الشعب ضحية الحكومات والفاسدين
الفرق بين فلسفة الحكومة في الدول الديمقراطية وغيرها من الدول الشمولية او اللاديمقراطية او التي تزعم انها تسير على تعزيز الديمقراطية, هو انه في الحالة الاولى ان الحكومة تدير امور وشؤون الشعب بنحو يحقق مصالحه ويهدف الى تأمين الحياة الكريمة في بيئة تشريعية ضامنة لحقوقه. كما أنها تسعى لتحقيق مصالح غالبية الشعب عند سن التشريعات من قوانين وانظمة في ظل فصل حقيقي بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.
واما في الحالة الثانية أي في الدول الشمولية واللاديمقراطية والتي تدعي انها تسير على نهج تعزيز الديمقراطية, فنجد أنها تنطلق من نظرية قمع الشعب وتكميم الأفواه وحرمانه من ممارسة حقه الطبيعي بالمشاركة بالقرار, والعمل على سن التشريعات التي تخدم القوى المتنفذة من سياسية ونخبوية واقتصادية واجتماعية في ظل هيمنة كاملة او شبه كاملة على السلطتين التشريعية والقضائية لحساب مصالح السلطة التنفيذية لتصل الى تحقيق مصالحها وامتيازاتها ونفوذها على حساب غالبية حقوق الشعب السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية بما يؤدي الى زعزعة الثقة ان لم يكن فقدانها بين الحاكم والمحكوم.
والمرء في الاردن يعجز عن تحديد وتصنيف اين نقع بين التصنيفات العالمية, بالرغم من أن الاوراق النقاشية لجلالة الملك تحدد الرؤية والمسار لاردن المستقبل, ولكن دون ان نلمس كمواطنين اي ترجمة حقيقية للمبادئ والافكار التي تضمنتها, وخاصة الورقة السادسة التي عنوانها الدولة المدنية وسيادة القانون, وبدلا من ان تنعكس هذه الرؤى والافكار على سياسة الحكومة ومجلس الأمة, وجدنا ان مسيرتها حتى الآن لا تنسجم ورؤى الملك عبدالله الثاني.
وفي هذه الزاوية سأتناول جانباً واحداً من سياسة الحكومة التي تتناقض مع توجيهات الملك الرامية الى تحقيق الحياة الكريمة والرفاهية للشعب الاردني. وبضرورة ان لا تؤثر قراراتها على الطبقتين المتوسطة والفقيرة.
وهذا يستدعي الوقوف على المشاهدات والملاحظات التالية:
اولا:- منذ اشهر والحكومة تهيئ الشعب الاردني وتطلب منه الصبر على سلسلة من القرارات الاقتصادية المنتظرة التي قوامها رفع ضريبة المبيعات تحت عنوان الغاء الاعفاءات الضريبية وتوحيد نسبة الضريبة على جميع السلع التي تقل ضريبة المبيعات عليها عن 16%.
ثانيا: الحكومة تراجعت عن تصريحاتها السابقة بأنها ستتخذ قرار توحيد ضريبة المبيعات عند مستوى 12% وتخفيضها عن السلع والمواد والخدمات الاخرى من صناعية وتجارية واستهلاكية التي تبلغ نسبتها حالياً 16%, وهذا يعني أنها لا تعير مصالح غالبية الشعب اي اهتمام مهما كانت النتائج.
ثالثا:- ان الحكومة تجاهلت وتتجاهل ان نسبة الضرائب المباشرة وغير المباشرة المفروضة على حوالي 89% من المواطنين والذين تقل رواتبهم الشهرية عن (600) دينار تصل الى ما يزيد عن 60% على أقل تقدير, فكيف سيكون حال هذا الشعب عند اتمام قرار رفع نسبة ضريبة المبيعات على باقي اصناف السلع والخدمات, مذكرين ان ضريبة المبيعات الحقيقية هي ليست 16% بل هي مضاعفة لان تحصيلها يتم بشكل دوري وتراكمي.
رابعاً:- الحكومة تجتهد وفق مفهومها لعدم ترك مجال او قطاع او خدمات دون ان تشارك المواطن به سواء من خلال التسميات المختلفة فتارة ضريبة مبيعات, وتارة اخرى رسوم جمارك وتارة اخرى رسوم وتارة ضرائب خاصة وتارة ضرائب مقطوعة الى آخر التسميات التي تتفنن الحكومة باطلاقها.
خامساً:- الحكومة في سياساتها وقراراتها تركن الى ان الشعب الاردني شعب طيب وهذه حقيقة لا منّة للحكومة الحالية او سابقاتها بذلك, كما انها تلجأ عبر آليات متعددة لترهيب الشعب في حال رفع صوته محتجاً ومستنكراً بما آل اليه الحال في سوريا والعراق وليبيا, متناسية عن قصد او غير قصد بأن قدرة الانسان لها حدود, وقدرته على الصبر بلغت ذروتها, مما يجعل منها صيداً سهلاً امام قوى وافكار ارهابية او متطرفة تتربص بوطننا.
بناء على ما تقدم, فهل يجوز للحكومة التي تنطلق من ان واجب الشعب خدمتها وليس المفهوم السياسي الديمقراطي الاساسي بأن الحكومة ما وجدت الا لخدمة الشعب ومصالحه.
وهل فعلاً وصل بنا الحال أن اللجوء لتفريغ ما تبقى في جيب المواطن هو الملاذ الأخير, أم أن هناك بدائل عديدة منها"-.
اولا:- ضرورة الايمان والانطلاق من مبدأ ان الشعب بغالبيته يجب ان تحظى مصالحه بالاولوية الاولى, مما يوجب عليها ان تتخذ كافة القرارات للابتعاد عما يوصل شرائح المجتمع الى ما دون حد الفقر, فالضرائب الباهظة والمبالغ بها لا يشعر المواطن انها تعود جميعها الى الرقي والنهوض بمستوى معيشته بما يؤمن له ولاسرته الحياة الكريمة واساسياتها من مأكل ومسكن وتعليم وصحة ورفاه, بل قد يصل الشعور بنسبة عالية من المواطنين بأن ما يدفعوه من ضرائب يذهب بطرق مختلفة الى امتيازات ومصالح منظورة وغير منظورة الى كبار المتنفذين سياسياً واقتصادياً.
ثانيا:- اننا كمواطنين لم نشهد ان الحكومة جادة وبارادة حقيقية لوقف حد للهدر بالنفقات التي قدرت ابان حكومة سابقة بأنها تصل الى حوالي 25% من الموازنة العامة, وما تحديث السيارات التي تحدث عنها رئيس الوزراء بأن قرار شراءها كان قد تم قبل اقرار موازنة ,2017 وهذا باعتقادي انه ليس بعذر.
أفلم يكن يعلم الرئيس وحكومته قبل ذلك التاريخ بالعجز المالي للموازنة وبنسبة المديونية والاتفاق مع صندوق النقد الدولي بضرورة تخفيض نسبة الدين العام امام الناتج المحلي الاجمالي? وهذا اكبر دليل ان الحكومة لا تهدف الا جيب المواطن.
ثالثا:- لم نلمس كمواطنين ان الحكومة قد وضعت خطة لتحصيل الأموال المستحقة على المواطنين من ضرائب, والتي قدرت بحوالي ملياري دولار على اقل تقدير, عدا عن تقرير ديوان المحاسبة الذي اشار الى وجود ما يقارب (4) مليارات دينار بين هدر واموال غير محصلة, فأين خطة الحكومة من هذا الملف؟
رابعاً:- الحكومة لم تلجأ للتعامل بشفافية ومصداقية امام المبالغ المستهدف تحصيلها بعد الموازنة, فوفقا لمشروع الموازنة فان المبلغ المستهدف هو (450) مليون دينار, انخفض بمقدار (220) مليون دينار بعد التوافق مع مجلس النواب لتخفيض النفقات بواقع (220) مليون دينار وبالتالي فان المبلغ المستهدف تحصيله هو (230) مليون دينار, فهل فرض ضريبة مقطوعة على كل لتر بنزين ورفع ضريبة المبيعات الى 16%. ورفع رسوم الجمارك ورسوم الخدمات كترخيص السيارات ورخص السوق ورسوم جوازات السفر والوثائق الاخرى الصادرة عن دائرة الجوازات والاحوال المدنية, وعن فرض مبلغ مقطوع على كل هاتف خلوي ورفع الضريبة الخاصة عليها بواقع 3%, وغيرها ستجني فقط (230) مليون دينار او حتى فقط (450) مليون دينار?!
فلو اقتصر الحديث عن تحصيل (230) مليون دينار لاكتفت الحكومة فقط بفرض (50) فلساً على كل لتر بنزين الذين اقرته بداية هذا الشهر اضافة الى فرق (25) فلساً على كل لتر مشتقات نفطية قبل اشهر, هذا يعني ان الحكومة ستحصل من الضريبة المقطوعة على البنزين الحالية والسابقة ما يقارب (220) مليون دينار, وهذا يعني ان الحكومة تهدف الى تحصيل اضعاف ذلك, والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا تصارح الحكومة الشعب بالواقع الحقيقي لاقتصادنا وبالارقام الحقيقية المستهدف تحصيلها من جيوب المواطن على حساب مستوى معيشته اللائقة وحقوقه الأساسية والدستورية?
خامسا:- لم نسمع حتى الان عن خطة حكومية لتخفيض حقيقي للسفر والمياومات للوفود الاردنية المختلفة, التي لم نعلم كمواطنين في غالبيتها عن الاهداف التي حققتها هذه الوفود لصالح الاردن وطناً وشعباً, كما حتى الان ما زلنا نشهد اسطول السيارات الحكومية ووسائل النقل الحكومي تجوب الشوارع بعد ساعات الدوام.
فعلى الحكومة وضع ضوابط والعمل على سحب السيارات الرسمية من جميع موظفي الدولة, وعلى مختلف مستويات درجاتهم الوظيفية.
سادسا:- الحكومة لم تعمل على حماية المواطنين من عقود الاذعان للخدمات المختلفة, والتي من شأنها العمل بها تخفيف تأثيرها السلبي على حياة المواطن.
وما موقفها من شركات الاتصالات الا مثال على ذلك, وكذلك عقود شركات التأمين وبمناسبة الحديث عن الضرائب المزمع فرضها على الهواتف الخلوية, فان المتابعين يقدرون تحصيل الحكومة مبلغ (120) مليون دينار اذا اقتصرت الضريبة الاضافية دينار واحد شهرياً, واذا ما كان الدينار من رصيد المشترك فان هذا يعني ان المبلغ سيرتفع الى حوالي (180) مليون دينار سنوياً فالارقام المنشورة خلال الفترة الماضية تشير الى ان هناك حوالي عشرة ملايين خط خلوي في المملكة.
اذن هناك بدائل على رأسها محاربة الفساد وتفعيل وسن قوانين من اين لك هذا?! ورفع نسبة ضريبة الدخل وفقاً للمبدأ الدستوري بالأخذ بالقاعدة التصاعدية للدخل وبعدم تكليف المواطن فوق طاقته.
وقبل وبعد ذلك على الحكومة واجهزتها ان تتصرف بأن الشعب قوام أمن واستقرار الوطن, وبأنها ما وجدت الا لخدمته والرقي بمستوى حياته, وبان الوطن والشعب باق, والحكومة غير باقية.
فالشعب حالياً يؤمن بأن أمنه وحياته مستهدفة, وبأن الوضع الحالي وما سيؤل اليه بعد القرارات المجحفة بحق غالبية الشعب, سيحول حياته الى جحيم, مما يهدد الامن والاستقرار المجتمعين لا سمح الله.
وعلى الحكومة ان تتصرف بعيداً عن الشعب وكأنه عدوها ويا ليتها تحارب العدو والخطر الحقيقي المتمثل في الفساد والتطرف والعنف بنفس المثابرة والجدية كما تحارب وتنتهك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
حمى الله الوطن والشعب.