شياطين في عمّان!

الرابط المختصر

عاشت منطقة عبدون في عمان ليلة الخميس على وقع ساخن حيث قامت مجموعة من “الشبان والمواطنين” بمحاولة الهجوم على أحد المقاهي بحجة منع إقامة “حفل لعبدة الشيطان” فيه، حيث تتناقض ممارسات عبدة الشيطان مع القيم الأخلاقية والاجتماعية في الأردن! هذا نتيجة تحريض مستمر ونشر لمعلومات خاطئة وعدم معرفة بالحقائق. عبدة الشيطان مجموعة قليلة جدا من الأشخاص والذين قد لا يكون لهم وجود في الأردن يمارسون سلوكياتهم الشاذة في مواقع مغلقة وسرية ولم يسبق لهم ابدا أن ظهروا في العلن وفي موقع معروف. ما حدث في عبدون كان احتفالا لمجموعة من الشبان بعيد “الهالوين” الغربي والذي يتضمن استخدام ملابس تنكرية وأشكال من عالم الرعب والتي تتضمن أحيانا أقنعة للشكل المتوقع للشيطان. ظاهرة دخيلة عن مجتمعنا نعم، وغير متناسقة مع قيمنا نعم ومن ثقافة خارجية نعم، ولكن هذا لا يعني أبدا أن هؤلاء الشبان هم كائنات غريبة وشريرة وخارجة على الملة فهم فقط مجموعة تريد أن تتسلى وبطريقة قد تكون مرفوضة من الغالبية العظمى من المجتمع. هؤلاء الشبان لم يسرقوا المال العام ولم يطلقوا الرصاص على أحد ولم يتجاوزوا القانون ولم يؤذوا أحدا بطريقة جسدية أو منعوا حقوقا وسرقوا حقوقا أخرى، وليس من المفيد ابدا “شيطنتهم” بهذه الطريقة. من السهل أن نمارس “الإسقاط” الأخلاقي عليهم، وأن يتبارى البعض في تفسير هذه الظاهرة بأنها تأثر بالحضارة الغربية، وربما بالعولمة ولا يغيب طبعا عن القائمة المعتادة وجود مؤامرة صهيونية-استعمارية-غربية لتحطيم القيم والتقاليد لدى الشباب العربي..الخ. لكن جذور المشكلة هي في نفس مجتمعنا، فهي تقع في الأسرة وفي المدرسة وفي بنية المجتمع، وليست بحاجة إلى مؤامرة صهيونية لتحدث. فمعظم هؤلاء الشبان هم من طبقة نالت حظوة مالية، وقدرة على السفر والتنقل والاحتكاك بثقافات غربية، ولكن بعض هؤلاء الشبان عندما سافروا إلى الغرب كان يمكن لهم أن يقضوا أوقاتهم في مختبرات ومكتبات الجامعات، وفي المتاحف والمراكز الثقافية وحتى في المساجد ولكنهم فضلوا أن يندمجوا في ثقافات منحرفة لا يهم اسمها بل مضمونها، وهذا الانحرف كان سببه الرئيس غياب القيم الاجتماعية والدينية والأخلاقية وربما غياب النموذج والقدوة. لا نريد أن نجزم بالتهم، ولكن ربما كانت هناك أزمة في الأسرة، فالشباب الذين اصبحوا عبدة للثقافات الغربية ربما رأوا حولهم من هم عبدة للدولار، وعبدة للمناصب، وعبدة للمظاهر الاجتماعية الاستهلاكية، ولم يجدوا النموذج القيمي الايجابي في محيطهم الاجتماعي. وربما امتد هذا الانحراف إلى المدارس، والجامعات والتي باتت في هذا العصر استثمارات تجارية أكثر منها تربوية وتعليمية، ففي بعض المدارس والجامعات ما دام الطالب قادرا على دفع الرسوم السنوية يحق له فعل ما يريد واختراق القوانين والقيم، وهذا ما يعلمه كل من أتيحت لهم فرصة معرفة كيفية إدارة بعض المدارس والجامعات الخاصة في الأردن. توفر المال، وغياب القيم وعدم وجود النموذج-القدوة في المجتمع معادلة في منتهى الخطورة، ومن الطبيعي أن تنتج عنها انحرافات سلوكية، ومن الأفضل أن نتحلى بالشجاعة ونعترف أن مشاكل الشباب الأردني، سواء الثري منهم أم الفقير مرتبطة بتردي منظومة القيم الاجتماعية، وليست نتاجا لمؤامرات خارجية نحب دائما أن نضع اللوم عليها. لدينا مشكلة حقيقية في مسار تحولنا نحو الديمقراطية والإصلاح إذا كنا غير قادرين على تحمل حفلة تستمر لسويعات في منطقة محددة يقوم بها شباب لا يؤذون أحدا. إذا كنا نعتقد أن من حقنا فرض رأينا على الآخرين بالقوة فهذا يعني أننا في المكان الخاطئ من معادلة الحريات سواء كانت السياسية أو الاجتماعية. [email protected]

التاريخ : 03-11-2012