وصفة حكومية
يقول وزير الشؤون البلدية علي الغزاوي ان الحكومة تعتزم فصل الدور التنفيذي في المجالس البلدية عبر تعيين "مدير تنفيذي" من قبل الحكومة ليكون مسؤولا عن تحديد السياسات لرؤساء البلديات.
مع تقديري الشديد للوزير على اجتهاده ، فان هذا الحل فيه اعتراف غير مباشر بفشل تجربة رؤساء البلديات ، مما يستدعي وضع مراقبين عليهم ، تحت مسمى "مدير تنفيذي" يكون مسؤولا عن رئيس البلدية ، ويحمل الاقتراح من جهة اخرى خلطا بين نمطين ، اي الادارة الحكومية للبلدية ، والادارة المنتخبة من الناس ، وهو نمط جديد سيؤدي في حده الادنى الى صراعات ومواجهات ومشاكل لها بداية وليس لها نهاية ، وستكون اغرب تجربة بحيث يكون هناك مسؤول معين ، له السلطة على مسؤول منتخب ، وهي فرادة ما بعدها فرادة ، مهما بررنا اهميتها.
لنتحدث بصراحة عن تجربة رئاسة البلديات والانتخابات البلدية ، وعن المشاكل التي واجهت بلديات كثيرة من استمطار الديون والتعيينات وتراجع الخدمات ، وغير ذلك من قضايا ، بالاضافة الى تهرب الناس من سداد التزاماتهم ، وغير ذلك من مشاكل ، ولتذهب الحكومة الى حل واضح ومحدد دون خلط بين الانماط ، فاما رئيس بلدية ومجلس منتخب ، واما اعادة البلديات الى حضن الحكومة ، بشكل كامل وعدم اجراء انتخابات بلدية ، وقد طالبت في مقال سابق بحل المجالس البلدية ، واعادتها الى عهدة وزارة البلديات ، بحيث يتم تعيين رؤساء ومجالس لها ، بدلا من عملية الانتخابات ، التي تسببت بانقسامات اجتماعية وعداوات ومشاكل ، وتركت اثرا سلبيا حادا على الوحدة الاجتماعية ، وادت ايضا الى تفريخ الصراعات والتفكيس والابراق الى الوزارة في عمان ضد هذا او ذاك ، فوق المشاكل المالية والتراجع في الخدمات.
وسط هذه الاجواء فان الوصفة الحكومية التي تخلط بين الرئيس المنتخب ، والمدير التنفيذي المعين ، وصفة تذكرنا بخلط الماء بالزيت في محرك السيارة وستؤدي الى نتائج وخيمة ، لان صراع الارادات حول القرار سوف يطل بنفسه ، حتى لو تم تحديد التوصيف الوظيفي لكل موقع ، ومهما رسّمت الوزارة صلاحيات كل موقع ، كما ان الاقتراح فيه التفاف ذكي على عملية الانتخاب ، وكأن الوزارة لا تريد ارسال رسالة سلبية الى العالم حول حرمان الناخبين من حقهم في الانتخاب ، لكنها تضع وصيا على من سيتم انتخابه ، وهي بصراحة قدرة فذة على الجمع بين نمطين ، ديموقراطي وغير ديموقراطي ، واذا كان مفهوما سر التوجه لتعيين مدراء تنفيذيين ، فان علينا حساب كلفة الخلط المقبل ، على الطريق ، وهي كلفة تفوق اللجوء الى وصفة الانتخابات دون مدراء تنفيذيين ، او وصفة الرؤساء المعينين ومجالسهم.
حل المجالس البلدية ما زال مطلبا لاكثرية ، و"الحل" ليس تراجعا عن خيار الناس ، لكنه تصحيح لخط كان مكلفاً ، خلال الفترة الماضية ، وازاحة لكل هذا العبء عن صدور الناس ، وعن صدور الرؤساء الصادقين ، لان بيننا من هو نظيف ومخلص ، حتى لا نأخذ الكل بجريرة القلة ، ولربما نعود الى التعيين واعادة دراسة دمج البلديات ، وصلاحياتها بشكل مناسب يتطابق مع تطلعات الناس ، بدلا من تطابقه في حالات كثيرة ، مع حسابات الرئيس مع قاعدته الانتخابية ، للانتخابات المقبلة.
لنحل المجالس ، ولنعين رؤساء لها ، ولتكفونا هذا الهم ، فوق الذي نحن فيه.