وقائع تداهمنا.. واخرى تسترعي الانتباه!
أشعر بأنني مدين بالاعتذار للقارئ العزيز لانشغالي على مدى الاسابيع الماضية بالكتابة عن “الحدث المصري” والهجمة التي يتعرض لها “الاسلام السياسي” في أقطارنا العربية التي استنشقت هواء الحرية، على حساب “الشأن” المحلي الذي يبدو انه تعرض لكثير من التحولات “الصامتة” التي ربما تفاجئنا مقرراتها وارتداداتها في الايام القادمة.
استأذنا في الاشارة الى ثلاث وقائع لا شك بأنها تمسّ حياة الناس بشكل او بآخر، اولاها تتعلق بالتصريحات الرسمية حول رفع اسعار الكهرباء بعد عطلة العيد، والثانية بالاشارات التي صدرت عن رئيس الوزراء قبل ايام بضرورة رفع الدعم عن الخبز والبحث عن “آلية” جديدة لتقديمه لمن يستحقونه من الاردنيين اسوة بما حصل في موضوع “المحروقات” والثالثة “التسخين” الذي يجري لاشهار “التعديل” الوزاري الذي يفترض ان يتم بعد الانتهاء من المقررات المتعلقة بتحرير اسعار الكهرباء والخبز.
اذا أضفنا لهذه “الوقائع” الثلاثة مسألتين اثنتين احداهما “بالهدوء” الذي التزم به الشارع في الشهر الحالي، وتراجع عدة الاحتجاجات السياسية والمطالبية، وحصر الحركة الاسلامية في “زاوية” الدفاع عن نفسها بعد موجة الانتقادات التي تعرضت لها اثر موقفها من “الانقلاب” في مصر، والمسألة الاخرى اصداء التحولات التي طرأت على المنطقة، سواء في سوريا او في مصر او تونس او العراق، وكلها تشير الى استمرار “عواصف” الخريف العربي، وامكانية تصاعد حالة اللاتسقرار في المنطقة، وامكانية انتقالها الى المحيط العربي كله، فاننا عندئذ ستكون امام استحقاقات يفترض ان نفكر جيداً في “تصريفها” والتعامل معها لكي لا نقع في المحظور، او نكتشف بعد فوات الاخوان بأننا اخطأنا في قراءة “الصورة” ولم نتعلم من دروس الآخرين أي شيء.
الرابط بين تلك “الوقائع” التي اعتقد انها قيد “الاجراء” والتنفيذ وبين هذه “المشاهد” والتطورات الداخلية والاقليمية والدولية ايضاً يبدو ضرورياً، وذلك لسببين اثنين احداهما ان الرهان على “قبول” الناس لفكرة رفع الاسعار بهذا الشكل المتسارع قياساً بهدوء “الشارع” واعتماداً على حالة الضعف التي أصابت الحركة الاسلامية، او على “انشغال” المنطقة بأحداص كبرى مفتوحة على احتمالات غير معروفة، هذا الرهان يبدو محفوفاً بالمخاطر، ويفترض بالتالي ان نعيد النظر في هذه المقاربات غير الصحيحة وان نسعى الى بناء “حالة” داخلية متماسكة، وغير معرضة للاهتزاز لكي نضمن على الاقل عبوراً آمنا يجنبنا مخاضات “الاقليم” وولاداته المجهولة.
اما السبب الثاني فهو ان النظر من زاوية “الاقتصاد” فقط، وصولا الى “انقاذ” الموازنة وتعويض جزء من العجز على حساب المواطن، باعتبار ذلك “ضرورة” وطنية يجب ان تحظى بموافقة الجميع، وان يتحمل “اثقالها” الجميع ايضاً، مقابل غض الطرف عن “الزاوية” السياسية التي ما تزال بعيدة عن أي اختراق، وعن مشروع الاصلاح الذي لم يحظ “بالتوافق” اللازم، هذا النظر الآحادي لن يمكننا من “الطيران” باتجاه الحلول وانما سيكرس حالى “الازمة” وسيدفع لمزيد من الاحتقان وسيثير اسئلة كثيرة حول مآلات “ملف الفساد” والاستقواء على المواطن، وعدم الجدية في الانتقال الى مرحلة جديدة تسمح “بالتوافق” والحوار وتغيير قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية وفق ما يطالب به اغلبية المجتمع منذ اكثر من عامين.
لا اعتقد ان لدينا “الترف” لقياس ردود فعل الناس اذا ما احسّوا “بوقع” ارتفاع الاسعار على جيوبهم التي جرى استنزافها، او لدينا ما يلزم من رهانات على “نجاعة” هذه الحلول الاقتصادية او على “انفراج” ياتي على “ظهر” مساعدات من هنا او هناك، او على رهانات سياسية اقليمية تساعد في اطفاء “احتجاجات” الشارع، او على صفقات بين الحكومة والنواب تمتص ما يمكن ان يطرأ من تغيرات في مزاج الشارع، وبالتالي فان ما نملكه فقط هو الحفاظ على المعادلات القائمة، وادارة الازمة الاقتصادية بعيداً عن اللجوء لرفع الاسعار او تحريرها. هذا اذا استبعدنا الحل الوحيد والمضمون وهو ادارة عملية سياسية توافقية، تخرجنا جميعاً الى طاولة حوار وطني تطرح فيه كل القضايا وتعالج فيه كل الازمات، دون الاعتماد على منطق “الرهانات” الخاسرة التي لا يبدو ان لها افقاً سياسياً للتعويل عليها.
بقي لدي نقطة اخيرة وهي تتعلق ببعض الشباب الذين جرى توقيفهم جراء بعض النشاطات التي مارسوها عند الاحتجاج في الشارع، واعتقد ان الافراج عنهم – والعيد يطرق ابوابنا – سيكون خطوة مهمة في ترطيب اجواء المجتمع، وتكريس منطق الاستيعاب والتوازن والتعامل بحكمة مع “ابناء” ربما اخطؤوا ولكن العفو عنهم ناهيك عن الحوار معهم هو الطريق الاسلم لاعادتهم الى سكة الصواب، وفتح نوافذ “التوافق” أمام الجميع لضمان استقرار بلدنا وعافيته.
وكل عام وأنتم بخير.
الدستور