وماذا بعد؟!

وماذا بعد؟!
الرابط المختصر

بعيداً عن الانطباعات الأولية وبانتظار تقارير المراكز الحقوقية حول نزاهة الانتخابات ومعادلات لعبة الأرقام وجدل نسب الاقتراع والتصويت، والنتائج النهائية التي تحسمها ساعات الفرز الأخيرة، فإنّ الحكومة إلى حين إغلاق صناديق الاقتراع، لم يسجّل عليها مباشرةًَ أي حالات تدخل مباشرة وخشنة، كما حصل في الانتخابات السابقة.

كل ذلك، وعلى أهميته، لا يعادل شيئاً أمام الصور المخجلة والمخزية والمحزنة أمس لمشهد الانتخابات، الذي كان من المفترض أن يكون عنوانا للتعبير الحضاري الراقي، ويعكس صورةً مُشرقةً للأردن ولسلوك مواطنيه، فإذا به يعكس، بصورة فجّة، مدى الانهيارات الاجتماعية التي وصلنا إليها خلال المرحلة الأخيرة.

الحكومة كانت تتوقع حضور التوترات والاحتقانات في أجواء تنافس غارقة في النزاعات الاجتماعية والضيقة، وبعيدة عن المعاني السياسية، لذلك أعدّت خطة أمنية محكمة، وتمكنت قوات الأمن من التعامل باقتدار مع الأحداث الخطرة التي وقعت، لكن لم يكن بمقدورها منع اندلاع هذه الأحداث، ابتداءً، لأنّها تتعامل مع المخرجات وليس المدخلات.

span style=color: #ff0000;الغد/span

خلال عقود من مسار الانتخابات النيابية المتقطع، لم يحصل أبداً ما حصل أمس من أعمال بلطجة وعنف وتوتر غير مسبوق، حتى في الانتخابات- الفضيحة الماضية عندما حدث التدخل الفج والسافر الرسمي، الذي أدّى إلى حل البرلمان السابق.

لم تكن هنالك مجموعات تغلق الطرق على ناخبي مرشحين آخرين، في أكثر من مكان، وبالسلاح الأبيض والحجارة، حتى في أحياء عمان الغربية، وتوترات وتشنجات، في منتصف النهار، وإصابات بالعشرات، في مناطق متعددة في المملكة، واقتحامات لمراكز اقتراع، كل ذلك قبل أن يتم فرز النتائج النهائية، نسأل الله السلامة!

مشهد العنف الوطني أمس كان ابنا شرعيا لقانون انتخاب أعوج حذّرنا من نتائجه منذ اليوم الأول، وارتفعت الأصوات ترجو الحكومة أن تعيد النظر فيه وبمبدأ الدوائر الافتراضية التي من الطبيعي أنّها بمثابة تناول السُمّ لمجتمع يعاني في الأصل من أمراض التفكك الاجتماعي وانهيار القيم الوطنية وانفجار العنف وتراجع التعليم وصعود الهويات الفرعية وأزمة سياسية خانقة، ذلك كان يفترض أن تكون الانتخابات نقطة تحول بالاتجاه المعاكس، لكن للأسف ما حدث العكس تماما.

من كان يقرأ المشهد الانتخابي منذ اليوم الأول كان عليه أن يشعر بالقلق الشديد وهو يرى جزءاً من المجتمع ينحدر إلى هذا المستوى في الخطاب السياسي، فتغيب البرامج الحزبية والمناظرة الوطنية لصالح لغة خاصة بالحارات والأحياء والعشائر، بل ذلك يتناقض تماما مع مجتمع ينظر إلى المستقبل لا إلى وراء، فيما الجزء الآخر من المجتمع لديه حالة من اللامبالاة والإحباط من كل العملية الانتخابية ومن مخرجاتها!

الآن، وبعد هذا المخاض الكبير، نأمل أن تكون ليلة أمس قد مضت من دون أحداث جديدة، وأن نجد فريقا من النواب الذين يدركون أهمية الإصلاح الوطني ودور مجلس النواب في ذلك.

بعد ذلك، لم نعد نملك ترف مشاهدة هذه الانهيارات من دون المطالبة بوقفة حقيقية مع كل المعادلات الحالية، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، والدفع باتجاه ولادة تيار وطني حقيقي يملأ الفراغ ويدعو إلى إنقاذ وطني في مواجهة الفجوات والأزمات المتصاعدة التي تدفع كل من له ضمير حيّ في هذا الوطن الكريم إلى القلق والأرق على مستقبل البلاد!