يا جياع العالم اتحدوا !
لم ينحصر بؤس الفقراء من العمال والمهمشين بزيادة تمركز الثروة، وتشديد الاستغلال، وتحميلهم أعباء الأزمة المالية والاقتصادية، من بطالة وتقشف وتخفيض للأجور وزيادة الضرائب، وإلغاء أو تخفيض الحقوق العمالية المكتسبة من تأمينات صحية واجتماعية فحسب. فمن المعروف أن رأس المال يتمتع بقدرات فائقة في استغلال مختلف أنواع الحروب والكوارث الطبيعية، لزيادة ثرواته على حساب نهب وافقار شعوب العالم.
وفي هذه الأيام، يواجه العالم تراجعا في إنتاج المحاصيل الزراعية بسبب الجفاف، ليزيد من آلام الفقراء والكادحين، ويعمق الفجوة بين الشرائح الاجتماعية. وقد كشفت التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة أن حوالي مليار شخص يعانون من المجاعة في العالم، منهم حوالي 170 مليون طفل، وتؤكد الأرقام ان 43 مليون شخص انضموا إلى قائمه الجياع في هذا العام. وتأتي اليمن والصومال واريتريا في مقدمة الدول التي تواجه أزمة نقص الغذاء. وتقول ''اليونيسف'' ان 900 ألف طفل في القرن الإفريقي يعانون من الجوع بسبب الجفاف والنزاعات المسلحة، و 267 ألف طفل يمني يعانون سوء التغذية.
وقد ارتفعت أسعار الحبوب بحوالي 17% خلال الشهر الماضي نتيجة توقعات بتقلص الإنتاج الروسي، وطالت موجات الحر محاصيل الحبوب في أمريكا، الأمر الذي أدى إلى انخفاض انتاج الذرة بنسبة 13% مقارنة مع العام الماضي، وارتفاع الاسعار بحوالي 23%. وأظهرت بيانات رسمية أن أمريكا تواجه هذا العام أسوأ جفاف منذ أكثر من 50 عاما، تتسبب في خسائر فادحة بمحاصيل الذرة والصويا، ما أدى إلى هبوط حاد في مخزون الحبوب. كما أدت الظروف المناخية غير المناسبة بارتفاع أسعار السكر بنسبة 12% في حزيران الماضي. وقد حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) من أزمة غذائية شبيهة بأزمة عامي 2007 و2008 إذا فرضت الدول المنتجة قيودا على صادراتها الزراعية، ويزيد الامر سوءا استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 40% من إنتاج الذرة في برنامج إنتاج الوقود الحيوي "الإيثانول".
وبدلا من تخصيص جزء من أموال الدول الغنية لمساعدة الدول الفقيرة، وتخفيض الاعباء عن المسحوقين والمهمشين في العالم يجري استثمار الكوارث من قبل الاحتكارات الراسمالية لزيادة ثرواتها، فقد وجهت منظمات تطوعيه معنية بمواجهه الفقر اتهاما لشركات الغذاء العالميه الكبرى بتحميلها مسؤولية معاناة البشر، حيث تزامن إعلان اكبر شركه دوليه لتجاره الحبوب عن تحقيق أرباح بقيمة 134 مليار دولار، مع إعلان منظمة الأغذية والزراعة التابعه للأمم المتحدة (الفاو) ارتفاع اسعار الحبوب بنسبه 17 %. فسواء أكانت معاناة الفقراء ناجمة عن أزمات اقتصادية أم عن حالات الجفاف وتراجع المحاصيل الزراعية، فالنتيجة واحدة، الاحتكارات الرأسمالية تحصد الإرباح الغنائم، وأبناء جلدتهم من الفقراء والمهمشين يدفعون الثمن.
فمن سخرية القدر والمفارقات العجيبة أن اغنى دولة في العالم وفق قائمة معدل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هي عربية، وأن ثلاث دول عربية تحتل موقعا متقدما بين الدول الأغنى وفقا للقائمة نفسها، وأفقر ثلاث دول في العالم والأكثر معاناة من نقص الغذاء دول عربية، في الوقت الذي يعد الوطن العربي أهم أسواق العالم لاحتكارات صناعة السلاح وتشجيع الحروب غير المعلنة، لإنفاق مئات المليارات على شراء أسلحة لا تسهم بحال من الأحوال في تعديل موازين القوى في الصراع العربي - الإسرائيلي، ولا تستهدف ذلك، ولا تحقق الأمن القومي في الوطن العربي أو تخدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في الأقطار العربية، بل تشكل سببا مباشرا في إشعال الحروب المحلية والإقليمية والنماذج ماثلة أمامنا، وقد شهد عدد من المدن الحدودية في البلدان العربية رواجا لانتشار تجارة الأسلحة من قبل هواة ومراهقين تحولوا إلى محترفين لتهريب السلاح وادوات القتل والدمار. وغالبا ما يتم التهريب بتواطؤ بعض أفراد رجال الأمن المأجورين.
وبدلا من استثمار الفوائض العربية بمشروعات تنموية اقتصادية تسهم في معالجة قضايا الفقر والبطالة، وتحقق أمنا غذائيا للوطن العربي، تنصب اهتمامات النظم السياسية على كيفية حماية سلطاتها، والدفاع عن الفساد والاستبداد، وحرمان الشعوب العربية من الحرية والديمقراطية وتداول السلطة، فالثورات الشعبية التي شهدها الوطن العربي تعكس آلام الأمة وآمالها في الخروج من الأزمة عبر نظم ديمقراطية تتبنى برنامجا تنمويا اقتصاديا واجتماعيا، يضمن فرص عمل للمواطنين كافة، ويحقق العدالة الاجتماعية .
العرب اليوم