أبو عودة يسأل: (إلى أين نحن متجهون)..؟

أبو عودة يسأل: (إلى أين نحن متجهون)..؟
الرابط المختصر

ألقى رئيس الديوان الملكي الاسبق عدنان ابو عودة محاضرة بعنوان «القضية الفلسطينية بين التفاؤل والتشاؤم» مساء أمس في النادي الأرثوذوكسي بتنظيم من المدارس العصرية.
وتاليا نص المحاضرة:
للوهلة الأولى حيّرني عنوان المحاضرة الذي اختاره الدكتور أسعد عبد الرحمن لأن أتحدث عنه، فواقع الحال يتميز بالتشاؤم وضميري ووجداني يصران على التفاؤل فماذا أقول؟ فجاءني الإنقاذ وأنا في خضم هذه الحيرة من كلمة «بين». لأن المعنى يعني ضمنيًا أن القضية الفلسطينية قد خبرت في مسارها الحالتين: التشاؤم والتفاؤل وأن المطلوب هو محاولة قراءة الواقع بقصد استشراف المآل. وبناء على هذا المفهوم كتبت هذه المحاضرة واخترت أن أبدأ برسم خط بياني تاريخي لا إحصائي يشرح مراوحة القضية الفلسطينية بين التشاؤم والتفاؤل حينما اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر عام 1947 ورفضته الدول العربية السبع حينئذ وهي الدول التي كانت تشكل جامعة الدول العربية.
كان المزاج العام العربي والفلسطيني مستاء من هذا القرار وحينما رفضته دول الجامعة العربية وأعلنت بعد ذلك عن نيتها لمنع تنفيذ القرار بالحرب سادت حالة من التفاؤل، وفي نيسان 1949 بعد أن اضطرت الدول العربية لتوقيع معاهدات الهدنة مع إسرائيل التي أعلنت دولتها وذلك في جزيرة رودس انقلب المزاج العام وأصبح متشائمًا وغاضبًا على الدول العربية التي فشلت في الحرب وانحدرت المشكلة من تحرير فلسطين إلى التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين وكل ما استطاعت الدول العربية فعله لتخفيف وطأة الهزيمة هي إنشاء مكتب لمقاطعة إسرائيل. وبالعقلية القبلية السائدة صبت الشعوب العربية غضبها على الرؤساء، وكان الرؤساء حينئذ خمسة ملوك هم ملك العراق، ملك الأردن، ملك مصر، ملك السعودية، وإمام اليمن، وكان اثنان منهم رئيسي جمهوريتين هما سوريا ولبنان، ولذلك فقط تلقّى الملوك أكبر حصة من اللوم.
وفي عام 1951 استشهد الملك عبدالله الأول في بوابة المسجد الأقصى، وفي عام 1952 حدث انقلاب في مصر أطاح بالملك فاروق فبدأ يتشكل مزاج عام جديد أن الجيش هو الأمل. وحينما تسلم عبدالناصر الحكم في مصر من محمد نجيب وكان شخصية كاريزمية عاد الأمل بالثأر واسترداد فلسطين وبخاصة أنه كان في الجيش المصري الذي حارب على أرض فلسطين، وهكذا عاد التفاؤل ممثلًا بشخص عبدالناصر الذي أمم قناة السويس وبنى السد العالي نكاية بالاستعمار الغربي وبقي الحال كذلك حتى حرب حزيران 1967 حينما خسرت الدول العربية الحرب مع إسرائيل مع خسارة الدول المحاربة جزءا من أراضيها: سيناء، الضفة الغربية، وهضبة الجولان.
وبينما كانت الدول المهزومة تلملم الجراح وتعمل على إعادة تشكيل الجيوش ظهر في الميدان العمل الفدائي ممثلًا بمنظمة فتح وبعدها بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اللتين كانتا موجودتين على الأرض منذ بضع سنين لكنهما ممنوعتان من اجتياز حدود الهدنة من قبل الدول العربية المجاورة وذلك لمنع قيام إسرائيل بحرب لم تكن الدول العربية جاهزة لها.
لكن هذه الفترة ابتداءً من أوائل الخمسينيات حتى حرب حزيران 1967 شهدت حروب عصابات بارزة وهي الفيتكونغ في فيتنام والتي هزمت الفرنسيين في ديان بيان فو، ثم حاربت الأميركان الذين حلوا محل الفرنسيين، وكذلك حرب التحرير الجزائرية عام 1954 والتي انتصرت عام 1962، وثورة الزعيم كاسترو في كوبا الذي حارب الديكتاتورية الكوبية العميلة للولايات المتحدة عام 1956 والتي انتصرت عام 1959.
الجيل العربي الغاضب من نتائج حرب فلسطين وجد السلوى في انتصار هذه المنظمات التي اتبعت حرب العصابات وتشكل لديه في ذلك الوقت وأنا شخصيًا كنت منهم قناعة بأن لن يهزم إسرائيل إلا منظمات تتبنى حرب العصابات، وبناء على ذلك حين بدأ الفدائيون بعد هزيمة حزيران بأسابيع مهاجمة المواقع الإسرائيلية عبر نهر الأردن والذي كانت قوات الحجاب الأردنية تساعدهم بالمعلومات عن مواقع العدو أو بالدفاع عنهم لدى عودتهم ارتفعت درجة التفاؤل بأن النصر على إسرائيل حتمي وسيأتي على أيدي هؤلاء، وبعد ثمانية أشهر من الهزيمة حينما وقعت معركة الكرامة الشهيرة وهزمت إسرائيل في أرض المعركة من قبل الجيش الأردني وكان قد شارك في الساعات الأولى منها عدد من الفدائيين الذين كانوا هدف الهجوم زاد التفاؤل بالنصر القريب عن طريق حرب العصابات.
كان الشعب العربي من المحيط إلى الخليج في مزاج صدّق أن الفدائيين هم الذين هزموا اسرائيل وكان الفدائيون بحاجة لهذا الدعم مثلما كان المزاج العربي بحاجة إلى أي نصر لأن رهانهم كان على حرب العصابات. ونتج عن ذلك أن مئات من الفلسطينيين من الأرض المحتلة جاءوا إلى الضفة الشرقية ومثلهم من كل البلدان العربية ليحاربوا مع الفدائيين، وقد قام إعلام فتح بالمبالغة في دور الفدائيين كما قام الإعلام العربي الرسمي بترديد ما كانت تقوله فتح لدرجة أن البعض استخلص مما كان يسمع ويقرأ في الصحف من بيانات أن الذين قادوا القتال وانتصروا على العدو هم الفدائيون ولم يلتفتوا إلى حقيقة أن المعركة تطورت إلى معركة جيوش.
الأمة كلها بمن في ذلك الشعب الأردني كانت بحاجة لهذا الاعتقاد لاسترداد كرامتها التي أُهينت في حرب حزيران، وفي الأردن حيث أسس الفدائيون قواعدهم عبّر الشعب عن فرحه بثلاثة أمور:

الأول: الانضمام الواسع للفدائيين.

الثاني: السخاء في التبرعات.

الثالث: وهو الأهم التسامح مع أخطائهم وإضعافهم لسلطة القانون الأردني.
ونتج عن ذلك ظهور الفدائيين في الأردن كسلطة موازية للسلطة الشرعية حتى وصل تهديد النظام بالسقوط فكانت الحكومة العسكرية في أيلول 1970 وخروج الفدائيين لقاعدة جديدة مجاورة لإسرائيل فكانت لبنان، ومع ذلك بقي التفاؤل قائمًا حتى عام 1982 ليحل محله التشاؤم مجددًا حتى نوفمبر 1987 حينما تفجرت الانتفاضة الفلسطينية، لكن التفاؤل هذه المرة ارتبط بالداخل الفلسطيني واستمر حتى مؤتمر مدريد حيث تحولت القضية من ميدان القتال إلى دهاليز الدبلوماسية، وحتى أوسلو عام 1993 يمكن وصف هذه المرحلة بالهدوء والترقب فكانت أوسلو حيث انقسم العرب عامة والفلسطينيون خاصة إلى قسمين واحد متفائل وآخر متشائم، المتفائل آمَنَ أن الدولة الفلسطينية آتية لاريب فيها خلال السنوات الخمس القادمة، أما المتشائم فكان يعتقد أن الدولة لن تقوم وأن منظمة فتح كانت واهمة.
وفي عام 2000 حينما أدرك أبو عمار أنه خُدع قامت الانتفاضة الثانية التي دوّلت القضية وأعادتها للدبلوماسية خارج نطاق الحوار بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وذلك من خلال تشكيل اللجنة الرباعية التي انتهى عملها مع انتهاء ولاية الرئيس أوباما الثانية.
وها نحن هنا اليوم نعيش فترة غامضة ومُربكة، فلا قتال ولا حرب عصابات ولا انتفاضة ولا دبلوماسية فإلى أين نحن متجهون، فالتشاؤم سيّد الموقف واللايقين تركنا للحدس والاجتهادات عن صفقة القرن وأبعادها وتداعياتها.
وبهذا أُنهي الخط البياني عن التفاؤل والتشاؤم حيث يستقر البندول اليوم عند قطب التشاؤم. وكي يتحرك البندول نحو بند التفاؤل لابد في رأيي من القيام بما يلي:

أولًا: المراجعة لنتبين لماذا لم يَسُدْ التفاؤل

ثانيًا: وضع تصور جديد لاستئناف العمل على ضوء الدروس المستفادة.

ثالثًا: التخطيط والتنفيذ.
بالرغم من التخبط الذي وقعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية والمتمثل بالواقع الحالي حيث لا دولة مستقلة، وتقدّم صهيوني في حركة الاستيطان وقرار الولايات المتحدة باعتبار القدس عاصمة إسرائيل وغير ذلك لم تقم السلطة الفلسطينية على حد علمي بإجراء دراسة نقدية لمسارها السياسي منذ حرب حزيران 1967 حتى هذا الوضع الذي يخيم عليه اللايقين والتشاؤم أي أن المراجعة المطلوبة لم تتم، وعليه فإن عدم المراجعة حتى الآن أغلقت الطريق أمام وضع تصور جديد وبالتالي لا تخطيط ولا تنفيذ والاكتفاء بالانتظار.
وبالمناسبة يحضرني هنا أن أشير إلى أن من مكونات الثقافة العربية السلبية هو مفهوم العربي للزمن حيث أنه مفهوم بدوي بدائي يعني مجرد الترقب والانتظار، أما بالنسبة للصهيونية فالزمن هو الفرصة للتسلل الناعم نحو بناء الأمر الواقع واتباعه في الوقت المناسب بالشرعنة.
وفي رأيي بأن الأخطاء الكبرى التي ساعدت الصهيونية على التقدم من الجانب العربي والفلسطيني فضلًا عن تخلف ثقافة القيادة في فهم الاستراتيجية الصهيونية:
1- تحويل القضية الفلسطينية من قضية قومية إلى قضية قطرية ويرمز إلى ذلك الشعار الرسمي العربي الذي يقول «نقبل بما تقبل به منظمة التحرير» وبهذا التحول تحولت القضية الفلسطينية كما هي الآن من قضية قومية إلى قضية وطنية (قطرية) وبعد أوسلو تحولت من قضية وطنية إلى قضية فصائل.
2- استبدال الدول العربية إيران بإسرائيل لتكون عدونا القومي.
3- الثقة بالشرعية الدولية التي تسيّرها الولايات المتحدة الحليف المخلص لإسرائيل دون تخطيط ومتابعة وحسن توظيف دبلوماسي وسياسي رسمي عربيًا.
ولنتذكر آخر شاهد على استهتار الإدارة الأميركية الحالية بالشرعية الدولية واستخفافها بالأمة العربية حينما أعلنت مؤخرًا أن هضبة الجولان إسرائيلية.
أما أخطاء الجانب الفلسطيني فهي:
1- بعد حرب أكتوبر 1973 أصبح اهتمام قيادة المنظمة بمن يمثل الفلسطينيين أكثر من اهتمامها بالتحرير وفي ذلك الإطار نازعت الأردن سياسيًا بدل التركيز على تحقيق شعارها عن التحرير.
2- على خلاف منظمات حرب العصابات الملهمة بنجاحها والتي كان لكل منها قيادة واحدة تشكلت المنظمة ومازالت حتى يومنا هذا من فصائل كانت جميعها ماعدا منظمة فتح تتبع في قيادتها الدول العربية التي أنتجتها واحتضنتها فأصبح للمنظمة عدة رؤوس بدل رأس واحد، وهذه الرؤوس كما تعلمون كانت في كثير من الأحيان متنافسة أو متنازعة.
3- اتفاق أوسلو الذي وافقت فيه منظمة فتح الجهة المفاوضة على تأجيل البحث في أهم ثلاث مشكلات هي: القدس واللاجئين والحدود.
دعونا الآن نتفحص الواقع الحالي، فالدولة الفلسطينية التي ظن المفاوض الفلسطيني أنها ستكون على الضفة الغربية وقطاع غزة قبل عام 2000 لم تبرز حتى الآن بل أن السائد دوليًا أن حل الدولتين ولد ميتًا من الأصل أو أن الاستيطان في الضفة الغربية بلغ من حيث الأرض أنه بلع معظمها بحيث أنه لم يتبق مساحة فيها تكفي لإقامة دولة، ومن ناحية عدد المستوطنين قد بلغ ما يقرب من الـ700 ألف مستوطن، ولعله من المفيد أن نتذكر أن عدد اليهود في فلسطين حينما أتخذ قرار التقسيم عام 1947 كان 500 ألف فقط.
هذا هو الواقع الذي غذّاه نحو مزيد من التشاؤم الإدارة الأميركية الجديدة بقراراتها عن القدس ثم سحب اسهامها في وكالة غوث اللاجئين وإغلاقها مكتب منظمة التحرير في واشنطن. وأخيرًا بصفقة القرن التي تشغل بال كل شخص من حيث ما عرفه الناس عما تسرّب ومن سلوك صاحبها المعارض تمامًا للأمل الفلسطيني، ففي ظل هذا الواقع هل يمكن أن يبقى للتفاؤل مكان في النفوس؟ سأجيب عن نفسي وأقول: أنا شخصيًا متفائل فكريًا على المدى البعيد وليس سياسيًا على ضوء الأمر الواقع، ومرد تفاؤلي على المدى البعيد هو دراسة تاريخية قمت بها قبل أربعين سنة أي عام 1979 عن جدلية العلاقة بين المستوطِن والمستوطَن في العصور الوسطى والحديثة، وتبيّن لي من دراسة حالتين في القرون الوسطة وهما استيطان العرب في الأندلس مدة سبعمائة عام أخرجوا بعدها عام 1492، واستيطان الفرنجة في بلادنا تحت اسم الحروب الصليبية والذي استمر قرنين كاملين انتهى عام 1291، إذن هذان الاستيطانان المتعلقان بأمتنا فشلا سواء كنا نحن المستوطنين كما في إسبانيا أو كان الفرنجة هم المستوطنون كما في بلادنا في شرق المتوسط.
وعاينت بالدراسة التاريخية الاستيطان الأوروبي مع بداية العصور الحديثة في الأميركيتين وفي أفريقيا وفي استراليا ونيوزيلاند، لقد نجح في الأميركيتين وأستراليا ونيوزيلاند وفشل في أفريقيا، وبالتحليل العلمي الدقيق تبيّن لي أن العامل الذي يقرر مصير الاستيطان هو العدد سواء كان عدد المستوطِن أو عدد المستوطَن ولكن نجاح المستوطن بالعدد ينجح بشكل أسرع ومضمون مع التماسك الثقافي وأعطيت هذا العامل اسم العامل الثابت، فشل العرب في إسبانيا لأن العامل الثابت ما عاد ثابتًا حينما ظهر ملوك الطوائف المتنازعون، أما في منطقتنا حيث كان العامل الثابت غائبًا بسبب الإمارات في بلاد الشام التابعة للدولة الفاطمية في مصر وبسبب أن مصر وبلاد الشام كانتا تتبعان المذهب الشيعي بينما كان العباسيون في بغداد المنافسون للفاطميين يتبعون المذهب السنّي، وما أنجزه صلاح الدين أنه وثّق العلاقة بين بلاد الشام ومصر وحولهما للمذهب السنّي وهكذا فعّل العامل الثابت ببعديه العدد والتماسك الثقافي.
نعود للعصور الحديثة ونشرح سر نجاح الاستيطان الأوروبي في الأميركيتين وأستراليا ونيوزيلاند، جاء الأوروبيون إلى تلك البلاد كمكتشفين ثم تحولوا كمستوطنين وبعد ذلك أصبحوا هم المواطنين حينما جاءوا لهذه البلدان كمكتشفين انتصروا على أهلها بتفوقهم المتمثل بامتلاكهم البندقية (الدكّ–Musket) أي باستخدام وسائل القوة وبسبب الحروب الدينية في أوروبا جاء معظمهم كمهاجرين بعد أن مهّد لهم الطريق المستكشفون وبالتدريج صاروا هم الأكثرية أي امتلكوا العامل الثابت، العامل الآخر الذي لا يتصل بالعدد أطلقت عليه اسم العامل المتغير، وهو متغير لأن من الممكن اكتسابه على خلاف العامل الثابت.
ففي أفريقيا مثلًا ظل العامل الثابت إلى جانب السكان الأصليين لكن الاستعمار استمر بعامله المعتمد على التفوق الحضاري لكن بعد الحرب الثانية ونشوء الأمم المتحدة بميثاقها وبالعهود الدولية والقانون الدولي وبداية التحرر الوطني في الخمسينات قامت ثورات عدة في الدول الأفريقية الأمر الذي اقتضى من الدول الكبرى الضغط على الدول الغربية المستعمرة فاضطرت للانسحاب واستقلت معظم الدول الأفريقية. وبعضها مثل فرنسا المستعمرة في الجزائر اضطر الشعب الجزائري للثورة ضد المستعمرين ووقف العرب حكومات وشعوبًا مع الثورة الجزائرية الأمر الذي فعل العامل الثابت واضطرت فرنسا إلى الانسحاب واستقلت الجزائر.
كل هذه المقدمة لأقول إن نظريتي التي تحتاج من أجل التحقق لعشرات السنين وربما المئات تنطبق على إسرائيل وبهذا المعنى فإن إسرائيل محكومة بالإعدام وكل الذي فعلته حتى الآن وستظل تعمل عليه هو تعطيل العامل الثابت العربي كي تؤجل تنفيذ الحكم، هذه الدراسة ألقيتها في محاضرة في جامعة اليرموك وأرسلتها على الفاكس لصديقي المرحوم هشام شرابي الذي كان استاذًا في جامعة جورج تاون في واشنطن ومسؤولًا عن إصدار مجلة الدراسات الفلسطينية فترجمها للإنجليزية ونشرها في مجلة إسرائيلية كانت تصدر باللغة الإنجليزية واسمها (New Outlook) في آب عام 1980 وعلمت فيما بعد أن السلطات الإسرائيلية تحرّت عن شخصي من المرحوم أنور الخطيب محافظ القدس لأن هذا التحليل ينطبق عليها وأحد الشواهد على ذلك أن إسرائيل تستخدم مصطلح أمنها الوجودي كلما ذكرت عملية السلام.
على ضوء هذا يمكن أن نحلل الاستراتيجية الإسرائيلية من أجل هزيمتها وقبل أن أخوض في الموضوع بكل صدق وأمانة إن تفاؤلي الفكري قد أيقظته وأشعلته الفتاة البطلة عهد التميمي والفتى البطل عمر أبو ليلى لنتذكر أنهما شابان ولدا في ظل السلطة لأنهما أقل من عشرين عامًا أي أنهما ولدا وعاشا في ظل السلطة الفلسطينية وذلك بما فعلته عهد بالشرطي الإسرائيلي بصفعه على وجهه وبما قام به الشهيد عمر في مواجهة جيش الاحتلال والبطولة الخارقة التي أبداها لدرجة أن بعض مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية أطلقت عليه اسم رامبو. ما فعلاه كان بمثابة رسالة ضمنية مشتركة لكل من بن غوريون تقول له: «لقد أخطأت فإن الفلسطيني لن ينسى وطنه والجيل القادم هو المحرر» ولأصحاب أوسلو نقول لهم: «لقد أخطأتم لأنكم اتخذتم القرار دون أن تفهموا عدوكم وقد آن الأوان لتراجعوا ما فعلتم لتدشين بداية جديدة تؤمن لكم النجاح».
لكن ذلك لن يكون سهلًا لأن إسرائيل الواعية على هذه الحقيقة واعني العامل الثابت والمتغير لن تنتظر ما يأتي به الزمن كما نفعل بل تخطط باستمرار لتعطيل العامل الثابت والذي تم حتى الآن بفعل عربي في الظاهر وربما من ورائه إسرائيل في الباطن هو تغذية التجزئة والتفكك في جسم الأمة العربية بوسائل شتى أهمها تغذية النزاعات بين الدول مثلما كان الحال بين نهاية الخمسينات وحرب حزيران عام 1967 حيث انقسمت الدول إلى رجعيين وتقدميين، وبعدها في الألفية الجديدة إلى انقسام مذهبي وآخر اثني وثالث طائفي ورابع قبلي وجهوي. الأمر الذي أضعف جسد كل قطر عربي أي أن الدول العربية لم تخفق فقط في بناء الوحدة العربية أو التكامل الاقتصادي بل إنها دخلت في صيرورة التجزئة. وظفت إسرائيل هذا الوضع لتخلق عدوًا مشتركًا لها ولبعض الدول العربية كما هو الحال اليوم بدل أن تكون هي عدوهم أضافت إلى ذلك أنها طورت وغذّت عاملًا متغيرًا لموازنة العامل الثابت العربي وهو التطور العلمي والتكنولوجي الذي حققت بواسطته تغييرات سياسية لصالحها من خلال حاجة الآخر لها، الهند والصين ودول أفريقية كثيرة غيرت مواقفها والأهم من ذلك أن دولًا عربية تتعامل معها على هذا الأساس. وحتى يكون لتفاؤلي الفكري معنى لابد أن يعطي بعدًا عمليًا يتمثل بما يلي:

أن يعمل المثقفون والمناضلون العرب والفلسطينيون على (...) العلاقة بين بعض الدول العربية وإسرائيل وتصويرها على حقيقتها (...) وذلك من منطلق الحقيقة الأساس وهي أن نزاعنا مع إسرائيل هو نزاع قومي.

أن تتواصل الأجيال الشابة في مثل هذه البلدان ونبعث فيهم حسّهم العروبي وليفهم أن لغتهم عربية وحضارتهم عربية وأن بقائهم وتقدمهم مرهون بالتكامل العربي.

أن تتشكل خلية فكرية قومية وتقدمية في كل قطر عربي لتطوير مفهوم عملي للمرحلة القادمة والتنسيق مع الخلايا الشابة في الأقطار العربية الأخرى لإعادة النسيج القومي إلى مكانته فتقف في وجه الصهيونية كقومية يهودية عدائية توسعية في وطننا العربي، سواء كان توسعًا ترابيًا أو توسعًا في الهيمنة.

ميدان العمل هو العالم بأسره لمحاصرة الصهيونية أخلاقيًا وقانونيًا والمعركة هي معركة إيقاظ الضمائر الإنسانية الـBDS كانت حركة رائدة تؤكد هذا التوجه كما أن الصورة الآخذة بالانتشار بأن إسرائيل أقرب لدولة أبارتايد عنصرية وذلك ليس فقط من خلال سلوكها مع الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة بل من خلال قانون القومية التي أصدرته مؤخرًا هذه الحقيقة هي وسيلتنا لمحاصرتها أخلاقيًا.

أن نشمل في أهدافنا استمالة الشباب اليهودي في الدول الديمقراطية حيث تزداد أعداد الشباب الذين يرفضون أن تغدوا إسرائيل دولة أبارتايد.

إذ إسرائيل التي تعي تمامًا أن العامل الثابت العددي سيظل إلى جانب العرب فإنها تعمل على تعويضه بالتركيز على التقدم والتوسع في عامل متغير هو العلم والتكنولوجيا ولأنه عامل متغير أي يمكن اكتسابه علينا أن نركز عليه بالمقابل لأهميته في ربط المصالح الاقتصادية المشتركة بالسياسة.

وأخيرًا وليس آخرًا العمل على تثبيت أخوتنا العرب الفلسطينيين على أرض فلسطين بكل الوسائل الرسمية والشعبية والتطوعية لأنهم هم الذين يشكلون النواة التي من حولها وعليها ينمو العامل الثابت ويعيش. وبهذا نؤكد أيضًا أن فلسطين ليست الأردن والأردن ليس فلسطين فهما قطران عربيان متجاوران. وفي هذا الميدان سيجد كل فرد منا مجالًا لشرف المساهمة.
أشكركم سيداتي سادتي والسلام عليكم