غسان قلبي!

غسان قلبي!

(أتبصر شرفةً مضاءة؟ ـ إنّها قلبي ـ أيّها الغريب،). بسام حجار(1955 - 2009).

قبل البارحة ، لم أعرف أن غُسان القلب ، بضم الغين ، هي صميمه وأعمق نقطة فيه ، إلى أن قرأت مادة هشام عودة في الدستور عن صدور كتاب صلاح حزيّن"غسان قلبي" ، حيث أشار إلى أن صلاح قد قصد الالتباس الجميل في تسميته كتابه. وكنت قبلها أقرأ العنوان على أنه "غسّان قلبي" بتشديد السين ، فيوجعني قلبي ، على غسّاّن ، الشابّ الداخل في غيبوبة منذ العام ,2006

وقبل أكثر من شهر ، في ذكرى وفاة بسّام حجار ، الشاعر الجميل والمترجم الأجمل ، قرأت مادة في القدس العربي لناظم السيد عن بسام ، دفعت بأسئلة حارقة إلى قلبي: ما الذي يحفظ شخصاً في قلب العالم إلى الأبد؟ ما الذي يجعلك تحبّ شخصاً - لم تعرفه قط - بعد موته؟

"موته المفاجئ لم يفاجئ كثيرين" يقول ناظم عن بسام حجار. ومن يتفاجأ من موت بسام الذي يناشد الموت (خذني الآنَ ـ إذا كنت لا تأنف الرّكام ـ ولا تمهلني عاماً آخر)؟

موت صلاح حزين لم يكن مفاجئاً أيضاً فقد كان يماطل الموت كل يوم قليلا لربما يستيقظ ولده غسان من غيبوبته التي طالت فينظر إليه لحظة إلى أن يرتوي ، ثم يتأبط ذراع سرطانه اللعين راضيا مرضيا ويغادر.

ورغم أن موت صلاح وبسّام لم يكن مفاجئاً ، رغم ذلك ، يبدو فقدان الجميع لهما مريراً. فوراً تصلكَ كلمات المفجوعين مغسولة من الواجب والهالات ، خالية من الصناعة والانتقاء ، تجرحك بحزنها وبلامبالاتها بشكلها ، تجرحك بصدقها. فوراً تصلك الكلمات الممرورة مملحّة بدموع طازجة ، حييّة وخجلة وتنظر للداخل لا باتجاه الخارج. تصلك التياعات من عرفوهما. كل من عرفه ، يبدو كأن بسام فقيده هو وحده ، وكل من عرف صلاح يبدو كأنه ينتظر أن يأخذ الآخرون خاطره لفقدانه صلاح.

لا أعرف بسام حجار ولا صلاح حزيّن شخصيا ، لم أعرفهما ، لكن ، يا الله، يذهلني كمّ الحبّ الذي يلتمع دون مواربة في كل ما كُتب عن الرجلين. انظروا كيف تستدير الكلمات وتصير حنونة ومحبة فيما يكتب عنهما، حتى اللاذعين مثل فاروق وادي ، حين يتحدثون عن صلاح حزيّن تصير كلماتهم مدوّرة ، دون حواف ودافئة.

نقرأ كلمات الفقد الصادقة ، فيصير بسّام وصلاح فقيدينا أيضاً. هشام عودة وأنا وغيرنا ، وكل الذين لم يعرفوهما شخصياً ، نصير نحسّ بمرارة الفقد ، وربما نندم لأننا لم نسع إلى معرفتهما شخصياً.

كنت دوماً أخشى أن أهمل معرفة أناس جميلين فقط لأنهم كانوا أقل استعراضاً وغير معنيين على الإطلاق بالظهور. كان هذا رعبي ، أن أعتمد في محبتي على الترويج وأدواته،.

وهذا هو بالضبط ما حدث، لم أسعَ لمعرفة الرجل الذي مُني بكثير من الفقدانات فكان ردّه (أن أجعل البقاء تمارين عادةْ ـ كالعيش ـ أو التدخين ـ وأودّ الشّفاء منها ـ ولا شفاء). كنتُ مولعة بانتقاءاته للترجمة أولاً وبترجماته ثانياً ، وحين كنت أقرأ كتاباً من ترجمته ، فإن توتري كان يغادرني بسهولة ، لأنني أكون متأكدة أنه لن يمغصني بنشاز ما ، وسيترك لي أن أستمتع بالكتاب ، وسيقبل أن يكون الوسيط بيني وبين المؤلف دون صدمات ولا ألعاب نارية ولا استعراضات. كان مرأى اسمه على غلاف يكفي لطمأنتي على حسن اختياري لما أقرأ ووعد لي بلغة رائقة.

وبسام حجّار "رجل هادئ جداً" كما عنوان ديوانه الأول ، كان غارقا في عزلته التي تشبه عزلة العديد من كتابنا إلا في النتيجة النهائية، فقد ترجم أكثر من 60 عملاً في الفلسفة والرواية وغيرها ، وله 15 ديوانا شعرياً،

صلاح حزين ، الذي حتى قبل موته ، كان يكفي أن يُذكر اسمه لتنتشر ابتسامة طيبة لذكره على ملامح الجميع ، ترجم رواية جوزيف كونراد "في قلب الظلام" ، ورواية سيدني بولاك "إنهم يقتلون الجياد أليس كذلك؟".

ورغم انتقاءاتهما النوعية للعناوين التي اختاراها لترجمتها ، فلن تجد اسميهما مُدرجين في موسوعة العالم الحرّة، الويكيبيديا، أليست هذه دلالة بليغة على سمات الرجلين؟ الهادئين ، المتواضعين المنشغلين بالإنجاز قبل مغادرتهما على عجل.

(لا توجد في ويكيبيديا مقالة بهذا الاسم. من فضلك ابحث أكثر)، هذا ما تطالعك به الموسوعة الحرّة العالمية حين تلقّم محرّك البحث اسم بسّام حجار أو صلاح حزين ، ما الذي يضيرهما في ذلك؟ لا شيء، يبقون في قلوب من عرفوهما ومن لم،

[email protected]

أضف تعليقك