هل ينتزع الرفاعي شهادة حسن سلوك حيال نزاهة الانتخابات?

هل ينتزع الرفاعي شهادة حسن سلوك حيال نزاهة الانتخابات?
الرابط المختصر

يجاهد رئيس الوزراء سمير الرفاعي لانتزاع شهادة حسن سلوك تثبت التزامه بأوامر الملك عبد الله الثاني بأن تكون الانتخابات النيابية الثلاثاء المقبل مثالا في النزاهة, الحيادية والشفافية, علّه يمحي التجاوزات وخيبات الامل التي رافقت الاقتراع الاخير عام ,2007 مع أن قانون الانتخابات المؤقت حسّن الاجراءات الادارية دون أن يجمّل جوهر العملية السياسية.

ففي نهاية المطاف, سيذكره التاريخ على أنه رئيس الحكومة الذي نفذ الاوامر الملكية حرفيا على أمل بدء مأسسة شكل من أشكال الاصلاح السياسي التدريجي لضمان أمن الاردن واستقراره, واستعادة هيبة الدولة المتراجعة أمام صعود هويات فرعية, عصبيات, استقواء على القانون والعنف المجتمعي.

دستوريا, رئيس الوزراء هو المسؤول الاول والاخير عن أداء حكومته وممارسات المؤسسات الامنية والسيادية المرتبطة به مباشرة.

يبقى الاهم, قدرته على اقتحام ذاكرة الاردنيين على أنه أول رئيس وزراء في العهد العبدلي الثاني الذي يساهم في إعادة الثقة الشعبية بالمؤسسة البرلمانية, سلطة الرقابة والتشريع, بعد تدمير ما تبقى منها في انتخابات 2007 على وقع ممارسات تزوير وتدخلات مسّت مراحل العملية الانتخابية كافة ضمن استراتيجية عليا للدولة في ذلك الوقت.

قبل ثلاث سنوات, توافقت مراكز النفوذ الامني والسياسي على تكتيك تمثّل بالتدخل بكثافة في مجريات الاقتراع بهدف تحجيم التيار الاسلامي المقرب من حركة حماس الفلسطينية الموالية لايران, والاتيان بوجوه جديدة ليبرالية تؤيد اجندة الاصلاح الاشكالي وتقف بالمرصاد لقوى الشد العكسي المتجذرة في مؤسسات الدولة.

في اليوم الثاني, انقلب السحر على الساحر, وما تزال مفاصل الدولة تدفع ثمن ذلك التكتيك الذي لم تحسب عواقبه.

اليوم, تتوافق مراكز النفوذ ذاتها, بما فيها شخصيات تحكّمت وقتها بممارسات التزوير الناعم والخشن, على ان مصلحة الدولة العليا تكمن في استعادة الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة وفصل السلطات كضرورة استراتيجية لا ترفا سياسيا. على الاقل, هذا الخطاب الذي يسمع في اروقة السلطة حاليا.

وبذلك غدت نزاهة اجراءات الاقتراع الهدف الاول والاخير, ولو على حساب تدني نسب المشاركة الشعبية المتوقعة دون 45 في المائة.

يوم الخميس, اصر الرفاعي للمرة المليون بأن الاولوية بالنسبة لمجلس الوزراء, ضمان اجراء انتخابات نزيهة وحيادية تعيد المصداقية بالعملية السياسية وتحفّز المشاركة بكثافة في انتخابات 2014 وما بعدها.

وقال خلال غداء عمل مع مجموعة كتّاب وصحافيين حضرته كاتبة هذا المقال انه يأمل بأن تكون الانتخابات انطلاقة لمجلس نواب يكون شريكا مهما في عملية الاصلاح الشامل بحسب رؤية جلالة سيدنا....

وأردف قائلا: لن نضحي بالنزاهة في سبيل رفع نسب المشاركة او اي شيء آخر فالملك امر الحكومة بإجراء انتخابات تكون مثالا في النزاهة, وأذرع الدولة كافة مقتنعة وملتزمة بذلك ونحن نقف على مسافة واحدة من جميع المترشحين. والمواطن, سواء انتخب او لم ينتخب, سيشعر بأن صوته موجود في المجلس القادم الذي سيمثّل جميع الاردنيين بغض النظر عن نسب المشاركة. الى ذلك شدّد على ان الحكومة سترسل اكثر من 50 قانونا مؤقتا اقّرتها خلال الشهور الخمسة الماضية, بما فيها قانون الانتخابات الاشكالي, الى المجلس في يوم انعقاده لمناقشتها وإقرارها بعد جلسات حوار مستفيض.

ذلك يعني ان المجلس القادم سيكون سيد قراره. بيده مثلا تقرير مصير نوعية الاصلاحات السياسية وعمادها قانون انتخاب مؤقت ظل بدون اجماع منذ عام ,1947 او الابقاء على قانون عماده الصوت الواحد. وبيد النواب توسيع تقسيمات الدوائر وإدخال الية صوتين لكل نائب: للمرشح المفضل (مناطقي, عشائري, حزبي, مستقل) ونسبة اخرى للوائح وطن قادرة على جذب اصوات مؤيدين لبرامج عمل واضحة تحملها التحالفات والاحزاب وتمأسس لمجلس سياسي قوي قادر على فرز حكومات مدعومة من تكتلاته الاساسية بدل استمرار الية تدوير الوجوه والمقاعد والمناصب.

قبل ان يغادر قاعة الطعام, وصلت الرئيس ورقة بيضاء. قرأها بعناية ثم اعلن انه ابلغ للتو بأن الجهّات المعنية طلبت اول مترشح للتحقيق معه في شبهة ضلوعه بالمال السياسي, وأحالت ثلاثة اشخاص اخرين الى القضاء بتهمة بيع وشراء اصوات وحجز بطاقات ناخبين محتملين. هذا اول تطبيق معلن للقانون المؤقت الذي جرّم وحظر عملية شراء وبيع الاصوات وتقديم التبرعات او المساعدات العينية والنقدية.

خلال اللقاء, شرح الرفاعي ابعاد عشرات الاجراءات الوقائية التي اتخذتها حكومته, بدءا بعملية تسجيل الناخبين وتثبيت الدوائر الانتخابية مرورا بنشر الجداول, وعملية الاعتراض على اصوات نقلت بصورة غير مشروعة خلال السنوات الماضية, وإعادة عدد كبير منها الى مقرّها الصحيح لتعزيز مصداقية العملية. وحسم ايضا طريقة مشاركة مراقبين محليين - المركز الوطني لحقوق الانسان والتحالف المدني لرصد الانتخابات (راصد), فضلا عن السماح لفرق دولية ودبلوماسيين معتمدين وما يزيد عن 1000 ممثل لوسائل اعلام محلية, عربية وأجنبية بالتنقل بحرية بين مراكز الاقتراع لمعاينة سلامة الاجراءات.

كما تحدث عن اجواء لقاءاته بزعامات التيار الاسلامي - جبهة العمل وجماعة الاخوان المسلمين - في محاولة لثنيهم عن قرار مقاطعة الانتخابات بسبب اعتراضهم على القانون المؤقت بعد ان ذاقوا المر في الانتخابات الماضية. لكن المحاولات تلك, بحسب ساسة ومراقبين, جاءت متأخرة, بعد سلسلة سياسات عملت على تأزيم المشهد السياسي الداخلي قبل ان يشرع الرئيس الى فكفكة غالبيتها بناء على اوامر ملكية. ولم تساعد الخلافات الداخلية في الجبهة والجماعة على خلفية اقليمية ضيقة على التراجع عن قرار المقاطعة الذي يحرم الاسلاميين من فرصة التأثير في السياسات من داخل السلطة التشريعية.

إذا, هناك نوايا رسمية ايجابية, سلّحت بتجويد اجراءات العملية الانتخابية وحملات منظمة لحشد مشاركة مكونات المجتمع كافة, بخاصة الشباب و الغالبية الصامتة في العرس الديمقراطي.

على الارض, ثمّة معطيات تساعد على اضفاء الصدقية على نوايا الحكومة وثني اي جهة رسمية في الدولة قد تحاول التدخل في الربع ساعة الاخير لترسيم شكل المجلس الجديد.

فالحكومة, حال رجل الشارع, تعرف مسبقا ان المجلس القادم سيضم بين ثناياه ثلث الى نصف الوجوه النيابية المكررة. سيجلس على غالبية مقاعده ال 120 عناصر تقليدية من حزبيين, مستقلين وعشائريين لا يشكلون معارضة جذرية للدولة وحفنة من الشخصيات الوطنية التي لا تخشى قول الحق. غالبية الاقطاب الرئيسيين في المجلس السابق - ناقص اثنين اودعا في مجلس الاعيان الذي اعيد تشكيله نهاية العام بعد حل النيابي- سيعودون ايضا الى القبّة.

في الاجمال سيخلو المجلس من الدسم السياسي, بسبب ضعف وجود قوى حزبية يخشى من سيطرتها على النيابي بعد قرار مقاطعة التيار الاسلامي. معطوفا على ذلك ابتعاد شخصيات سياسية معارضة كان وجودها في المجالس السابقة يضفي نكهة سياسية وتنوعا فكريا على تركيبتها.

يتندر كثيرون بأن الحكومة وسائر اجهزة الدولة غير مضطرين هذه المرة للتدخل المباشر في يوم الاقتراع. فالتأثير في مخرجات العملية الانتخابية مورس خلال الشهور الماضية, ذلك ان قانون الانتخاب المؤقت على اساس الصوت الواحد في الدائرة الواحدة (الوهمية) مكان نظام الصوت الواحد المجتزأ ساعد بشكل قانوني على تفصيل مجلس على قد المقاس. شخصية رئيس المجلس ايضا باتت معروفة; عين سابق طلب منه الاستقالة من مجلس الاعيان ليخوض الانتخابات. بعد الفوز, ستعمل هذه الشخصية على تشكيل كتلة داخل المجلس تساعدها على ادارة دفته.

جهات متنفذّة اخرى, او قريبة من مراكز صنع القرار, طلبت ايضا من بعض الاعيان الاستقالة وخوض الانتخابات لضمان حماية مصالحها. وطلب كذلك, بحسب المعلومات المتوافرة, من بعض المرشحين المشاركة من باب تفتيت الاصوات في بعض الدوائر لمصلحة اخرين منعظام الرقبة. اخرون طلب منهم العدول عن قرارهم بالانسحاب بعد التسجيل كمرشحين. عدد ليس قليلا من المرشحين ضمن مقاعده باستخدام المال السياسي او نفوذه الاقتصادي والاجتماعي فيما وظّف اخرون ارث ابائهم وأجدادهم احيانا, فاستخدموا اسماء ثلاثية ورباعية في حملاتهم الترويجية.

يوم الثلاثاء سيعلو صوت الناخبين المسجلين. نسبة كبيرة, بخاصة في البوادي والقرى ذات التركيبة السكانية المتجانسة, ستصوت لمرشحي العشيرة. نسب المشاركة ستكون مرتفعة, بعكس ما جرت عليه العادة من تدني نسب الاقبال في مدن رئيسية ذات كثافة سكانية مختلطة مثل الزرقاء وإربد. لكن في خلفية المشهد الداخلي عزوف شرائح مجتمعية واسعة عن المشاركة لانها فقدت الامل بخطاب ونوايا الاصلاح السياسي او لان التيار الاسلامي الذي يمثلها يقاطع الانتخابات.

بالتأكيد, يبقى قرار المشاركة او المقاطعة حقا دستوريا وخيارا شخصيا لدافع الضريبة. لكن يا ليت لو يلجأ الاردنيون هذه المرة الى تسجيل موقف بعيدا عن خيار الاستنكاف والمقاطعة بإسقاط ورقة بيضاء او احتجاجية في صناديق الاقتراع.

فالورقة البيضاء ممارسة لحق المواطنة, عمل سياسي منظم ووسيلة مجدية لرفع معدل المشاركة, لكنها لا تحتسب لمصلحة اي جهة او مرشح. في الوقت ذاته, تؤشر هكذا ممارسة الى ان الاردنيين جميعهم اختاروا المشاركة في الحياة السياسية لمصلحة الوطن الذي يظل اكبر من الجميع, عبر ممارسة الاحتجاج الايجابي بهدف لفت نظر السلطات الى استيائهم وقرفهم.

سبقنا الى هذه التخريجة اشقاؤنا في المغرب ولبنان اذ ارسلوا رسالة واضحة لحكوماتهم.

تخيلوا ما سيكون عليه المشهد الاردني بعد يوم الثلاثاء لو شارك غالبية الناخبين المسجلين في الاقتراع لترتفع النسبة فوق 65 % لكن 30 % من اجمالي المقترعين القوا اوراقا بيضاء?

وقتها ستصل الرسالة واضحة ذات صوت مدو لن يستطيع احد تجاهلها بعد اليوم!

span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span