غياب المحكمة الكنسية واثره على معاملات الزواج

الرابط المختصر

 

تعاني الطائفة الانجيلية المسيحية في الأردن من افتقارها لمحكمة كنسية خاصة تعنى بشؤون أفرادها من الانجيليين وتبت في قضاياهم وأمورهم كما هو الحال في سائر المحاكم الكنسية للطوائف المسيحية الأخرى.

ولعل أبرز القضايا تأثرا بغياب محكمة كنسية انجيلية هي معاملات الزواج، إذ كانت تشمل في السابق عراقيل في معاملات زواج الأردنيين من أردنيات واليوم تنحصر في الزواج المختلط “أردنيون من أجنبيات” الأمر الذي يعرقل إصدار شهادات زواج لهم تثبت عقود زواجهم التي تصدر من الكنائس الانجيلية.

وكانت حكومة رئيس الوزراء السابق نادر الذهبي قد أصدرت مطلع العام 2009 قراراً يقضي باعتمادهم مجلس رؤساء الكنائس كمرجعية وحيدة في التعامل مع المسيحيين في المملكة، الذين تقدر نسبتهم بحوالي 5 في المائة من عدد السكان البالغ ستة ملايين نسمة.

ويتكون مجلس رؤساء الكنائس من مطارنة الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، اللاتين والأرمن الأرثوذكس، وهي أكبر الكنائس الأردنية من حيث عدد الأتباع،

وساهم ذلك القرار بالسماح للانجيليين بتصديق شهادات زواجهم فيما يتعلق بزواج الأردنيين فقط من خلال كنائس تتبع لطوائف مسيحية أكثر قربا لتعاليم الطائفة الانجيلية، أبرزها الكنيسة الأسقفية.

إلا أن المشكلة لم تحل بالشكل المطلق نظرا لعدم وجود “ضوء أخضر” سواء من قبل الحكومة أو من قبل مجلس رؤساء الكنائس يسهم في بت قضايا الزواج المختلط بالنسبة للانجيليين..

في المقابل، الكثير من الكنائس الإنجيلية مسجلة لدى وزارة العدل كـ«جمعيات» وليس كـ«كنائس» ويندرج تحت مسمى كنائس المتجددين كنيسة الاتحاد المسيحي، الناصري الإنجيلية، جماعات الله، الكنيسة الإنجيلية الحرة والكنيسة المعمدانية، إلا أنها تفتقر حتى اليوم لوجود محكمة كنسية خاصة لها بالرغم من وجود هذه الطائفة في الحيز الأردني منذ عشرينات القرن الماضي.

وطالما كان مطلب إنشاء محكمة كنسية انجيلية مطلبا قديم جديد لدى الطائفة الانجيلية، التي ترى بأن عزوف الحكومة عن إنشاء تلك المحكمة يعد انتهاكا لحقوق الأديان كما هو الحال بالنسبة لكافة الطوائف.

وتتعدد اتجاهات أصابع الاتهام من قبل الطائفة الانجيلية فيما يتعلق بحرمانهم من وجود محكمة خاصة لهم، إذ تتجه تلك الأصابع أحيانا إلى الحكومة وأحيانا أخرى إلى مجلس رؤساء الكنائس، الأمر الذي يشكل حالة من التخبط في معرفة طرف الخيط للنظر في تلك المشكلة.

القس عقيل: مزاجية الحكومة هي العامل الأساسي في عدم وجود محكمة كنسية تتبع لنا

يتحدث رئيس مجمع الكنائس الانجيلية القس بهيج عقيل عن حالة المد والجزر التي مرت بها الطائفة الانجيلية فيما يخص بإصدار شهادات الزواج، مبينا إلى أنه في أواخر الأربعينات كان يحق للانجيليين إصدار شهادات الزواج وكانت الأمور تسير بطريقة طبيعية دون أي ممانعة من الحكومة.

وفي الآونة الأخيرة وتحديدا قبل حوالي الأربعة أعوام كما يضيف أصبحت هناك ضغوطات تمارس بحق الانجيليين سببت إحداث عراقيل في إصدار شهادات الزواج بين الأردنيين والأردنيات، بحيث سببت صعوبة في إصدار شهادات زواج لهم من قبل دائرة الأحوال المدنية صعوبة تقابلها سهولة أحيانا وهو ما يشي بمزاجية المعنيين.

ويعود سبب تلك المزاجية كما يرى عقيل بأن دائرة الأحوال المدنية حينها لم يكن لديها قانون معين يسمح بإصدار شهادات زواج للانجيليين الأردنيين، إلى أن جاء الوقت الذي أصدرت فيه رئاسة الوزراء كتابا يخول رؤساء الكنائس بأن يوقعوا على معاملات الانجيليين الرسمية لدى الدولة.

“هذا الكتاب لاشى أزمة زواج الأردنيين من الانجيليين” يقول عقيل إلا أن الأزمة ما تزال تحوم حول الزواج المختلط لدى الانجيليين الذين يعانون من عدم وجود جهة معينة يبتون من خلالها تصديق عقود زواجهم التي تصدر من الكنائس الانجيلية.

ويعانون من تخبط من جراء ذلك، إذ يذهبون إلى دائرة الأحوال المدنية طلبا لتصديق عقود زواجهم والتي تطلب منهم بدورها الذهاب إلى وزارة الداخلية لمنحهم موافقة على ذلك، فيما تطلب منهم الأخيرة الذهاب للمحكمة الكنسية “التي هم محرومون من وجودها أصلا”.

حتى الكنيسة بحسب ما يوضحه عقيل وهي الكنسية “الأسقفية” التي تبت من خلال محكمتها بمعاملات الانجيليين فيما يتعلق بإصدار شهادات الزواج ترفض تصديق عقود زواج الانجيليين المختلط بحجة أنهم لم يتزوجوا داخل كنيستهم.

“نحن نعاني من عدم وجود محكمة كنسية تتبع نظامنا وقوانيننا” يقول عقيل منوها إلى أن الحاجة لوجود محكمة انجيلية لا يقتصر فقط على قضايا الزواج فهناك قضايا أخرى تتطلب وجود محكمة تسير وفق نظام الانجيليين الذي يتبعون له وفق طائفتهم والذي يؤمنون به.

الشيخ حبش: الكنائس الانجيلية تتمتع بذات الحقوق للكنائس الأخرى وعدم وجود محكمة خاصة لهم هو انتهاك مرفوض

يبين عضو مجلس الكنائس الانجيلية جريس حبش أن الكنائس الانجيلية تتمتع بذات الحقوق التي تتمتع بها سائر الكنائس المسيحية في الأردن ما عدا أمر واحد ألا وهو قانون المحاكم الدينية وهو ما يسمى بمجالس الطوائف غير المسلمة.

فالانجيليين في الأردن غير مسجلين بذلك القانون بالتالي لا يمكن أن تكون لديهم محاكم كنسية، الأمر الذي يسبب إشكاليات في بعض القضايا لاسيّما في قضايا الزواج،وحتى بعد الزواج خصوصا إذا ما حدثت خلافات بين الأزواج الأمر الذي يجعلهم يلجؤون لبعض الكنائس الأخرى للبت في مشاكلهم.

“مطلبنا الرئيسي هو الاعتراف بالطائفة الانجيلية بموجب قانون مجالس الطوائف غير المسلمة” يقول حبش، لافتا إلى أن هناك سلسلة خطوات سابقة جرت للحصول على ذلك المطلب ففي العام 1998 قدم مجلس الكنائس الانجيلية طلبات لمختلف الجهات الرسمية لعل أبرزها مجلس الوزراء من أجل إدراجهم بقانون مجالس الطوائف غير المسلمة.

لكن حتى هذه اللحظة لم يتم تحقيق ذلك، بالرغم من أن الحكومة سمحت بتسجيل طوائف مسيحية صغيرة جدا لا يتجاوز عدد أفرادها إلى 100 شخصا، في الوقت الذي يبلغ فيه عدد الانجيليين الأردنيين حوالي ال9 ألاف شخص ومحرومين حتى اليوم من الاعتراف بهم.

“نحن ضائعون بين الجهتين” يقول حبش في معرض حديثه عن حالة التخبط في تحديد الجهة المسؤولة عن عدم السماح بإنشاء محكمة كنسية، ذاهبا إلى أن الحكومة تضع اللوم على مجلس رؤساء الكنائس فيما يضع المجلس اللوم على الحكومة.

ربيع: متزوج منذ أكثر من عام وغير متزوج بنظر الحكومة

ربيع واحد من ضحايا الانجيليين الأردنيين المتزوجان من أجانبـ فمراسم “الإكليل” التي جرت فش شهر أيلول من العام الماضي وعقد الزواج الذي أصدرته المحكمة المعمدانية له لم تكف لإصدار شهادة زواج ودفتر عائلة يثبت زواجه.

ويتحدث ربيع عن حالة الصدمة التي يعيش بها اليوم إزاء عدم الاعتراف بزواجه رسميا من قبل الحكومة بالرغم من مرور أكثر من عام على زواجه، مشيرا إلى أنه ما يزال يطرق أبواب دائرة الأحوال المدنية ووزارة الخارجية لكن “لا حياة لمن تنادي”.

ويستغرب ربيع من حرمانه وحرمان الانجيليين ككل من حصوله على شهادة زواج لأنهم تزوجوا من أجانب، معتبرا ذلك انتهاكا حقيقيا لحقوقه كمواطن أردني.

النائب مشربش: مطلب إنشاء محكمة كنسية انجيلية هو مطلب أساسي أضعه على عاتقي حتى تحقيقه

يضع النائب السابق غازي مشربش اللوم على عدم ترخيص محكمة كنسية انجيلية على وزارة الداخلية، قائلا “الترخيص يأتي من وزارة الداخلية ولو كان لها قناعة بإنشاء محكمة كنسية انجيلية كانت قد أنشئت”.

ويعد النائب السابق مشربش أحد أبرز النواب الذين دافعوا عن قضية الطائفة الانجيلية والاعتراف بها وإنشاء حكمة كنسية خاصة بهم، مشددا على أن تلك الطائفة هي طائفة وطنية بالمطلق وما يصدر عنها من أقاويل بأنها تتبع لأميركا وتخدم المصالح الصهيوينة فهو عار عن الصحة.

ويشير مشربش إلى أنه وحتى العام 2001-2002 كانت الكنيسة الأسقفية العربية تتبنى كل معاملات الانجيليين الرسمية بالمحاكم الكنسية لكن “مزاجية المطارنة التي تتباين بين الانفتاح والانغلاق كانت تعرقل العديد من المعاملات”.

وعن تجربته في حمل ملف الانجيليين على عاتقه أثناء وجوده تحت قبة البرلمان يشر مشربش أن خاطب أكثر من مرة رؤساء مجالس الكنائس طالبا منهم السماح بإنشاء محكمة كنسية انجيلية كما تبنى ذلك أيضا أمام ثلاثة وزراء داخلية.

“الكنائس الانجيلية كنائس وطنية ولا يجوز التشكيك بذلك” يقول مشربش مؤكدا على أنه في صدد مخاطبة وزير الداخلية الحالي عوض خليفات لإعادة إحياء مطلب إنشاء محكمة كنسية انجيلية معولا على عقلية رئيس الوزراء د.عبد الله النسور المنفتحة والتي لا شك بأنها ستستقبل ذلك المطلب بكل صدر رحب وليس بالبعيد أن تحققه.