يا "جماعة الخير".. ارتاحوا!

يا "جماعة الخير".. ارتاحوا!
الرابط المختصر

ما يتم تسريبه في ربع الساعة الأخيرة، قبل إقرار قانون الانتخاب الجديد، وتؤكدّه مصادر رسمية، لا يبعث على الطمأنينة مطلقاً.

ذلك يعزّز من القناعة بعدم إدراك "مطابخ القرار" لخطورة الأزمة السياسية- الاجتماعية الحالية، المنبثقة من العَطَلة التي أصابت الإصلاح السياسي، ولحالة النكوص في الحياة الحزبية والنيابية، وما ولدّته من كوارث أصابت المجتمع والجامعات، وأنجبت عنفاً وراديكالية وأزمة ثقة بالدولة ومؤسساتها.

كارثة مشروع القانون الجديد لا تقف عند حدود الإبقاء على الصوت الواحد، بل بتجزئة الدوائر الانتخابية إلى دوائر أصغر، ما يجذّر الانتماءات الأولية والعشائرية، ويحرم الأحزاب والبرامج السياسية من أي فرصة للحضور أو النمو.

"القانون الجديد" صيغ بعيداً عن الضوء، بل حتى عن اللجنة الوزارية المعنية بإعداده، ولم يأخذ بأي مطلب أو توصية من لجان رسمية (لجنة الأجندة الوطنية، المركز الوطني لحقوق الإنسان،..) أو شبه رسمية كتحالف "أهل الخير"، الذي أطلقه المركز الوطني لحقوق الإنسان لإصلاح القانون، ويضم أكثر من مائتي مؤسسة مجتمع مدني، وكأنّ المعنيين يقولون لهم: يا "جماعة الخير" ارتاحوا، لا قيمة لكل هذه التجمعات والتوصيات!

حتى الأصوات المعتدلة جداً، التي حرصت على توفير خيارات للحكومة توازن بين الاعتبارات الديمغرافية والسياسية، ومنح ضمانات معتبرة للمشروع الجديد، لم تحظ بأهمية عند صياغة القانون، كما هي حال مقالات الزميل جميل النمري الذي يعدّ كاتباً متخصصاً في هذا المجال ومن الخبراء الندرة فيه.

في السابق كنّا حريصين على تغيير قانون الانتخاب، حتى ولو من خلال مبدأ الصوتين، لاستعادة المشاركة السياسية الحقيقية، بما يحمي الحكومة من النتائج الوخيمة للتحطيم الذي حصل خلال السنوات السابقة، ويعيد تجديد الدماء في عملية إنتاج نخب الدولة بعد نضوبها.

أمّا اليوم، فإنّ الإبقاء على الدوائر الانتخابية، وعدم تصغيرها، أصبح مطلباً وطنياً مهماً وحيوياً (!)، حتى لا ننزلق أكثر في مستنقع أزمات طاحنة، كنمو الهويات الفرعية والإقليمية والجهوية، وتكريس مجالس نيابية بائسة، والتوترات الاجتماعية، على حساب سلطة القانون وهيبة الدولة، واحترام القيم المدنية وإرث المؤسسات السياسية، التي بنيت خلال عقود بدماء وعرق الآباء، وتُحطّم اليوم، في لمح البصر.

هل أصيبت مؤسسات الدولة بحالة الشيزوفرينيا (انفصام الشخصية)؛ فتتشدد في قانون العقوبات لحماية هيبة الدولة وموظفيها، وتشكل لجنة لدراسة العنف الاجتماعي من جهة أخرى، فيما هي – في الجهة المقابلة- تعزز من أسباب هذه الأزمات وتمنحها بيئة مناسبة وتربة خصبة!

التعويل اليوم هو على اللجنة الوزارية المعنية، وهي موضع احترام وتقدير منّا جميعاً، ألاّ تقبل بتمرير هذه الصيغة، التي تمثل جريمة بحق الوطن، وأن تتخذ موقفاً تاريخياً وطنياً، وأن ينصت الرئيس لبعض الأصوات العقلانية المعتدلة، لمنح مصداقية ومشروعية حقيقية للانتخابات المقبلة، ولتجنب مزيدٍ من "صبّ الوقود على نار الأزمة الحالية".

الغد