لاجئون سوريّون يلوّنون الصحراء الأردنيّة

لاجئون سوريّون يلوّنون الصحراء الأردنيّة
الرابط المختصر

نشر موقع المونتيور تقريرا سلط  فيه الضوء على فنانين  سوريين يلونون كرفانات اللاجئين في مخيم الزعتري برسومات؛ بهدف "التخفيف من وطأة وحشة الصحراء" على أناس هربوا من جحيم الحرب في سوريا، وقام الفنانون بنقل الطبيعة إلى جدران الكرفانات المعدنية وإعطائها اللون الأخضر في محيط يغلب عليه لون الصحراء.

في مخيّم الزعتري للاّجئين السوريّين (85 كلم شمال شرق العاصمة الأردنيّة عمّان)، يكسر فنّانون سوريّون بريشهم جمود الصحراء، ويرسمون على كرفانات اللاّجئين ما عجزت الصحراء عن إنباته من زهور وأشجار، أملاً في تخفيف المعاناة عن 80 ألف لاجئ يقطنون المخيّم من أصل 656,913 مسجّلين رسميّاً لدى المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاّجئين.

 

يقع المخيّم في مدينة المفرق الصحراويّة، ويضمّ 10في المئة من إجماليّ عدد اللاّجئين السوريّين في الأردن، وكانت أنشأته السلطات الأردنيّة في 29 تمّوز/يوليو من عام 2012 على مساحة 8500 دونم، لاستيعاب تدفّق اللاّجئين الهاربين من الحرب في سوريا التي انطلقت شرارتها في عام 2011. محمّد جوخدار (30 عاماً) هو فنان سوريّ هرب من مدينة حمص إلى الأردن في عام 2013، ولم يمنعه عمله كحلاّق في المخيّم من ممارسة الرسم، ففي منتصف عام 2016 شكّل فريقاً من مجموعة فنانين في الزعتري أطلقوا عليه "طوق الياسمين" وأخذوا على عاتقهم محاولة "التخفيف من وحشة الصحراء"، وتبادرت إلى أذهانهم مبادرة تطوعيّة لرسم الأشجار على جدران الكرفانات، ليتبنّاها المجلس النرويجيّ للاّجئين ويصرف لهم رواتب شهريّة بقيمة 300 دولار/شهر.

 

لقد اعتاد اللاّجئون السوريّون على رؤية مساحات خضراء في البلدات التي فرّوا منها، إذ أشارت منظّمة الأغذية والزراعة للأمم المتّحدة (فاو) في عام 2017 إلى أنّ "الزراعة ما زالت تشكّل ما نسبته 26 في المئة من الناتج القوميّ في سوريا"، في وقت تعاني فيه الجارة الأردن من تراجع الغطاء النباتيّ، وأشارت دراسة أطلقها الاتّحاد الدوليّ لحفظ الطبيعة بعنوان "التصحّر في الأردن" أنّ نسبة المساحة المتصحّرة في الأردن تبلغ 81 في المئة من المساحة الكليّة (89,342 km²)، بينما تبلغ المساحة المهدّدة بالتصحّر حوالى 16 في المئة.

 

وقال جوخدار لـ"المونيتور": "إنّ عدد الفنانين المشاركين في مبادرة تزيين المخيّم يبلغ 15 فناناً سوريّاً من قاطنيه، قاموا بتقسيمه إلى 12 قطاعاً، خصّص لكلّ قطاع لون بارز يدلّ على المنطقة التي أتّى منها اللاّجئون، وكان اللون الأخضر هو المسيطر على الرسوم، في إشارة إلى المناطق الخضراء في سوريا".

 

ولا تقتصر رسوم الفنانين على النبات والأشجار، فبحسب جوخدار، لجأ الفنانون إلى رسم بعض معالم سوريا الأثريّة على الكرفانات، بهدف تعريف زوّار المخيّم والجيل الجديد على أثار بلده ومعالمه".

 

وواصل الفنان التشكيليّ في مخيّم الزعتري محمّد العماري، القادم من درعا إلى الأردن في عام 2013، نشر الرسوم في المخيّم، فبعد الانتهاء من الرسم على الكرفانات في المخيّم بداية العام الحاليّ، انطلق برفقة فنانين للرسم على دائر المخيّم الخارجيّ بشكل تطوعيّ ومجانيّ، مستهدفين أيضاً العائلات التي تعاني من وضع ماديّ صعب بهدف التخفيف عنهم"، وقال محمّد العماري: "إنّ المجلس النرويجيّ تبنّى مبادرة الفنانين السوريّين للرسم على الكرفانات، وصرف لهم رواتب مقابل رسومهم. وبعد انتهاء الدعم قبل 5 أشهر، لم يتوقّف الفنانون عن الرسم مجّاناً للاّجئين".

 

وبحسب الفنانين السوريّين، بلغ عدد الكرفانات الملوّنة في الزعتري 1200 كرفان من أصل 24 ألفاً، ويطمحون إلى تلوين المزيد منها، رغم توقّف الدعم الماليّ الذي كانوا يتقاضونه من المجلس النرويجيّ للاّجئين، الذي تبنّى مبادرتهم في منتصف العام الماضي، علماً أنّ الدعم توقف في كانون الأول/ديسمبر 2016.

 

وقال المنسّق الإقليميّ للإعلام لدى المجلس النرويجيّ للاّجئين في الشرق الأوسط الياس أبو عطا: "إنّ المبادرة التي دعمها المجلس هدفت أيضاً إلى التوعية من خلال الرسوم على قضايا تتعلّق بترشيد استهلاك المياه والتعليم والرياضة وغيرها. كما سهّلت المبادرة تلوين أحياء المخيّم الـ12 بألوان مختلفة بهدف تمييزها".

 

ووجدت مبادرة الرسم على الكرفانات قبولاً داخل الزعتري. وفي هذا السياق، قال جوخدار: "لقد رحّب بنا اللاّجئون، وقدّموا إلينا الطعام والشراب تكريماً لنا، وكانوا يتسابقون لطلب الرسم على كرفاناتهم".

 

بدوره، قال دكتور علم الإجتماع من جامعة البلقاء التطبيقيّة حسين الخزاعي: "للألوان دلالات ومفاهيم في النفس البشريّة، اذ تعطي، خصوصاً منها الأخضر والأزرق، راحة نفسيّة وتفاؤلاً وحياة. كما تمنح المشاهد أملاً وتجديداً، ومثال على ذلك تلجأ بريطانيا إلى دهن الجسور باللون الأخضر لثني المنتحرين".

 

أضاف في حديث لـ"المونيتور": "إنّ رسم الألوان على كرفانات اللاّجئين يمنحهم الأمل في المستقبل، ويقرّبهم من المناطق التي أتوا منها، ويبثّ فيهم عشق الطبيعة، ويبعد عنهم جمود الصحراء القاحلة التي تتمثل باللون الأصفر. وتشير الألوان التي اختارها الفنانون، وخصوصاً الأخضر والأزرق، إلى الحيويّة".

 

واتّفقت معه عضو رابطة الفنانين التشكيليّين الأردنيّين نعمت ناصر على أهميّة الألوان وانعكاسها على سلوك الناس، مشيرة في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "غياب اللون يصنع الجفاف في الروح، ويؤثّر على مزاج اللاّجئ في حال بقي مع صور التراب والصحراء، الأمر الذي سيعمّق مأساته أكثر بسبب هذه البيئة الجافّة"، وقالت: "يجب أن يكون هناك خليط من الألوان الباردة والحارّة لإعطاء الحياة للمكان".

 

لا تسمح السلطات الأردنيّة للاّجئين في المخيّمات بإدخال موادّ اسمنتيّة، فجميعهم يسكنون في كرفانات من المعدن بيضاء اللون، وتوجد في الأردن 5 مخيّمات للسوريّين: الزعتري (في المفرق)، الإماراتيّ - الأردنيّ (مريجب الفهود)، الأزرق، الحديقة، و"سايبر سيتي" (في اربد).

أضف تعليقك