هل يعاد تشكيل مجلس الأعيان وبرئاسة من؟
من المتوقع إعادة تشكيل مجلس الأعيان غداة الانتخابات التشريعية لملء شواغر نجمت عن استقالة عدد من أعضائه لخوض المعركة الانتخابية فضلا عن مواكبة زيادة مقاعد مجلس النواب من 110 إلى 120 بموجب قانون الانتخابات المؤقت.
لكن الأهم من ذلك الشخصية التي سيختارها الملك عبد الله الثاني لرئاسة المجلس في حال إعادة تشكيله ورفع عدد مقاعده من 55 إلى 60 تماشيا مع المادة 63 من الدستور: يتألف مجلس الأعيان بمن فيهم الرئيس من عدد لا يتجاوز نصف عدد النواب. زيادة مقاعد الأعيان تضمن استمرار توازن القدرة التصويتية والسيطرة على المخرجات والتشريعات.
فرئيس المجلس, حارس البوابة التشريعية وصمام الأمان في مواجهة مواقف مجلس النواب المنتخب, هو القادر على تفعيل دور مجلس الملك لتعزيز مبدأ فصل السلطات الثلاث; أركان دولة القانون وتطبيق أحكام الدستور وصونه, أو ممارسة لعبة شراء الوقت, تفصيل المواقف ووضع مشاريع القوانين الإشكالية في الأدراج كما حصل في محطات عديدة.
وبيد الرئيس الجديد, حال كل من يجلس على مقاعد السلطة الرئيسية, تكبير الكرسي الذي يجلس عليه واضعا نصب عينيه المصلحة العامة أو تصغيره على المقاس المطلوب لضمان المصالح الشخصية والخاصة.
الأردن والأردنيون جربّوا خيارات مختلفة لرجال تبوأوا رئاسة الأعيان خلال السنوات الماضية. مواقفهم, مرجعياتهم الفكرية والسياسية, وشخصياتهم, انعكست على أداء المجلس وتحديد بوصلته. منهم من كان ركنا في التيار السياسي التقليدي أو السياسي التقليدي المحافظ المتمدد داخل جهاز الدولة وسط بيروقراطية متجذرة. هذه الفئة لا تؤمن كثيرا بدور أحزاب المعارضة أو بمنح الإعلام حرّية سقفها السماء, كما يريد سيد البلاد. وكان لبعضهم أيضا مواقف متشددة تجاه تسريع الإصلاحات السياسية بما فيها إدخال تغييرات تمس جوهر قانون الصوت الواحد, حال غالبية الأعيان. لكن المفارقة أنهم لم يعارضوا سياسات السوق والخصخصة الاقتصادية المصنفة ضمن الليبرالية السياسية.
المثال الآخر حمل لواء الليبرالية الوطنية بروح عروبية. ترى هذه الشخصية أن الإصلاحات السياسية لا تتجذر دون تغيير قانون الانتخاب, بما يحقق تمثيلا أكثر توازنا بين الجغرافيا والديمغرافيا. تؤيد إصلاحات تدريجية نابعة من الداخل وتحظى بقبول غالبية مكونات المجتمع ولها قاعدة شعبية ونخبوية واسعة.
بعد حسم هوية الرئيس المقبل, تأتي نوعية أعضاء المجلس وتوجهاتها. المادة الدستورية تشترط أن يكون العين قد أتم 40 سنة شمسية من عمره وأن يكون من إحدى الطبقات الآتية: رؤساء الوزراء والوزراء الحاليون والسابقون ومن شغل سابقا مناصب السفراء والوزراء المفوضين ورؤساء مجلس النواب ورؤساء وقضاة محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف النظامية والشرعية والضباط المتقاعدون من رتبة أمير لواء فصاعدا والنواب السابقون الذين انتخبوا للنيابة لا أقل من مرتين ومن ماثل هؤلاء من الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن.
فإما الاستمرار بعقلية تعيين رئيس المجلس وأعضائه من باب جوائز ترضية وتدوير المناصب, المقاعد والمكاسب أو وضع الرجال والسيدات المناسبين في المقاعد المناسبة لمساعدة الأردن على التعامل مع كم هائل من التحديات الاقتصادية, السياسية والاجتماعية في محيط مضطرب تتنازع للسيطرة عليه كل من إسرائيل, إيران, تركيا وأمريكا.
بعد استقالة رئيس المجلس السابق زيد الرفاعي عقب تعيين ابنه سمير رئيسا للوزراء في كانون ألاول (ديسمبر) الماضي, طلب الملك من نائب رئيس المجلس طاهر المصري رئاسة الأعيان. بهذا القرار, كسر الملك عرفا سابقا في اختيار رئيس مجلسه.
يلتقي السياسيان في أنهما رجلا دولة من طراز رفيع. لكن المصري يختلف في أسلوب عمله ومدرسته السياسية عن سلفه, الذي تربع على رأس الأعيان 12 عاما قبل أن يعتزل الحياة السياسية. يختلفان أيضا في مقاربتهما للعمل مع الأعيان, مع أن الاثنين شكلا حكومات, صعودا من حمل حقائب وزارية وامتطاء صهوة السلك الدبلوماسي.
المصري انهمك خلال الشهور العشر الماضية في تفعيل دور مجلس الملك كيما يوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية عقب تعليق الحياة النيابية, تأجيل الانتخابات, وضعف الرقابة الإعلامية. عارضه في ذلك وزراء يعتقدون أن مجلسهم, على غرار الأعيان, هو مجلس الملك ولا فصل بين السلطات.
أراد المصري أن تكون قنوات الاتصال مفتوحة بين الأعيان والحكومة, لذا عقد عدة جلسات غير رسمية للاستماع إلى مواقف الدوار الرابع, ونشّط لقاءات لجان المجلس بالمقارنة مع حراكها السابق. حاول أيضا ونجح إلى حد كبير في الحفاظ على علاقة تشاركيه بين السلطتين, كما سعى إلى وضع حد لتغّول الحكومة.
قبل أيام ناشد رئيس مجلس الملك الأردنيين لممارسة حقهم الانتخابي. لكن مع ذلك, سعت فئة ضيقة من المتنفذّين خلال الشهور الماضية إلى تصويره بأنه رجل معارض -- وصمة باتت تطلق على كل مسؤول يمتلك ميزة التحاور مع مكونات المجتمع الأردني كافة وطرح رأي مغاير من باب حماية المصلحة العليا للدولة وليس من باب ممارسة الميكيافيلية السياسية طبعا لضمان البقاء بالمنصب كما هو الدارج هذه الأيام.
ساهمت مواقفه في التخفيف من حدة انتقادات منظمات حقوق إنسان ترى في حلّ مجلس النوّاب تحولا آخر بعيدا عن خيار الديمقراطية يصب في تعزيز نفوذ السلطة التنفيذية.
إذا ستكون هوية رئيس مجلس الأعيان القادم وتركيبته باروميتر أساسي لقياس نوايا دخول مرحلة جديدة من الإصلاح المتكامل, سياسيا, اقتصاديا, واجتماعيا المطلوب لضمان أمن الأردن واستقراره. وأيضا ستقاس قدرته على التعامل مع قوى شد عكسي يتوقع أن تسيطر على غالبية مقاعد المجلس النيابي.
فرئيس مجلس الأعيان, وجناحي السلطة التشريعية, يظل سيد الموقف السياسي بلا منازع في حالات تشريعية مفصلية. في حال رفض أحد المجلسين مشروع قانون مرتين وقبله المجلس الآخر معدلاً أو غير معدل يجتمع المجلسان في جلسة مشتركة برئاسة رئيس الأعيان لبحث المواد المختلف فيها, بحسب النص الدستوري. ويشترط لقبول مشروع القانون صدور قرار مشترك بأكثرية ثلثي الأعضاء الحاضرين من المجلسين. ولا تعد جلسات المجلسين مجتمعين قانونية إلا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضاء كل منهما. وتصدر القرارات بأغلبية أصوات الحاضرين ما عدا الرئيس الذي عليه أن يعطي صوت الترجيح لدى تساوي الأصوات.
كذلك للعين, حال النائب, ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس المنتسب إليه. ولا تجوز مؤاخذة العضو بسبب أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه أثناء جلسات المجلس. كما أن لكل من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب أن يوجه إلى الوزراء أسئلة واستجوابات حول أي أمر من الأمور العامة. ويجوز لعشرة أو أكثر من أعضاء أي من مجلسي الأعيان والنواب أن يقترحوا القوانين ويحال كل اقتراح على اللجنة المختصة في المجلس لإبداء الرأي, فإذا رأى المجلس قبول الاقتراح أحاله على الحكومة لوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه للمجلس في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها.
الأهم أن بإمكان رئيس المجلس دس مشاريع القوانين المؤقتة الإشكالية في الأدراج حال بعض التشريعات المؤقتة التي بقيت حبيسة لسنوات.
الأمل يبقى في أن يفرج رئيس مجلس الأعيان القادم عن جميع هذه القوانين المؤقتة قيد الحفظ بهدف عرضها على المجلسين من أجل اتخاذ موقف تشريعي واضح وإنهاء لعبة المطمطة والتواري!!.
span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span