ذوو إعاقة غياب سياسات “الدمج”..مزيد من التهميش

في ظل غياب سياسات “الدمج” الفعالة لذوي الإعاقة عن الأجندات الحكومية، وغياب الإهتمام الجدي والواضح بهذه الفئة، يعاني ذوي الإعاقة من التهميش والعزل في الكثير من الأحيان وربما انتهاك المعايير الأخلاقية وسوء التعامل في مواقف عديدة ، فيزيد ذلك من عزلتهم الاجتماعية ويجعلهم أكثر هشاشة وعرضة للمخاطر.

حازم حجازين أحد الاشخاص ذوي الإعاقة وهو أحد المهتمين بالأشخاص ذوي الإعاقة في محافظة الكرك وفي الأردن عامةً تحدث لـ ملح الأرض بالتفصيل عن أبرز التحديات التى تواجههم “يوجد لدينا تحديات كثيرة فيها المهم وفيها الأهم وأكبر تحدي يواجه ذوي الإعاقة في الوقت الحاضر هي الوظيفة وهي أساس توفير لقمة العيش حيث أن ديوان الخدمة المدنية بطيء جداً في توظيفهم لأنه كل شخص من ذوي الإعاقة له مشكلة معينه وهذا يسبب صعوبة في تهيئة مكان لهم بشكل كامل مثل الأشخاص المقعدين حركياً، لا يوجد أماكن مناسبة لهم بالإضافة لعدم وجود شاغر كذلك الصم الذين يحتاجون لمترجم حيث لا يتوفر المترجمين في كل مؤسساتنا”.

ويتابع حجازين: “المشكلة الثانية أنه لا يوجد مراكز جدية تهتم بذوي الإعاقة تعطيهم دورات أو خبرة تفيدهم بحياتهم العملية وتهيئتهم لدخول سوق العمل وإنشاء مشاريعهم الخاصة حتى يشعره أولئك الأشخاص أنهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات”.

ويضيف لـ ملح الأرض :”المشكلة الأخرى التي نواجهها كأشخاص ذوي إعاقة أنه لا يوجد اهتمام بحياتنا اليومية حيث أنه ليست جميع الأماكن مهيئة لنا كالمؤسسات والمحلات التجارية والأسواق والشوارع أيضاً غير مهيئة لذوي الإعاقة الحركية”.

كما يضيف: “أيضا نواجه مشكلة مع المدارس غير المهيئة لنا بالرغم من صدور قانون سنة 2017 الذي ينص على إعطاء المدارس عشرة سنوات لتهيئتها للاشخاص ذوي الإعاقة ولكن بعض المدارس لم تهيأ لليوم ويوجد طلاب ينتظرون تهيئة هذه المدارس لإكمال تعليمهم”.

أما المشكلة الأخيرة حسب الترتيب الذي تحدث به حجازين لـ ملح الأرض: ” هي ثقافة العيب لأنة وللأسف المجتمعات والبيئة المحيطه بنا قاسية علينا، أتحدث عن نفسي فقد حصلت على شهادة الدكتوراة وكسرت جميع الحواجز ولكن عند نزولي للشارع  تتجه جميع الأنظار لي وكأني جسم من الفضاء ويجب أن يكون للإعلام دور في ثقافة المجتمعات بأن يتم معاملتنا بشكل طبيعي”.

حازم حجازين

وتابع: “طبعا… لا ننسى المواصلات حيث نشيد بوجود إعفاء جمركي للأشخاص ذوي الإعاقة لكن لا يستطيع البعض شراء سيارة لذلك يجب تهيئة المواصلات والنقل العام وخاصة المحافظات ونرجوا أن يكون هناك إهتمام من المسؤولين وخاصة بلدية الكرك الكبرى والأشغال بخصوص هذا الموضوع”.

ويأمل حجازين عبر ملح الأرض من الأشخاص الجامعيين والمثقفين بتنسيق دورات وعمل مبادرات للأشخاص ذوي الأعاقة وخاصة في محافظة الكرك وأن يكون هناك نادي ترفيهي للإستمتاع وممارسة الهوايات: ” لا ننكر جهود المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة وتواصله واستراتيجياته مع جميع المؤسسات سواء في التعليم أو في التوظيف أو التأمين الصحي لكن الأمور تسير ببطئ شديد”.

وينوه الحجازين إلى وجود عدد كبير من الاشخاص ذوي الإعاقة في الكرك حيث يصل عددهم إلى ما يقارب الـ 4000 شخص.

وأشار حجازين إلى وجود اهتمام من الكنائس في ما يخص الأشخاص ذوي الإعاقة في عمان والرزقاء وجرش ومادبا: “تقدم الكنائس الرعاية والتعليم لهم لكن هذا لا يحصل بالجنوب حيث لا يوجد أي كنيسة أو مركز ديني مسيحي يقدم الخدمة للأشخاص ذوي الإعاقة”.   

تروي لـ ملح الأرض الشابة الكفيفة روان مراحل حياتها مع الإعاقة البصرية:” درست من الروضة إلى الصف التاسع في مدرسة خاصة وبعدها بدأت أواجه مشاكل بالنظر وعندها بدأت المشاكل مع المعلمين، لم يكن الدمج كما هو مفروض أن يكون وكنت أشعر بالإختلاف وعانيت من التنمر من بعض الطلبة، وهذا ما قادني أن أدرس بمدرسة خاصة بالمكفوفين في منطقة عبدون وكان أسوأ اختيار لي وتغيرت فيها شخصيتي للأسوأ، بسبب ضعف التعليم حيث لم نكن نأخذ المهارات الكافية،  وللإنصاف كانت هذه المدرسة تسهل الحصول على منحة للمكفوفين لدخول الجامعة في حين أننا لم نكن نستطيع الحصول عليها في المدارس العادية” .

وتضيف: “واجهت صعوبة في المواصلات للوصول لهذه المدرسة فاضطررت للعيش عند بيت أحد اقاربي لمدة سنة ونصف والذين يعانون أولادهم من نفس المشكله التي أعانيها وكنا نذهب لنفس المدرسة وأرجع لبيتي أيام العطل فقط وكانت هناك مشكلة بالدمج في هذه المدرسة حيث كان يتم دمج الأطفال الذين لديهم فقدان جزئي للبصر مع الأطفال المكفوفين بشكل كامل بالإضافة لإعاقات أخرى بنفس الصف”.

وتابعت: “أنا حالياً  أفضل الدمج على الرغم من أنني لم أكن أفضله سابقاً لكن قبل هذا يجب تدريب المعلمين وإعطائهم المهارات اللازمة للتعامل مع ذوي الإعاقة، لأنه يوجد تمييز بين الطلاب ولم يكن تعاملهم جيد بالقدر الكافي معنا وكان أحد الأسباب لخروجي من المدرسة بسبب مشكلة مع أحد المعلمات هناك”.

 

وتشدد روان لـ ملح الأرض على وجوب قبول المعلمين إلى الإختلاف بين الطلاب لأنه الأساس ويؤثر عليهم: “لأن الطلاب يسمعون لكلام المعلمين ويتقبلون آرائهم بالإضافة إلى أنه يجب تهيئة المدارس بشكل مناسب للأشخاص ذوي الإعاقة، على سبيل المثال كنت أعاني من استخدام الحاسوب بسبب ضعف بصري وهذا كان يسبب الإزعاج للمعلمة ولم يفكروا في إيجاد الحلول لنا، ولا يجب دمج الأطفال الذين يملكون إعاقات مختلفة مع بعضهم لأن لهم إحتياجات مختلفة”

وواصلت حديثها: “تحمل أهلي جزء كبير من معاناتي بشكل مادي ومعنوي حيث كانت مدرستي بعيدة عن مكان سكني ولم أكن أرغب بإكمال دراستتي الثانوية  في بيت أقاربي وعدت لمنزل أهلي  فاضطررنا لدفع مبالغ كبيرة للمواصلات في ذلك الوقت، في حين أن الإيجابات التي كانت بالمدرسة أنه لم يكن هناك تمييز بين الطلاب بالإضافة أنها كانت مهيئة بشكل جيد حيث كنا ندرس مادة الحاسوب بإستخدام البرامج الناطقة وكنا نستخدم أوراق ( بريل ) للأشخاص المكفوفين”.

اقرأ أيضا: هل الكنائس جاهزة لاستقبال ذوي الإعاقة؟

عودةً إلى محافظة الكرك حيث ثناء الهلسة خريجة جامعة مؤتة لغة إنجليزية وآدابها تعمل اليوم في مركز رعاية وتأهيل في محافظة الكرك تحدثت لـ ملح الأرض في السياق نفسه: “بدأت كأخصائية إجتماعية ومن ثم كأخصائية نفسية وثم تدرجت بالوظيفة إلى أن أصبحت مساعد مدير ثم انتقلت لمديرية تنمية الكرك في قسم الأحداث والأمن المجتمعي”.

عادث ثناء بذاكرتها إلى مقاعد الدراسة وما كانت تحمله من مشاعر تختلط بين الاستياء والتحدي : “أثناء مرحلة الدراسة لم يكن هنالك تقبل لذوي الإعاقة في المجتمع  حتى على مستوى المشاركة في الصف لم أُعطى المجال للمشاركة، وأصبح الموضوع بالنسبة لي أقرب إلى تحدي فأصبحت أحصل على درجات دراسية عالية لتجاوز هذا التهميش إلى أن برز اسمي على لوحة الشرف في المدرسة” .

وتضيف لـ ملح الأرض: “كانت وما زالت غالبية المدارس ترفض إستقبال الطلاب ذوي الإعاقة، وأنا لم تستقبلني المدارس إلا بكتاب رسمي من مدير التربية دون إبداء أي أسباب، ولكنني تخطيت هذة الحواجز، إلى أن أصبحت أول شخص من ذوي الإعاقة في الجنوب يحصل على شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة والأولى في الجنوب التي تحصل على رخصة قيادة، وحين تقدمت لإحدى الوظائف الحكومية رفضو مقابلتي بسبب وضعي الصحي”.

ثناء الهلسة

أما اليوم تقول هلسة: “ما زالت هذه النظرة موجودة في المجتمع لكن بشكل أقل مما كانت علية في السابق، وفي الجامعة أعتقد أني كنت العتبة الأولى لتغيير نظرة المجتمع لذوي الإعاقة ، خاصةً الأشخاص المقعدين لأنني تخطيت جميع الحواجز بحصولي على شهادة البكالوريوس”.

وبكل فخر تقول هلسة: “لم أكن اشعر أن وضعي الصحي عائق  لحصولي على هذه الدرجة العلمية على العكس تماماً بل كان حافز بالنسبة لي، أما التحدي الأصعب قد كان المجتمع، ويجب على المجتمع تقبل ذوي الإعاقه بموضوع الدمج لأنه لا يمكن فرض الفكرة عليه بالإضافة أنه يجب أن يكون هناك إرادة من صاحب الإعاقة بأن يندمج في المجتمع ليكون قادر على التحدي وهي أهم سلاح بالنسبة لي”.

وتنأى هلسة كلمة الدمج لأنه ومن وجهة نظرها أن الأشخاص ذوي الإعاقة جزء من المجتمع فهم مواطنون يحملون الجنسية الأردنية ولهم حقوق و واجبات.

 وغاية آمالها -في ختام حديثها- أن يتقبل المجتمع الأشخاص ذوي الإعاقة: “هذا ما تحدّثنا به أدياننا، ونحن نرغب بالعيش والعمل ونعتمد على أنفسنا في المجتمع فأرجو إعطائنا فرصة”.

ومن جانبه تحدث الصحفي والناشط في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية رامي زلوم لـ ملح الأرض:” أهم نقطة ممكن أن نتكلم عنها هي الوعي والمعرفة بقضية الأشخاص ذوي الإعاقة سواء من المجتمع أو صاحب الأعاقة نفسه وعائلته، ف كلما زاد الوعي زادت مكتسبات الحقوق وكلما زادت معرفتنا في الحقوق كلما استطعنا المطالبة بها”.

رامي زلوم

ويشير: “بالنسبة للمجتمع فهو إذا كان واعياً بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة واعتبروهم أشخاص لهم حقوق و واجبات يمكن أن تصل هذه الحقوق بشكل مباشر دون الحاجه لوجود قوانين تلزم المجتمع لتوفير هذه الحقوق، حيث يوجد قانون يلزم الشركات بوجود 4% من نسبة الموظفين بالشركة من الأشخاص ذوي الإعاقة فبوجود مسؤولين يملكون الوعي وإدراك تام بهذا المجال يمكن توفير جميع التسهيلات دون اللجوء لهذا القانون، لكن مع الأسف الشديد هذا الشيء غير متوفر في مجتمعنا وهذا ما يزيد التحديات أمام الأشخاص ذوي الإعاقة”

ويتابع لـ ملح الأرض: “أما على مستوى التعليم  يوجد قوانين كثيرة شملت التعليم سواء في حقوق الطفل أو حقوق ذوي الإعاقة ولجميع الأفراد دون إستثناء، ولكن للأسف يوجد مدارس ترفضنا لأساب كثيرة , ومنها أن المدرسة غير مستعدة لتحمل مسؤوليتهم وخاصة الذين يعانون من إعاقة حركة أما الأشخاص الذين يعانون من مشاكل عقلية يسببون خوف للطلاب الآخرين وهذه أسباب لا تستند على أسس صحيحة”.

ويعتقد زلوم أنه عند ذكر الأشخاص ذوي الإعاقة يتبادر لذهن البعض أنها إعاقة ذهنية أو عقلية :”يوجد أنواع كثيرة من الإعاقة ولذلك هم بحاجة لتوفير متطلبات صحيحة وبيئة سليمة أكثر من وجود عناية خاصة بهم ليتمكنوا من الوصول لحقوقهم بشكل كامل وطبيعي وحتى عند توفير هذه المتطلبات لا تكون بالشكل المطلوب أو الشكل الصحيح”

سامي ايوب

سامي أيوب صاحب مؤسسة “قلبي” وهي منظمة غير ربحية تنقسم لثلاث أقسام ( قلبي يعطي، قلبي يشفي، قلبي يعلم)، تحدث لـ ملح الأرض عن مؤسسة قلبي بإيجاز: “قلبي يعطي مختصة بإعطاء الطرود الغذائية والكراسي المتحركة والعكازات وغيرها من العطايا، أما قلبي يشفي فنحن كنا نملك عيادة طبية مجانية ولكنها مغلقه الأن وكنا نعطي جلسات علاج طبيعي في المنازل وتم إيقافها حالياً، أما قلبي يعلم  فنحن نملك مركز في منطقة أبو نصير بعمان وهو مركز لتدريب الأشخاص ذوي الإعاقة وتأهيلهم بالمجتمع وحالياً أعطتنا الكنسية قطعة أرض و سنقوم ببناء مركز تدريب وعلاج وظيفي و طبيعي ومنطقة العاب لذوي الإعاقة، بالإضافة إلى أننا نتلقى دعم من كنائس مختلفة ومن مجلس الكنائس بالتحديد”.

ويضيف: “يوجد لدينا نظام بورتيدج هو نظام للأطفال والنظام الأساسي ونظام للأعمار الأكبر ويتم من خلال هذه الأنظمة تعليم الكبار على مهنة أو حرفة معينة وأصبحنا نبيع منتجاتهم لهم، أما الأطفال فيتم تأهيلهم وصولا بهم الى مرحلة الإستقلالية او ما يسمى تعليم الخطط ويتم تدريب الأطفال بشكل فردي ويتم تدريبهم على المهارات الحياتية والسلوكية والإجتماعية والأخلاقية”.

وبدوره أوضح أيوب في حديثه لـ ملح الأرض أن من المهم دمج ذوي الإعاقة في مجتمعنا إلا أن المجتمع لا يتقبلهم الى الأن: “حالياً أصبح هناك انفتاح لتقبل ذوي الإعاقة في عمان حيث تم تأهيل ببعض الأماكن كالشوارع والمطاعم والمؤسسات الحكومية وغيرها على عكس بعض المحافظات الأخرى حيث أن بعض العائلات هناك تخجل من أطفالهم”.

وأنهى حديثه قائلاً: “يجب توعية المجتمع لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال عقد ندوات وعمل بروشورات وهذه تحتاج الى تمويل حيث حصلت  قبل مدة على تمويل وقمت بعمل دورة توعوية في سوريا وهذا النوع من الدورات تؤثر بشكل كبير في المجتمع”.

وحسب آخر تصريحات رسمية في عام 2020، أوضح المجلس الأعلى للسكّان  في الأردن، أنّ نسبة الأردنيين من ذوي الإعاقة تبلغ 11.2% من مجمل السكّان الأردنيين ممّن أعمارهم خمس سنوات فأكثر، ويشكّلون ما نسبته 11.7% من الأردنيين الذكور، و10.6% من الإناث الأردنيات.  حيث أن الإعاقة البصرية (صعوبة الرؤية) كانت الأكثر انتشاراً بين الأردنيين وبنسبة 6%، تليها الإعاقة الحركية (صعوبة المشي) بنسبة 4.8%، ومن ثم الإعاقة السمعية (صعوبة السمع)، بنسبة 3.1%. 

أضف تعليقك