"يهودية الدولة" عصا مصطنعة بعجلات متوقفة
أحدثت الحكومة الإسرائيلية مشكلة مصطنعة تماماً دون أي سبب أو حجة بشأن طلبها من الأشخاص الراغبين في الحصول على الجنسية الإسرائيلية أن يتعهدوا بالولاء لإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، فمرة أخرى، يحاول الإسرائيليون دفع مشاكلهم الداخلية إلى الآخرين وترددهم في دفع الثمن اللازم لعملية السلام نحو الآخرين.
صورت جريدة يديعوت أحرونوت اليومية الإسرائيلية في الرسم الكاريكاتوري غرابة العائق الإسرائيلي الأخير لعملية السلام حيث أظهر الكاريكاتير الذي رسمته الرسامة الساخرة دانييلا، المثقفين العلمانيين الإسرائيليين وهم يرفضون فكرة يهودية إسرائيل، وفي الوقت نفسه يصور الرسم زعماء اليهود المتزمتين وهم يرفضون أيضاً الفكرة ذاتها؛ وفي نفس الكاريكاتير، يحاول زعيم الجناح اليميني الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، إقناع امرأة فلسطينية محجبة بتقديم التعهد ذاته مقابل منحها الجنسية.
بعد 63 عاما على إنشاء الدولة الإسرائيلية، يعكس هذا الكاريكاتير حقيقة أن إسرائيل ليس لديها دستور يضمن حقوق مواطنيها، ولا سيما الأقليات، فالإسرائيليون العلمانيون يفضلون وضع دستور أو قانون أساسي بدل تعهد التجنس الذي لا فائدة قانونية له، ويخطط حزب المعارضة، كاديما، للدفع باتجاه قانون يعتبر إعلان استقلال إسرائيل بمثابة قانون أساسي ومن ثم تكون له سلطة الدستور القانونية.
إن مثل هذا التكتيك التشريعي سيضع، بالطبع، الحكومة في مأزق؛ وسيكون من الصعب الاعتراض على الفكرة، ولكن، وفي الوقت نفسه، فإن الموافقة على مثل هذا القانون لن تستبق الجهود الحالية لتحويل قرار الحكومة إلى قانون فحسب، بل ستسبب أيضاً انقساما كبيراً في الأحزاب الدينية اليهودية.
قد يفاجأ البعض حول هذه المسألة، لماذا يقف اليهود المتدينون ضد إعلان إسرائيل دولة يهودية؟ والسبب بسيط وهو أن الإسرائيليين ولعقود من الزمان، كانوا قد تورطوا في مناقشات لا نهاية لها في ما يتعلق بسؤال بسيط ألا وهو "من هو اليهودي".
يشعر الإسرائيليون المتزمتون أن طائفتهم اليهودية هي الشرعية، في حين أن اليهود الذين يشكلون غالبية يهود الشتات (وخصوصا الموجودين في الولايات المتحدة) هم من اليهود الإصلاحيين أو المحافظين، ولذلك، فمن الواضح أن يهودية إسرائيل بأكملها هو عمل مضنٍ يهدف إلى إرضاء ليبرمان وحزبه من ناحية وفي الوقت نفسه تحويل الاهتمام بعيدا عن الضغط الحقيقي الذي تقبع تحته إسرائيل أمام العالم بأسره، بما في ذلك الولايات المتحدة، للاستمرار في وقف الأنشطة الاستيطانية بينما تستمر المحادثات المباشرة.
إن الفلسطينيين بالطبع لديهم أسباب كثيرة لرفض الطلب الشائن وغير المنطقي كلياً الذي أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي طالباً من الفلسطينيين الاعتراف بيهودية إسرائيل مقابل وقف إسرائيل أنشطتها الاستيطانية غير المشروعة لمدة شهرين فقط.
إن إدخال الدين في الصراع العربي الإسرائيلي تم رفضه باستمرار من قبل الفلسطينيين والعرب، فالصراع هو صراع وطني يركز على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية وعلى الحق الوطني للفلسطينيين في تأسيس دولتهم الوطنية (وليس الدينية)، وبقبول دولة إسرائيلية كدولة ذات طابع ديني فإن نقطة المرجعية لحل الصراع ستوضع بكاملها في حالة من الفوضى الشاملة، ولن يكون للمعاهدات الدولية ولا لأي قانون أي أساس قانوني لإيجاد الحلول ولكن القانون الإلهي قد يصبح هو المرجعية.
إذا كانت اليهودية هي المرجعية فستأخذ عندها مطالب إسرائيل لملكية الأراضي بعداً جديداً، حيث ستصبح الضفة الغربية المحتلة يهودا والسامرة أراضي الأجداد اليهودية المطالب بها؛ وقد تصل ادعاءات اليهود حتى إلى مواقع أخرى في لبنان والأردن، إذا ما أصبح الكتاب المقدس وإله اليهود صكاً للعقارات.
وبمجرد إدخال الدين في الصراع، فلن يقتصر على اليهود فقط بالتأكيد، فالمسلمون وخصوصا المسلمون الأصوليون لهم أيضا أفكار مماثلة حيث يعتبر أتباع الإسلام السياسي فلسطين التاريخية كلها وقفاً إسلامياً لا يسمح لأحد التفاوض حولها.
بالطبع، إن الخطر الفوري للمحاولات العنصرية في إدخال مباشر لليهودية في حكم إسرائيل يتعلق بوضع السكان الفلسطينيين المواطنين في داخل حدود 1948، حيث تبلغ نسبة حاملي جوازات السفر الإسرائيلية من الفلسطينيين اليوم 20 ٪ من السكان، وقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، بوضوح أن هدف حزبه هو نقل الغالبية العظمى من السكان غير اليهود إلى الخارج، والفلسطينيون العرب الذين عاشوا على أرضهم لقرون عدة سيتم تطهيرهم عرقياً إذا ما حصل ليبرمان على ما يريد.
إن أفكار ليبرمان لم تعد موجودة في هامش السياسة الإسرائيلية، فقد أدلى بها علناً في إسرائيل ومن منصة الأمم المتحدة ومن خلال جعل الحكومة الإسرائيلية الحالية تصوت لصالح تعهد الجنسية، وقد أظهر أنه يمكن أن يحول هذه القوانين العنصرية إلى سياسات.
كما أن مسألة طبيعة إسرائيل اليهودية يُعنى بها إغلاق الأبواب على المطالب المشروعة للفلسطينيين في حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الأمم المتحدة.
لقد أوضحت القيادة الفلسطينية أنها ليست مهتمة لا من قريب ولا من بعيد بالطلب الإسرائيلي بأن يعترف الفلسطينيون بيهودية دولة إسرائيل حيث يصر مسؤولون فلسطينيون على أنهم قد وقّعوا على اتفاق الاعتراف المتبادل في عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل، وأن الاتفاقات الأخرى التي تمت مع الأردن ومصر قد تمت مع دولة إسرائيل من دون أية إشارة إلى ديانة معينة، وأكد الرئيس عباس مراراً وتكراراً إن الإسرائيليين يستطيعون أن يدعوا دولتهم ما يشاؤون، ولكن بالنسبة للفلسطينيين فالقضية لا تبدأ من هناك.