"ليل معتق" في رابطة الكتاب
عاينت ندوة أقيمت أول من أمس في رابطة الكتاب الأردنيين، الجوانب الفنية لديوان "ليل معتّق" للشاعر عبدالله أبو بكر، متطرقين إلى بنائه اللغوي ونسيج الألفاظ والتراكيب، وصياغة الجملة الشعرية التي تتكئ على الصورة واللغة.
وشارك في الندوة التي أدارها وشارك فيها بورقة الشاعر حكمت النوايسة والناقد د.محمد القواسمة.
النوايسة رأى أن أبو بكر يقف في مناطق جديدة، وتلتقط عيناه ويصور فكره القصيدة من المناطق المتماحكة، والمتناقضة، مؤكدا أننا لا نقف معه على المسلمات والبديهيات بقدر وقوفنا على الأسئلة التي هي ديدن الشعر والفن.
وأشار النوايسة إلى تلك المسلمات التي يعانق بها الشاعر القدس وفلسطين، لكنها، ليست مسلمة إنسانية اعتيادية بقدر ما هي "سؤال مثير يعانق معاناة الأهل في القدس، وفلسطين ويضيء جانبا مهما من تلك المعاناة".
ورأى النوايسة أن أبو بكر لديه قدرة في صياغة الجملة الشعرية المفارقة، التي تتكئ على الصورة واللغة، منوها بقدرته على لعبة الضمائر في الجملة عند أبو بكر، فالهجر والشمس متفقان في أمور، ومختلفان في أخرى، والغياب والظهور يوحد ما بينهما، وما يفرقهما هو الحضور، مؤكدا أن اللقطة اللغوية المثيرة عند أبو بكر تؤسس للغرابة في المعنى.
يتأمل أبو بكر العلاقة بينه وبين القصيدة، وفق النوايسة، في قربها وبعدها، فهو يرسمها، وهي تراه، وهي أرض وأفق، أرض يزرع فيها ما شاء، وما يريد، ويأخذ منها ما يريد، وهي أفق قريب حتى إننا نظن أننا نلمسه.
ولفت إلى قدرة الشاعر على التجريد، والتعريف المحلق الذي يتأسس على التأمل فعبارة: السكر حالة صحو عابرة، عبارة مكثفة، مشيرا إلى أنها تتأسس على المفارقة الناتجة عن قلب الدلالة المعتادة إلى دلالة جديدة، وإثارة الأسئلة حولها.
من جانبه، قال د.محمد القواسمة إن ديوان "ليل معتّق" جدير بقراءات مختلفة، فالخصائص التي تجعل من الكلام شعرا، هي خصائص تكمن في عناصر مترابطة ومتماسكة تشكل الكائن الشعري الحي - القصيدة الشعرية.
وتلك العناصر، بحسب القواسمة، لا تنفصل عن بعضها بعضا، فاللغة والموسيقى والتصوير والرؤية، هي بناء لغوي، أو نسيج من الألفاظ والتراكيب، تقوم على تحريف الكلام اليومي عما اصطلح عليه في لغة التخاطب.
وتتمثل اللغة في ألفاظ متآلفة، وفق القواسمة، فهي "خالية من التقعر والغرابة، نقية من المبالغة والخطابة وقد تستخدم التعابير المحكية في بعض المواضع استخداما لا نفور فيه".
ومن الظواهر اللغوية التي تلفت الانتباه عند أبو بكر، بحسب القواسمة "تكرار الكلمات المتجانسة التي تشي بالصورة والمعاني الكثيرة، كما في قصيدة "سراب" التي تتحدث عن فراق تلك الحبيبة المجهولة التي يقول فيها "ما كان أجبرها الذهاب، على الذهاب".
وأشار القواسمة إلى أن الشاعر في هذه القصيدة يبدو متأثرا بالشاعر الراحل محمود درويش، في قصيدته "سقط القناع عن القناع عن القناع".
ومن ظواهر اللغة الأخرى عند أبو بكر، الانحراف عن قواعد الصرف كما في قصيدة "مع الرمل في الريح" حيث يقول الشاعر: "هناك.. أنا والحبيبة، ما اثنان نحن، ولكننا.. واحدان". فقد ثنّى أبو بكر كلمة "واحد" خروجا على قاعدة المثنى.
ورأى القواسمة أن أبو بكر ينظم قصائده على موسيقى خارجية تلتزم بالتفعيلة، كما تشارك موسيقى داخلية تعتمد على التكرار والتطابقات والتجانسات المختلفة ضمن تكرار الألفاظ.
وحول الصور عند الشاعر قال القواسمة إنها "جريئة لا تعقيد فيها، وغالبا ما تعتمد على مفردات زمنية مؤنسنة، مشيرا إلى بعض هذه المفردات الزمنية: الليل، الأيام، السنين.
ولفت إلى أن الذات الشاعرة تسقط أحاسيسها، بحسب القواسمة، إزاء مرور الأيام والسنين على الليل فتجعله إنسانا ينتشي ويغربل الأيام، لافتا إلى تضافر عناصر اللغة والموسيقى والتصوير في تكوين رؤية أبو بكر للإنسان والحياة.
واعتمد أبو بكر في قصائده، كما بيّن القواسمة، على ضمير المتكلم، الذي جعله وسيلة للوصول إلى العام، فلا يقتصر على بيان آلامه الذاتية وحدها فهو في البدء يدرك أهمية الشعر ودوره في مقارعة أعداء الحياة.
والهم الوطني يسيطر على الذات عند أبو بكر، حيث يظهر ذلك، كما رآه القواسمة في قصيدة "إما تقتل أو تقتل"، التي تنبهنا إلى الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن القدس، وإلى الأطفال الذين قتلهم الغزاة، حيث يوجه سهام النقد إلى الذين تهاونوا في الدفاع عن وطنهم.
ورأى القواسمة أن هذه القصيدة تدعو الجميع إلى أن يكونوا أبطالا مقاومين فيقول الشاعر: "في وطني، مليون امرأة، أخذت عن مريم قصتها، أرملة، عادت عذراء بفطرتها".
ووصف القواسمة المشاعر الإنسانية عند أبو بكر بأنها "طافحة بالألم والذات" حيث تستحضر تجربة الموت، موت الأب وذلك من خلال قصيدة "فوق الثريا" فصوت الشاعر يجسد حضور الأب على الرغم من غيابه الأبدي، فأحبابنا لا يموتون بل يبقون في عقولنا أحياء.
بعد ذلك قرأ الشاعر مجموعة من القصائد، منها قصيدة بعنوان "على لسان غزة" وهي مهداة إلى شعب غزة المقاوم للحصار يقول فيها:
"كف أخي أشهرتها..
ثرى..
أي إثم صنعت
ليقتلني ابن أبي وابن أمي
ويجمع من كل عاصمة فارسا
كي يبرئ معشره من دمي..؟
كل تلك العواصم قد أشرعت كيدها..
فلماذا..؟
أنا لست يوسف حتى يغرن
ويخلعن عني ثيابي".