أقوال الحكومة تناقض أفعالها
في الوقت الذي اتخذت فيه الحكومة سلسلة من القرارات التي شملها عنوان واحد هو رفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة, مدعومة من مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان, وذلك من خلال اقرار قانون الموازنة لعام 2017 , دون اي اكتراث لانعكاسات ذلك على أمن الوطن واستقراره على كافة الأصعدة.
قابله ذلك حديث من رئيس الوزراء في اللقاء مع جلالة الملك الذي عقد يوم الاحد الموافق 19/2/2017 مع رؤساء الكتل النيابية بحضور رئيس مجلس النواب ونوابه (بأن الحكومة جادة في المضي قدما في الاصلاحات الاقتصادية واتخاذ قرارات من شأنها دفع عجلة النمو الاقتصادي وحماية الطبقتين الفقيرة والمتوسطة, لافتا ان الحكومة قامت بدراسة متأنية وعميقة لهذه القرارات).
كما اشار رئيس مجلس النواب بنفس اللقاء (بأن مجلس النواب حريص على ضمان عدم تأثر الطبقتين الفقيرة والوسطى من برنامج الاصلاح المالي والاقتصادي).
وعلى ضوء ما تقدم فانه حق للمواطن ان يقارب بين التصريحات والنتائج لهذه القرارات المجحفة بحق الغالبية الساحقة من شعبنا الأردني على امتداد الوطن من شماله الى جنوبه ومن شرقيه الى غربيه.
وما الحراكات الشعبية الاحتجاجية في عدد من محافظات المملكة والآخذة الى الامتداد لمحافظات اخرى. الا بداية لنتائج تلك القرارات من قبل الحكومة المفلسة من الابداع لايجاد حلول للأزمة الاقتصادية الخانقة, والتي نتجت عن سياسات الحكومات السابقة التي توشحت بشكل عام بالهدر بالنفقات وعدم رسم استراتيجية اقتصادية وسياسية شاملة لمستقبل الاردن, اضافة الى استشراء الفساد بأشكاله الادارية والشللية والمحسوبية والمالية, وغياب الارادة بمحاربة الفساد بالرغم من ان كافة كتب التكليف الملكي نصت على ذلك وتهرب الحكومات ومجلس الامة من سن قانون من اين لك هذا?
والان إن توفرت النية الصادقة للحكومة وان كانت واثقة هي ومجلس النواب بأن القرارات التي اتخذت لا تمس الطبقتين الفقيرة والمتوسطة وحتى لا يذهب الشك والظن بأحد بأن ما تم التصريح به امام جلالة الملك انما يهدف الى رسم صورة وردية ولكنها بعيدة كل البعد عن الواقع المعيشي لغالبية الشعب الاردني.
فانني اطالب الحكومة بما يلي:
اولا: ان تفصح بأرقام حقيقية عن حجم الفساد وتأثيره على الموازنة العامة, مع الشروع بمناقشة الميزانية مع نهاية العام المالي امام الرأي العام وامام مجلس الامة بشقيه ومجلسيه الاعيان والنواب.
ثانيا: ان تفصح وبدقة عن المبلغ المستهدف تحقيقه من وراء رفع نسب الضريبة العامة على المبيعات, ورسوم الجمارك, والضريبة المقطوعة على المشتقات النفطية وعلى رفع نسبة الضريبة على الهواتف الخلوية والانترنت, وزيادة الرسوم وغيرها حيث لم يبق صنف او سلعة دون ان تطالها يد الحكومة.
ثالثا: على الحكومة ان تفصح وبشفافية عن الهدر بالنفقات ونسبته الى الموازنة علما بأن رئيس وزراء سبق قد قدرها بحوالي .125
رابعا: على الحكومة ان تبين للرأي العام عن كيفية زيادة نسبة المديونية خلال الاعوام الخمس السابقة, وكيف تم انفاقها ولماذا, ان لم تكن مجالاتها ذات اولوية قصوى تنعكس على اداء الاقتصاد الانتاجي.
كما على رئيس الوزراء والوزراء واعضاء مجلسي الاعيان والنواب والمدراء العامين وكبار رجالات الدولة ان يعيشوا حياة بمستوى دخل غالبية الشعب الأردني, ولا اعني هنا نسبة حوالي ال¯89%) من رواتبهم دون 600 دينار, بل بمستوى دخل الف دينار شهري, للاسر التي يبلغ معدل افرادها خمس الى سبعة افراد.
ومع نهاية شهر آذار اي مع استلام راتب شهر شباط ان يقوموا بصدق وارادة حازمة بتخصيص هذا المبلغ والاعلان عن الفترة التي يستمر فيها المواطن ينفق من الراتب مع الاخذ بعين الاعتبار ايجار بيت, مصاريف ثابتة من كهرباء وماء وهواتف وتدفئة ومصاريف مواصلات ومدارس حكومية وجامعات وكليات متوسطة حكومية, وملابس وعلاج.. وبالطبع المأكل.
ان هذا الاصرار يشكل تحديا امام المسؤولين الذين يتخذون قراراتهم من وراء المكاتب ولم يجربوا لحظة الحياة الحقيقية لغالبية المواطنين, العاجزين عن تأمين الحدود الدنيا من الحد الأدنى للحياة الكريمة.
وقد يلزم تجميد الحسابات المصرفية لهذه الفئة المستهدفة من المسؤولين ورجالات الدولة وتحييد البطاقات الائتمانية وسحب السيارات الحكومية واستخدام المواصلات العامة, وعدم السماح للرواتب العليا بسحب اكثر من الف دينار على مدار شهر آذار.
اعلم علم اليقين ان هذا حلم, ولكنه سيبقى حلما وتحديا كبيرا للحكومة ومجلس النواب الصامت نسبيا امام ارهاق المواطن الذي سيؤدي في حال استمراره الى حالة من التذمر والاحتقان والتطرف وعدم الاستقرار, وهذا ما لا نتمناه.