عبد الباقي.. أسس "البنك العربي" وقاد حكومة عموم فلسطين
سياسي واقتصادي وشاعر مرهف النظم والكلام، شغل منصب وزير المالية في عدد من حكومات إمارة شرق الأردن، وشارك في تأسيس البنك العربي، وترأس حكومة عموم فلسطين.
أحمد حلمي عبد الباقي الذي ولد عام 1882 في مدينة صيدا في لبنان لأب من مدينة طولكرم الفلسطينية، كان والده ضابطا خدم في الجيش العثماني في لبنان وفلسطين.
عاد مع والده إلى طولكرم وهناك تلقى علومه في اللغة العربية والآداب على يد سعيد الكرمي. كما تلقى علومه الأولية في نابلس، ثم تابع دراسته في إسطنبول.
عمل في مطلع شبابه بـ"المصرف الزراعي العثماني" في مدينة طولكرم.
انتقل إلى العراق خلال الحرب العالمية الأولى، محاسبا ومديرا لأملاك الدولة في لواءي الديوانية والعمارة بالعراق، وشغل منصب وكيل متصرف اللواء. وهناك تولى قيادة فرقة متطوعين من أبناء العشائر العراقية التي حاربت إلى جانب الجيش العثماني.
وعندما تولي الأمير فيصل بن الحسين الحكم في سوريا عين أحمد حلمي مديرا عاما لوزارة المالية عام 1919 وكان وقتها من أركان "حزب الاستقلال العربي" الذي تأسس في عهد الملك فيصل كواجهة سياسية علنية لجمعية "العربية الفتاة" القومية السرية.
غادر أحمد حلمي عام 1922 إلى شرق الأردن، واختاره الملك الحسين بن علي، ملك الحجاز، ناظرا للخط الحديدي الحجازي ومنحه لقب باشا.
شارك أحمد حلمي ومعلمه سعيد الكرمي في عدد من حكومات إمارة شرق الأردن التي كان الأمير عبد الله بن الحسين أميرا عليها، فشاركا في كل من حكومة علي رضا الركابي الأولى عام 1922، وحكومة مظهر رسلان الثانية عام 1923، وحكومة حسن خالد أبو الهدى الأولى عام 1923، حيث تولى أحمد حلمي حقيبة المالية، في حين تولى سعيد الكرمي حقيبة الأوقاف والقضاء.
وبعد اندلاع الثورة السورية عام 1925 ضد الاحتلال الفرنسي، شارك أحمد حلمي في عضوية "اللجنة المركزية لإعانة منكوبي سوريا".
نفته سلطات الانتداب البريطاني إلى الحجاز بتهمة التحريض على مقاومة الانتداب الفرنسي على سوريا. وما لبث أن غادرها إلى القاهرة، ثم توجه عام 1926 إلى فلسطين بدعوة من رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الحاج أمين الحسيني، حيث عين مراقبا عاما للأوقاف الإسلامية حتى عام 1930 .
شارك في المؤتمر الإسلامي للدفاع عن حائط البراق والأماكن الإسلامية المقدسة، الذي عقد عام 1928. كما كان عضوا في "اللجنة المركزية لإعانة المنكوبين" التي شكلها المجلس الإسلامي الأعلى أثر اندلاع "ثورة البراق" عام 1929.
وفي فترة لاحقة اشترك مع عبد الحميد شومان في تأسيس "البنك العربي" بفلسطين وتولى إدارة البنك ما بين عامي 1930 و1936، حيث شهدت هذه الفترة إنشاء فروع للبنك في مدن فلسطين الرئيسية عديدة من بينها، القدس وغزة وطولكرم ونابلس ويافا وحيفا. كما أسس بعد ذلك "البنك الزراعي" لإمداد الفلاحين بالقروض الزراعية، وشركة صندوق الأمة لإنقاذ الأراضي العربية المهددة بالاستيلاء عليها.
كما أسس "مشروع الدونم" الذي كان يهدف إلى تملك كل فلسطيني دونما من الأرض في المواقع التي تتعرض أراضيها لخطر الاستيلاء الصهيوني عليها.
وفي تلك الفترة اختير رئيسا فخريا للغرفة التجارية في القدس وللجمعية الخيرية الصلاحية التي أنشأت "معهد أبناء الأمة" لإيواء أبناء الشهداء.
وترأس شركة مساهمة وطنية باسم "شركة المعرض" أقامت عام 1933 معرضا صناعيا عربيا في القدس، اشترك فيه صناعيون من معظم الأقطار العربية، وذلك ردا على المعرض الذي أقامته الحركة الصهيونية في العام السابق له.
وفي عام 1936، اختير عضوا في اللجنة العربية العليا.
وحين قتل لويس اندروز حاكم لواء الجليل، عام 1937 سارعت سلطات الانتداب إلى نفيه مع زملاء له من أعضاء اللجنة إلى جزيرة سيشيل في المحيط الهندي وهم، حسين فخري الخالدي ويعقوب الغصين وفؤاد سابا ورشيد الحاج إبراهيم، بهدف إضعاف وتجميد دور القيادات الفلسطينية إثر ثورة فلسطين الكبرى (1937 ـ 1939).
وبعد عودته شارك في عضوية الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر "المائدة المستديرة" في لندن عام 1939.
وأقام في لبنان في السنوات الأولى للحرب العالمية الثانية، بعد أن منعته السلطات البريطانية مع عدد من السياسيين الفلسطينيين من دخول فلسطين.
وبعد عودته إلى فلسطين شارك في مساعي إعادة تأليف لجنة سياسية مسؤولة لقيادة الحركة الوطنية إلا أن تلك المساعي باءت بالفشل.
وفيما بعد اختير عضوا في "الهيئة العربية العليا" التي ألفها مجلس جامعة الدول العربية في بلودان عام 1946، وقاد حملة الدفاع عن مدينة القدس في وجه الهجمات الصهيونية إثر صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وعينه الملك عبد الله بن الحسين 1948، حاكما عسكريا على القدس.
كما عينه مجلس جامعة الدول العربية رئيسا لـ "حكومة عموم فلسطين" التي أُعلن تشكيلها في غزة وصار يشارك بصفته هذه في اجتماعات جامعة الدول العربية في القاهرة الأمر الذي دفع الملك عبد الله الأول إلى عزله من منصبه كحاكم عسكري للقدس.
إضافة إلى نشاطه السياسي والاقتصادي والاجتماعي فقد كان شاعرا بليغا، ولم يكشف عن شعره في حياته، إلا أن أشعاره التي نشرت بعد رحيله تحت عنوان "ديواني" تميزت بالنزوع نحو التأمل والتعبير عن الحزن والإحباط، وصدر ديوانه بإعداد وتقديم من الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله.
وعندما أحكم الصهاينة سيطرتهم على معظم أراضي فلسطين وجد نفسه رئيسا بدون وطن، فاستقر في القاهرة مديرا لـ "بنك الأمة العربية"، الذي كان قد أنشأه، إلى أن أممت الحكومة المصرية جميع البنوك الأجنبية عام 1961، فغادر القاهرة واستقر في بيروت، وكان قد بلغ من العمر97 عاما، ووافته المنية عام 1963 في لبنان، ونقل جثمانه إلى القدس، حيث وروي الثرى في الحرم القدس الشريف، إلى جانب المجاهد عبد القادر الحسيني.
المصادر:
ـ محمد خالد الأزعر، "حكومة عموم فلسطين في ذكراها الخمسين"، 1998.
ـ بيان نويهض الحوت، "القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917- 1948"، 1981.
ـ يعقوب العودات، "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين"، 1976.
ـ من هو؟: رجالات فلسطين 1945- 1946"، 1999.
ـ "الموسوعة الفلسطينية"، القسم العام، المجلد الثاني ، 1984.
ـ عجاج نويهض، "رجال من فلسطين"، 1981.
ـ مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).