
نسرين زريقات بعد الحُكم بالبراءة: الكابوس انتهى.. لكنَّ الألم لا يُمحى

بعد سنواتٍ من الاتهامات والتّحقيقات، وبعد تجربةٍ مريرةٍ حافلةٍ بالتّشويش والضّغوط، أسدلَتْ محكمة التّميّيز السّتار على القضيّة الّتي لاحقت المحامية والنّاشطة الحقوقيّة نسرين صخر زريقات، بإصدار قرارِ براءتها النّهائيّ من جميع التُّهم المنسوبة إليها، مؤكِّدةً بذلك ما كانت تؤمن به منذ البداية: أنَّ الحقيقة لا تُهزم، وأنَّ العدالة قد تتأخّر لكنَّها لا تغيب.
في أوّلِ حديثٍ صحفيٍّ لها بعد القرار، تفتح زريقات قلبها لـ”ملح الأرض”، وتتحدَّثُ عن لحظة البراءة، وعن التّجربة القاسية الّتي مرّت بها، والّتي لم تُفقدها إيمانها بعدالة قضيّتها، ولا أضعفَتْ تمسكها بالمبادئ الّتي لطالما دافعَتْ عنها.
لحظةٌ ثقيلةٌ بالمشاعر
عن شعورها لحظة صدور الحُكم، تقول زريقات “كانت لحظةً ثقيلةً بالمشاعر نعم، شعرتُ بالارتياح لأنَّ الحقيقة ظهرَتْ، وبأنَّ العدالة أنصفتني أخيرًا، لكنَّها لم تكُنْ لحظة انتصارٍ فقط، بل لحظة استيعابٍ لحجم الأذى النّفسيّ والمعنويّ الّذي مررتُ به، البراءة لم تمحِ الألم، لكنَّها منحتني مساحةً للتنفُّس والاستمرار وبالضبط شعرتُ أنَّ الكابوس انتهى”.
موضِّحةً أنَّه “لم يتمْ توقيفي فعليًّا، فقد أُخلي سبيلي بالكفالة في نفس اليوم لكن بلا شكّ فإنَّ عملي في مجال حقوق الإنسان والحرّيّات العامّة، خاصّةً المُتعلِّقة بحقوق السُّجناء وقضايا التّعذيب وغيرها، كان دائمًا في دائرة الاستهداف شعرتُ أنَّ هُناك محاولة جادّة لإسكاتي، وإضعافي، واغتيالٍ مقصودٍ لشخصيّتي، أو على الأقل التّشويش على مواقفي، ما حدث لا يمكن فصله عن كوني امرأة تنشط في مساحة عامّة، وتتبنّى خطابًا ناقدًا ومُناصرًا بشكلٍ مُطلقٍ لقضايا حقوق الإنسان”.
نسرين زريقات
دروس قاسية ومواقف ثابتة
مُضيفة زريقات أنَّ تجربتها كانَتْ مُحفِّزةً على التمسُّك أكثر بالمبدأ خرجت بدروس عميقة، “تعلّمتُ أنَّ الصّلابة لا تعني غياب الألم، وأنَّ العدالة تحتاج لجهد وصوت ومثابرة كما أيقنتُ أنَّ المبادئ لا تتجزّأ، والدّفاع عنها يحتاج الشّجاعة والصّدق، وأنَّ الحقّ أبلج، وأنَّ الظلم دومًا خاسر في معارك الحقّ، وأيقنتُ ضرورة وجود شبكة دعم قانونيّة ومُجتمعيّة لأيّ مُدافع أو مُدافعة عن الحقوق وعلى المستوى الشخصيّ، أصبحتُ أكثر إصرارًا على موقفي، وأكثر وعيًا بتكلفة الدّفاع عن المبادئ”.
ثقة بالقضاء مع ملاحظات على بطء الإجراءات
وأعربتِ المحامية نسرين عن مشاعرها بقساوة التّجربة، فهي تحتفظ بإيمانها بالقضاء الأردنيّ “كان القضاء نزيهًا وعادلًا، وتوفّرت خلال المُحاكمة ضمانات المُحاكمة العادلة، لكنَّ القضيّة استغرقتْ ثلاث سنوات، من وجهة نظري، المنظومة بحاجة إلى تطوير يضمن سرعة أكبر في إجراءات التّقاضي، خاصّةً في القضايا الّتي تمسُّ المُدافعين عن الحقوق والنّساء تحديدًا”.
تقصير من مؤسّسات حقوق الإنسان
ومن جهتها علَّقَتْ زريقات فيما يتعلّق بتجربة تعامل مؤسّسات حقوق الإنسان مع قضيّتها، لا تُخفِ خيبة أملها من بعض الجهات، وتقول لـ ملح الأرض: “توقَّعتُ دعمًا أكبر من بعض المؤسَّسات الحقوقيّة، خاصّةً في المراحل الأولى شعرتُ أحيانًا أنَّ هناك تحفُّظًا في إعلان التّضامن هذه التّجربة فتحت عينيّ على أهمّيّة أنْ تكون هذه المؤسّسات أكثر جرأة، وأكثر تواصلًا في تقديم الدّعم والمُساندة والتّضامُن”.
رسالتُها للنّساء: لا تعزلي صوتكِ
وفي ختام حديثها، وجّهَتْ زريقات رسالة قويّة للنّساء العاملات في مجال القانون وحقوق الإنسان، قالَتْ فيها: “كوني شُجاعةً، واثقةً، ولا تسمحي للخوف أنْ يُغيّب صوتك، الطّريق ليس سهلًا، لكنَّه يستحقّ، ادعمي نفسك بشبكة نسويّة قويّة، ولا تعزلي نفسك وحتّى في أحلك اللّحظات، تذكّري أنَّك لستِ وحدك، وأنَّ هذا الوطن بحاجة لكلّ صوت يُطالب بالحقّ والعدالة والكرامة”.
خلفيّة القضيّة
ومن الجدير بالذّكر أنَّ نسرين صخر زريقات هي مُحامية وناشطة أردنيّة بارزة في مجال حقوق الإنسان، تشغل منصب مُفوَّض تعزيز في المركز الوطنيّ لحقوق الإنسان. نالَتْ عدّة تكريمات محلّيّة ودوليّة، وتعدُّ من أبرز الأصوات المُدافعة عن قضايا السُّجناء، وحقوق النّساء، ومُناهضة التّعذيب في الأردن عُرِفَتْ بمواقفها الجريئة ونشاطها الميدانيّ، حتّى أصبحَتْ من أبرز الوجوه الحقوقيّة في المملكة.
وقد خلصتِ المحكمة إلى عدم وجود أيّ أساسٍ قانونيّ أو واقعيّ للاتهامات الموجّهة ضدّ الأستاذة زريقات وعددٌ من زملائها، من بينهم المُفوّض السّابق الأستاذ علاء العرموطي، والسيّدة رشا نكاي، والسيّدة أماني حسونة.