مسنون في بيئة غير صديقة وخارج الرعاية الصحية

مسنون في بيئة غير صديقة وخارج الرعاية الصحية
الرابط المختصر

في شهر كانون الاول عام 2016، عثر الناشط أحمد عليان على رجل مسنّ في أحد عباّرات في منطقة تسمى "سهل الدبة" الواقعة ما بين محافظة الزرقاء والمفرق، كان يعاني الجوع والبرد.

 

 

تابع الناشط وضع المسن الذي علم فيما بعد أنه يعتاش على المعلبات، ويلتمس الدفء بإشعال الأخشاب، ليعمل عليان جاهدة على إيصال قصة المسن إلى الرأي العام.

 

 

نشر صور المسن على شبكات التواصل الاجتماعي، لتلتقطها مواقع إخبارية ليصبح لاحقا يلقب "مسن الزرقاء".

 

 

 

"اختار العجوز أن يعيش في العبارة على مدار عامين بعد إنفصاله عن زوجته التي لم يرزقا بأبناء، وفي ظل تردي أوضاعه الاقتصادية، خشية منه أن يشكل ثقلاً على أي أحد"، يقول الناشط عليان.

 

 

 

يتقاضى المسن مبلغ 50 دينارا شهريا من صندوق المعونة الوطنية، وهو لا يكفي لسد أبسط احتياجاته الأساسية.

 

 

 

مسن الزرقاء واحدا من بين 540 ألف مسنّ ومسنّة في المملكة، إلا أنه ليس من بين الـ99% من المسنين الذين يعيشون ضمن أسرهم، وفقا لنتائج التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2015.

 

 

 

الحاجة سلمى 75 عاما، لم تكن حكايتها أقل قسوة من "مسنّ الزرقاء" كما بات يلقب، تتخذ من خزان للمياه في الأزرق مأوى لها طوال 11 عاما، "هربت من إيذاء ابن زوجي، يعاني من أمراض نفسية".

 

 

 

رئيسة جمعية سيدات الأزرق للتنمية الاجتماعية، نوف الفايز، تقول إن أعضاء الجمعية عثروا على الحاجة سلمى خلال زيارة ميدانية، في السابع من شهر تموز العام الماضي، كانت تعتمد على الخبز والبصل مع كأس صغير من الشاي مقدمة لها من أهل الخير، ما يزيد من معاناتها بأمراضها التي أثقلت جسدها.

 

 

 

حاولت الجمعية البحث عن داعم للمسنة سلمى والتي تتقاضى مبلغ أربعين دينارا من صندوق المعونة الوطنية، إلا أن تمكّنوا من الوصول إلى أحد المحسنين العرب، الذي قدم لها كرفان تعيش فيه.

 

 

 

يقدم صندوق المعونة الوطني دعما لكبار السن، وفق تعليمات المعونات المالية لرعاية وحماية الأسر المحتاجة رقم (2) لسنة 2012، ضمن ثلاث فئات: المعونات الشهرية المنتظمة قيمتها 45 ديناراً شهرياً للفرد، ومساعدات طارئة غير المنتظمة، بالإضافة لمعونات على شكل أجهزة طبية لمن يحتاجها من كبار السن.

تعرّف الاخصائية الاجتماعية في مجال رعاية كبار السن د.لبنى عكروش، المشرد ، على أنه من ليس له مسكن وغير قادر على تأمين مأوى آمن ودائم.

 

 

رغم عدم إنتشار ظاهرة تشرد مسنين، إلا أن ذلك لا ينفي، بحسب عكروش، وجود مسنين مهملين، هائمين في طرقات لا أسر لهم.

 

 

تنتقد عكروش عدم إدراج رعاية كبار السنّ ضمن أولويات الجهات الرسمية، مقارنة بقضايا المرأة والطفل.

 

أبعاد اجتماعية وصعوبات اقتصادية

 

 

تعرض هذه الفئة من كبار السنّ المشردين لظروف معيشية صعبة، نظرا لعدم تقبل البعض لوجودهم داخل الأسرة، سواء من زوجة الابن أو زوج الابنة، وإما لخروجهم أنفسهم وبرغبتهم، لاعتقادهم أنهم يشكلون سببا للخلافات الأسرية، إلى جانب افتقاد بعضهم لرفيق عمره بوفاة أو انفصال، أو غياب الأبناء أو أي عائلة قد يلجؤون إليها.

 

 

من الأسباب التي تدفع هؤلاء المسنين إلى قارعة الطريق، تردي أوضاعهم الاقتصادية التي لا تمكنهم من سداد تكاليف السكن، فيما لا تكفي المعونة الوطنية لتلبية احتياجاتهم الأساسية من مأكل وعلاج.

 

 

من جانبه، يشير مدير مديرية الأسرة في وزارة التنمية الاجتماعية محمود الجبور، إلى أن الدراسات التي تجريها الوزارة لحالات تشرد المسنين، تظهر أن الفقر المدقع هو من أبرز العوامل وراء العديد من تلك الحالات.

 

 

"فـهناك بعض المسنين ممن لا يتقاضون راتبا شهريا، وليس لديهم معيل أو أسرة تحتضنهم، ليجد نفسه بعد ذلك هائما في الطرقات"، يقول الجبور الذي يؤكد حرص الوزارة على منح هذه الفئة مبلغا من صندوق المعونة الوطنية، إلى جانب شمولهم بالتأمين الصحي.

 

 

50 دينارا للمسن

 

مديرة صندوق المعونة نسرين اسحيقات تلفت إلى أن النسبة الأكبر من منتفعي صندوق المعونة هم من المسنين وأسرهم، ممن يتقاضون مبلغ 50 دينارا للفرد الواحد شهريا، موضحة بأن المخصصات المالية للصندوق لا تسمح برفع هذه القيمة، مع إعطاء الأولوية للأسر الأشد فقراً.

 

يبلغ العدد الإجمالي للمسنين وأسرهم مما يتقاضون المعونة، نحو 25.268 مسنّا ومسنّة، وبقيمة إجمالية تصل إلى مليون 881.600 دينار، وفقا لأرقام الصندوق.

 

 

قصور بالتأمين الصحي

 

 

على الدولة تحمل مسؤولياتها تجاه فئة المسنين الذي تغيب عن نسبة كبيرة منهم التأمينات الاجتماعية والحماية والرعاية، "وتحديدا من هم متشردين الذين يعانون من إنتهاكات كبيرة، الأمر الذي يتطلب رعاية صحية متزايدة"، تقول الأخصائية لبنى عكروش.

 

 

تشير عكروش إلى أن وزارة الصحة توفر تأمينا خاصا بكبار السن ممن تجاوزت أعمارهم 60 عاما، إلا أن بعضهم لا يتمكن من سداد قيمة رسوم الاشتراك بالتأمين البالغ 72 دينارا سنويا.

 

 

إعفاء من الاشتراكات

 

كان مجلس الوزراء أعفى مطلع العام الجاري، من هم فوق سن السبعين عاماً من دفع رسوم الإشتراك والبالغة 150 ديناراً سنوياً.

 

 

 

تدرس المؤسسة  العامة لضمان الإجتماعي  تطبيق التأمين الخامس وهو التامين الصحي الذي يستهدف شمول المشتركين والمتقاعدين الذين لا يتوافر لهم أي تامين صحي، دون تخصيص فئات عمرية عن أخرى.

 

غير أن الملف لا يزال قيد الدراسة ولم يتم تطبيقه، وفق الناطق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعيم، موسى الصبيحي.

 

قانون خاص بالمسنين

 

 

كان المركز الوطني لحقوق الإنسان، أوصى بسن قانون خاص بحقوق كبار السن يحمي حقوقهم، راصدا في أحدث تقرير له حول واقع المسنين، بأن فجوة في تغطية واقع المسنين وحقوقهم ما يتطلب تشريعا خاصا لهم.

 

يصل عدد الدور الإيوائية لكبار السن، 10 دور، موزعة في الوسط والشمال، فيما يصل عدد المسنين في دور الإيواء، 400 منهم 193 مسنة، فيما وصل عدد المسنين المنتفعين في الأندية النهارية 140 مسنا ومسنة، وفق رصد المركز الوطني لحقوق الإنسان.

 

 

 

جاء ذلك في التقرير الرصدي للمركز الذي أصدره أمس، حول أوضاع هذه الفئة في المراكز الإيوائية والأندية النهارية والمناطق النائية المحرومة من الخدمات في جميع محافظات المملكة.

 

يوصي تقرير المركز الرصدي، مراجعة التشريعات الوطنية، كالضمان الاجتماعي والشؤون الاجتماعية، ونظام الخدمة المدنية، ونظام التأمين الصحي، إضافة الى قانون العقوبات والأحوال الشخصية.

 

 

غياب دور الرعاية الحكومية

 

تنتقد عكروش عدم إنشاء وزارة التنمية الاجتماعية، لدور متخصصة لاحتضان هذه الفئة، بحجة عدم تحول التشرد أو لجوء بعض الأسر لإيواء كبار السن لديهم إلى مثل هذه الدور، إلى ظاهرة مجتمعية، وهو ما تصفه بغير المنطقي، مع وجود حالات ممن يعانون ظروفا قاسية ويحتاجون إلى المأوى.

 

 

يؤكد محمود الجبور أن الوزارة تستطيع تقديم الخدمة للمسنين في دور الإيواء بموجب مذكرات خاصة، فهناك ما يقرب 150 مسنا، يعيشون في تلك الدور ممن تقدم لهم الوزارة كافة الخدمات بعد إجراء دراسة على كل حالة ووفقا لشروط محددة.

 

 

يلفت إلى أن من الإشكاليات التي يتعرض لها كوادر الوزارة  خلال تعاملهم مع بعض المسنين في الشوارع، رفضهم للعيش في دور رعاية المسنين، حيث لا تملك الوزارة صلاحية إدخالهم إليها رغما عنهم.

 

 

أما المسنون الذين يتم التبليغ عن وجودهم في أماكن مهجورة أو غير مهيئة للسكن، وغير قادرين على تأمين معيشتهم، تقوم عندها الوزارة بدراسة حالاتهم وتقديم المساعدة وتأمينهم في دور الإيواء.

 

 

وفي حال تبين وقوع أي اعتداءات على المسن أو التقصير من قبل ذويه، يتم استدعاؤهم إلى الحاكم الإداري لأخذ تعهدات، أو تحويلهم إلى إدارة حماية العنف الأسري لاتخاذ الإجراءات المناسبة ومحاسبتهم وفق القانون، بحسب الجبور.

 

 

*بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR الكندية