“تحذير” شديد اللهجة!
لا يمكن تصنيف ما تضمنته محاضرة رئيس الوزراء معروف البخيت، أول من أمس في نادي الملك الحسين، إلاّ باعتبارها "رسالة سياسية" تفصح عن القراءة الرسمية الأردنية لتحضير السلطة الفلسطينية للإعلان عن "قيام الدولة الفلسطينية" من طرف واحد، في أيلول (سبتمبر) المقبل.
الرسالة الأردنية عكست، أيضاً، قلقاً -لم يكن خافياً في جُمل البخيت- من الخطوة الفلسطينية المرتقبة، بخاصة في ملفي اللاجئين والقدس، وما قد تتضمنه هذه الخطوة من "تنازلات" تمس ملفات على صلة بالأردن كاللاجئين!
الرسالة تضمّنت، كذلك، تلويحاً غير مسبوق، وشديد اللهجة، برد فعل، تُرك مبهماً وغير محدد، عندما أعاد البخيت التذكير بمقاومة الأردن، تاريخياً، لأي حلول إسرائيلية وخارجية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب مصالحه الوطنية العليا.
بل تجاوز الرجل اللهجة الدبلوماسية، بلغة غير اعتيادية، عندما تحدّث في أمرين اثنين: الأول، أنّ العلاقة مع القضية الفلسطينية تتجاوز البعد العاطفي، فهي قضية أمن وطني ومصالح بامتياز، وذلك في إشارة إلى "مستوى القلق الأردني"؛ والثاني، قوله "لن نسمح لأيٍّ كان أن يحتكر تمثيل ملف اللاجئين"، وأضاف "الدولة الأردنية هي من يمثّل مواطنيها، واللاجئون الفلسطينيون في غالبيتهم جزء من الدولة الأردنية"، ولا يخفى ما تبعثه هذه الجملة الاستثنائية من "رسائل" إلى السلطة الفلسطينية!
لم يقف البخيت عند هذا الحدّ، إذ تجاوزه إلى التلويح بإعادة النظر في التحالفات على الجبهة الفلسطينية، عندما قال "إن علاقة الأردن مع الأطراف المختلفة، بما فيها الفلسطينية، ليست علاقة عاطفيّة بل هي علاقة سياسيّة قائمة على اعتبارات المصالح الأردنيّة العليا، وكلّ ما يخدم هذه المصالح هو حليف للأردن، وكلّ مَن يحاول التفريط بهذه الاعتبارات، هو في الخندق المعادي، بغض النظر عن نواياه ومشاعره".
إذن، نحن أمام قلق أردني واضح من السياق الحالي لإعلان الدولة الفلسطينية في أيلول (سبتمبر)، خشية أن تؤثّر "الصيغة الواقعية" لهذه الدولة على "قرارات الشرعية الدولية"، فيما يخص اللاجئين الفلسطينيين بدرجة رئيسة، وفقاً لما يُفهم من كلام البخيت.
ما لم يقله البخيت، صراحةً، ويتركه لنا، هو أنّ الأردن لا يشعر بالارتياح للخطوة الفلسطينية، من دون وجود "ضمانات" دولية وأميركية. وإذا حاولنا الاقتراب أكثر من هذا "السيناريو"، فإنّ الملامح الرئيسة تبدو فيما سمعته، شخصياً، من سياسي أميركي زار الأردن قبل أسابيع، لمّح إلى احتمال انسحاب إسرائيلي، أحادي الجانب، من الضفة الغربية، وهو إذا ما وُضِع إلى جانب "الخطوة الفلسطينية"، سنكون أمام "دولة الأمر الواقع"، التي تتم على أجزاء كبيرة من الضفة وغزة، من دون التزام إسرائيلي أمام المجتمع الدولي بحل قضيتي القدس واللاجئين ومسألة الحدود، ما يعني "إعفاءً" لإسرائيل من ضغوط دولية مرتبطة بعملية التسوية، مع ضمان "الأمن" الكامل مع "الكيانات الجديدة" في الضفة وغزة.
المفارقة الأخرى أنّ هذه الرسالة تأتي عشية اتفاق المصالحة، ومن ثم اكتفاء الأردن بتمثيل متواضع جداً في الاحتفال بالقاهرة أمس، وفي ذلك رسالة أخرى! ربما تشترك مع تصريحات البخيت في التعبير عن حالة الغضب الأردنية من التهميش الإقليمي لدوره، وربما تمثّلان معاً صحوة، لكنها متأخرة جداً، كما هي الحال عندما بدأت المؤسسة الرسمية "حواراً خلفياً" مع حماس في الأيام الأخيرة. ذلك هو "الشق" الظاهر، أما الباطن، فتفاصيله بين "مطبخي" عمان ورام الله!
على كلٍّ سننتظر كيف سيستقبل المسؤولون الفلسطينيون "الرسالة الأردنية" المفاجئة، وفيما إذا كان المقصود منها تنبيه الفلسطينيين إلى رد الاعتبار للمصالح والدور الأردني!
الغد