الضجيج باعتباره ملوثا بيئيا، مثل ملوثات الماء والهواء، والتي لا تتطلب اكثر من ابلاغ الجهات المسؤولة عن مصدرها حتى تتعامل معها، وليس تقديم شكوى تتطلب مراجعات للمراكز الامنية وللمحافظ.
واكثر ما يعاني منه المواطنون في الزرقاء هذه الايام هو اصوات الهدرز واليسستم الى جانب الزوامير، والتي تصدر من سيارات عابرة لا يمكن بحال التوجه الى المراكز الامنية والمحافظ من اجل تقديم شكوى بحق كل منها.
والحل كما يراه جيلان الشركسي الذي التقيناه في شارع السعادة هو في تفعيل الرقابة من قبل الاجهزة المعنية من اجل ضبط هذه الظواهر.
وتشكو ام سارة التي تقيم قرب مجمع الدوائر القديم وسط المدينة من ان هذه السيارات ومعها ايضا بعض الدراجات تحرمها وعائلتها النوم وتستمر جولات سائقيها التي يتخللها التفحيط حتى ساعات متاخرة من الليل.
وتقول ام سارة ان هؤلاء السائقين ومعظمهم من الشبان الذين تتراوح اعمارهم بين 18 و25 عاما لا يراعون وجود اطفال ومرضى في البيوت بحاجة الى النوم والراحة.
اما جمال سعيد الناجي وهو صاحب محل في شارع السعادة فقد وصف هذه الممارسات بانها "مؤذية وتحرم الناس النوم وخصوصا كبار السن"، مضيفا ان هناك هذه الايام طلبة توجيهي بحاجة الى هدوء من اجل الدراسة.
ومن جانبهم، رفض عدد من اصحاب محلات اكسسوارات السيارات الذين يبيعون اجهزة الهدرز والسيستم والزوامير عالية الاصوات التحدث الى "هنا الزرقاء"، وبرر بعضهم ذلك بانه لا يريدون اثارة "ضجة" تلفت انتباه الجهات المختصة اليهم.
إستمع الآن











































