مسلم وغيور على ديني

رغم محدودية التزامي بأداء بعض الواجبات الدينية، ورغم ترديدي لنكاتٍ حول رجال دين أكرههم لسبب وجيه، وانتقادي لتقاليد أراها دخيلة على الدين، فأنا مسلم وغيور على ديني، بل وغيور جدا عليه، وخاصة عندما يساء له من قبل بعض رجالاته.

قد نُرجع إستخفاف الغرباء بديننا الى جهل او انحياز، ونلوم انفسنا في الحالتين، فنحن مطالبون بنزع غشاوة الجهل بديننا عن اعين الآخرين أيا كانوا، ومطالبون اكثر بسد ثغرات تنفذ منها سهام المستخفين بديننا والمزدرين لشريعتنا، وأما حين يساء للدين من قبل رجالاته وعبر فضائيات، يتابعها كثيرون املا في طمأنينة النفس والروح، فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة.

 لقد شهدت عدة مجالس يتابع افرادها القنوات الدينية، رغبة في التنور بمبادئ الدين الحنيف، ولكنني لمست انهم يتقززون صامتين من بعض ما يعرض عليها، دون ان يعلنوا ذلك خوفا من اتهامهم بالجهل او البعد عن التدين.

ومما كنت شاهدا عليه ذلك الشيخ الفضائي الذي تناول قصة الفيلم المسيء فأسهب في تبجيل وتنزيه الرسول محمد (ص)، وصولا الى ترديده لحادثة تبرك الصحابة بمخاط وبصاق الرسول، وكيف ان الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسارعون لتلقي بصاقه او مخاطه ليمسحوا وجوههم به، ورغم ان الحادثة واردة في عدة كتب فان ذلك لا يعني صدقها، وان حصلت مرة فمن المستحيل ان يكون الرسول قد أقرها، ومن المستحيل ايضا ان يخدم نشرها الدين الاسلامي، بل ان ذلك سيسيء للدين كثيرا.

عندما تتابع هذا الكم الهائل من المحطات الدينية تجد فترات طويلة من البث وكأنما قد خصصت لقهر الاناث وتعزيز الذكورية، ففي يوم واحد وعلى ثلاث فضائيات استمعت لفتوى لعن النامصة والمتنمصة (أي من تنزع او تهذب شعر حواجبها ومن تساعدها في ذلك ايضا)، وكأن دنيانا لن تستقيم إلا باللعنات او انها قد خلت ممن يستحقون اللعنات الفعلية، ولم يبق إلا هؤلاء المسكينات، وتجد انواعا جديدة من الزواج لم نسمع بها لا نحن ولا أجدادنا وكأنما قد أُوحي بها مؤخرا لهؤلاء الشيوخ الافذاذ وعلى نحو يخالف الفطرة السليمة.

وتطل علينا في بعض الفضائيات منقبات حفظن عن ظهر قلب (احاديث) تدعو الى التنقب، ونسين تماما ما قرأن في الصفحة الأخرى من احاديث مشابهة تقول ان صوت المرأة عورة، وفضائيات اخرى تبث طوال النهار والليل القرآن الكريم وبأجود الاصوات فيما هي تبيع منتجات رديئة.

ومن عجيب ما رأيت مقاطع على اليوتيوب لشيخ ذكر من الاسانيد الشيء الكثير ليثبت ادعائه بان الخليفة عمر بن الخطاب كان لوطيا لا يشفى الا بماء الرجال، ورايت فضائيات لا همَ لها إلا الخلاف السني الشيعي، وأخرى لا تعرف من الدين إلا مقتل الحسين رضي الله عنه وحلقات اللطم.

ولقد استفزني كثيرا ادخال الدين في السياسة على نحو مقيت من قبل رجال دين إمتهنوا السياسة والإعلام دون دراية بالحرفتين، فأسبغوا على كل فعل فتوى تناسبه، فهذا يحرم زيارة القدس ويسمح بزيارة غزة، رغم ان الزيارتين تتمان بتنسيق ظاهري او باطني مع الاحتلال، وذاك يعتبر التظاهر ضد الرئيس المصري محمد مرسي والتصويت ضد الدستور معصية، وآخرون بعضهم يكفر الرئيس السوري بشار الاسد بعد ان بجل طيلة سنين قيادته لمعسكر الممانعة، ومنهم من يحلل هدنة مع الاحتلال ويحرم أخرى ويبارك رفع الضرائب بعد ان كان يعتبر مجرد فرضها وبأية نسبة امرا محرما، ومنهم ايضا من يفتي بتحريم معايدة النصارى في اعيادهم.ألا يمكن لرجل الدين الاعلامي هذا ان يناقش هذه المواضيع دون تحريم او تحليل؟!.

قد نجد العذر لمحلل سياسي يخطأ وقد نلومه وننفض عنه، ولكن ماذا سنفعل بمن يعتلي منبر الإفتاء ليعرض علينا مواقف سياسية تحتمل وجهات نظر صائبة وأخرى قد تكون أصوب في صورة فتوى تحلل او تحرم، سمعت شيخا فضائيا قبل ايام يشبه الرئيس المصري محمد مرسي بالنبي يوسف عليه السلام في الحسن والجمال، ويغالي بالقول انه رجل احلام كل سيدة مصرية، ولربما يكون هذا الشيخ قد رأى ما لم نره في الرئيس المصري، فالجمال أمر نسبي، ولكن ماذا سيكون رأي هذا الشيخ إن قام الرئيس المصري غدا او بعد غد بإقفال هذه المحطة الفضائية هل سينزع عنه هذا التوصيف ويوقف تلك الحصانة النبوية التي منحها له.

أسيادي الشيوخ الافاضل أنتم أولى مني بالغيرة على دينكم وديني، وانتم أقدر مني على رفع الصوت والمطالبة بترشيد هذه القنوات ومهاجمة معتلي صهواتها ومنابرها، فلا تأخذكم في الحق لومة لائم، لان وزر ملايين البسطاء من المشاهدين في مشارق الارض ومغاربها في رقابكم.

أضف تعليقك