هل ستنجح أمريكا في استعادة مكانتها الأخلاقية

هل ستنجح أمريكا في استعادة مكانتها الأخلاقية
الرابط المختصر

تواجه الولايات المتحدة منذ العشرين من كانون الثاني أحد أصعب الامتحانات حول هويتها وديمقراطيتها وعلمانيتها، عقب استلام الرئيس المنتخب زمام الحكم.

 

بعد ثماني سنوات من حكم أول أمريكي من أصول أفريقية رئاسة أمريكا، نجحت شخصية غوغائية وعدت الناخبين بأنها ستعيد أمجاد أمريكا بالفوز بانتخابات صاخبة شابها تدخل غير مباشر للعديد من العناصر الداخلية والخارجية في العملية الانتخابية، منها تدخل (وثم تراجع) رئيس الـ"إف بي أي" في اتهام هيلاري كلينتون بخطيئة جنائية ( واختراق لكمبيوترات حزبها الديمقراطي من قبل ما تقول أمريكا إنها أطراف من روسيا.

 

ولكن الانتخابات أفرزت ما أفرزت ويبقى السؤال: هل لشخص واحد حتى ولو كان رئيس السلطة التنفيذية القدرة على تغيير مسار ومكانة دولة عظمى نجحت ليس فقط في الميدان العسكري والاقتصادي، بل أيضا في المجال الفكري والديمقراطي والأخلاقي، وهل ستنجح الدولة الأمريكية بكبح مواقف الرئيس المنتخب ديمقراطيا.

 

لقد صدر عن الرئيس الجديد وفي فترة قياسية مواقف تعكس عنصرية وانعزالية وتطرفا سياسيا وفكريا لم نعهده سابقا من واشنطن.

 

ولكن وفي نفس الوقت، برز وبالتزامن مع تلك المواقف والقرارت رد فعل فطري وعفوي قوي من قبل جماهير عريضة من الشعب الأمريكي ومن قبل سياسيين من الحزبين الرئيسيين، كما ونجح المحامون بإقناع قاضية فيدرالية في نييورك بوقف عدد من الإجراءات التي نتجت عن قرار ذي رائحة وغاية مشكوك فيها.

 

لقد تركزت الاعتراضات الشعبية والسياسية والإعلامية على  قرار الرئيس الامريكي التنفيذي الخاص بمنع مواطنين من دول عربية وإسلامية، لأنه يهدد بالمساس بأحد أهم المبادئ التي تأسست عليها الولايات المتحدة، والمتمثل بضرورة فصل الدين عن السياسة. فمؤسسو أمريكا جاؤوا من أوروبا هربا من الاضطهاد الديني وخلقوا نموذجا سياسيا يمنع وضع أي امتحان ديني على المواطنة. وقد تم تدشين ذلك المبدأ في التعديل الدستوري الأول، والذي ينص على منع السلطة التشريعية من سن أي قانون يمس بحرية الرأي والاجتماع وممارسة الشعائر الدينية، ولذلك مثلا يمنع أي رجل دين أومؤسسة دينية من تأييد أي مرشح سياسي وإلا تخسر تلك المؤسسة المزايا الضرييية التي توفر لها إمكانية الحصول على تبرعات معفاة من الضريبة.

 

وقد شكل فوز الرئيس السابق باراك اوباما ابن المهاجر الكيني المسلم أكبر إثبات على عدم وجود أي تقييد أو امتحان ديني للوصول إلى أي منصب سياسي في الدولة. وفي هذا الخصوص لا بد من الإشارة إلى أن أقوى مرشحي رئاسة الحزب الديمقراطي الأمريكي هو النائب الأمريكي المسلم كيث أليسون وكان أول مؤيدي ترشيحه عضو مجلس الشيوخ  شك شومر وهو يهودي يمثل ولاية نييورك. فموضوع فصل الدين عن السياسة لا يعنى بتاتا غياب الإيمان، بل تترك الامور الدينية لعلاقة الإنسان بربه في حين أن الأمور السياسية يجب أن تتم على أسس المواطنة.

 

كما وكان للسلطة القضائية قولاً مهماً في الاعتراض على قرار ترامب الأخير، وذلك من خلال قرار القاضية الفيدرالية الأمريكية  أن دونلي القاضي بوقف إبعاد أي من المواطنين الذين وصلوا إلى أي مطار في الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تتم مناقشة والاعتراض على القرار في المحاكم الفيدرالية وقد تصل القضية إلى المحكمة العليا.

 

 

ولعب المجتمع المدني الأمريكي دوراً مهماً برفع الدعوى ضد قرارت السلطة التنفيذية. وقد برز في ذلك دور جمعية ACLU وهو اتحاد الحقوق المدنية الأمريكية المدافع عن الحقوق الأساسية في الولايات المتحدة وخاصة حرية التعبير وضرورة ترسيخ مبدأ فصل الدين عن السياسة.

 

كما وكان للإعلام دوراً بارزاً في تسليط الضوء على ما يجري ورفض محاولات ترامب وفريقه لتكميم الأفواه ومحاولة تحييد الإعلام عن الانتقاد بما يقوم به الرئيس الجديد.

 

 

لقد شكلت السياسات الخارجية الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط عداء طبيعيا لأمريكا رغم احترام وإعجاب الكثيرين بمبادئ الديمقراطية والعلمانية وحرية التعبير وفصل الدين عن السياسة. ومع دخول ترامب سدة الحكومة أصبح هناك تشكيك لدى العالم بتلك المواقف وإن كانت ستصمد أمام تسونامي ترامب.

 

لا شك أننا بصدد حقبة سياسية صعبة ومضطربة في الولايات المتحدة ستشكل امتحاناً أخلاقياً للدولة الأمريكية، ولقدرة أركان الدولة من أحزاب ومواطنين ومجتمع مدني وإعلام من الدفاع عن حقوق الأقليات ورفض محاولات السيطرة غير الأخلاقية لعرق معين أو لمواطنين من خلفية ولون بشرة معينين على حساب باقي المواطنين. الامتحان ليس سهلاً وسيكون هناك نجاح وفشل للمعترضين ولكن السؤال يبقى: هل ستصمد المؤسسة والدولة الأمريكية والدولة بالدفاع عن المبادئ التي صنعت منها دولة عظمى؟

أضف تعليقك