هل يصلح النواب نظامهم الداخلي لسن أسنانهم؟

هل يصلح النواب نظامهم الداخلي لسن أسنانهم؟
الرابط المختصر

بات من الضروري إصلاح النظام الداخلي لمجلس النواب حتى يفعّل دور سلطة النواب في مساءلة الحكومة وسن التشريعات, بخاصة بعد أن أمر الملك عبد الله الثاني حكومته الجديدة بتنفيذ إصلاحات سياسية "حقيقية" بما يضمن أمن واستقرار البلاد والعباد.

تأطير علاقة مجلس النواب مع الحكومة, وقف التفاهمات المصلحية والمكاسب الشخصية وتبادل المنافع على حساب المصلحة العامة غير ممكن إلا في إطار مشروع لإصلاح المجلس المنتخب بعد أن تراجعت صورته لدى الشارع والنخب إلى أسفل درك.

كتلة التجمع الديمقراطي البرلمانية تقود محاولة إصلاح نظام المجلس الداخلي بما فيه تنظيم الحقوق النيابية في السؤال, استجواب الوزراء, حجب الثقة وحسن إدارة الوقت, وذلك بعد 16 عاما على آخر تعديل في النظام الداخلي. تأمل هذه الكتلة اليسارية في تحقيق هدفها مع نهاية الدورة العادية الحالية في الربيع, مستفيدة من الحراك المجتمعي والسياسي المساند لتحديث الدستور, الذي سن عام .1952

فإما أن يظل المجلس مطواعا على هامش العملية السياسية ومطية بيد الحكومة أو يركب أسنانا حادّة تزيد من فعاليته وتفعل دوره ضمن آليات عمل الدولة وهوامش المسموح والممنوع في علاقة مجلس النواب بالحكومة من جهة, ومع رئاسة المجلس من جهة أخرى.

التعديلات المنشودة يفترض أن تحدّث دور السلطة التشريعية وتعيد الفعّالية إلى مجلس مقيد بنظام داخلي بال, يعطي لرئيسه سلطات واسعة لكبح حراك النواب ويفتح الباب أمام التواطؤ مع الحكومات لتمرير سياساتها, بينما يبقي سيف حل المجلس مسلطا على رقابهم إن حاول أي منهم التمرد.

التعديلات التي أدخلت على النظام الداخلي عام 1996 كانت شكلية تتصل بإضافة لجان وتحديد بروتوكول افتتاح دورة المجلس. لذلك يعود جوهر الآلية المتبعة إلى عام ,1955 وهي فردية لا تتعاطى مع المجلس كمؤسسة تمثيلية فيها تيارات مختلفة. ولا بد من أن يطوّر الإصلاح المنشود أسس وقواعد إدارة المجلس ومأسسة آلية صنع القرار مع الاعتراف بالكتل النيابية كهيئات تمثيل عن الناخبين, حتى يكون لهم حضور في بيت الشعب. تتماشى هذه الأفكار مع خطط تعديل قانون الانتخاب إلى آلية اقتراع نسبي; صوت لمرشح الدائرة وثان لمرشح ضمن قائمة على مستوى المحافظة أو الوطن.

النائب المخضرم بسام حدادين (منذ 1989) يقول إن لديه مشروع نظام داخلي متطور توصل إليه بعد أن درس الأنظمة الداخلية لغالبية الدول العربية وإيطاليا وجال في 22 برلمانا حول العالم.

خلال عهد الملك عبد الله الثاني, الذي بدأ مطلع ,1999 حلّ المجلس النيابي مرتين دون إبداء أسباب واضحة, مع أن قرار الحل حق للملك. اليوم, بات تحديث الدستور وتفعيل نظام الحكم - نيابي ملكي وراثي - مطلبا لحراك الشارع, الأحزاب السياسية, الكتل النيابية ومنظمات مجتمع مدني.

بعض التعديلات المطلوبة على النظام الداخلي, بخاصة المتعلقة بالشق الإداري, شؤون لجانه بيد المجلس. لكن هناك بنودا أخرى تحتاج إلى تعديل مواد دستورية; بما فيها ضرورة تبرير قرار حلّ المجلس وربطه بالدعوة لانتخابات نيابية بتاريخ محدد, تحديد مدّة خدمة رئيسه بعام, حق الفصل في صحة نيابة أعضائه, تحديد جدول أعمال الدورات الاستثنائية, محاكمة الوزراء وتشكيل المحكمة الدستورية.

يتفق حدّادين والنائب الجديد الزميل جميل النمري - من كتلة التجمع الديمقراطي - بأن النظام الداخلي الحالي "متخلف" يحافظ على تقاليد برلمانية انقرضت, ويضر بدور المجلس وهيبته, كما يساعد على تداخل عمل السلطات بطريقة تضر بمصالح الدولة وحقوق المواطنين.

يقول النمري في حوار مع كاتبة المقال: "وضع نظام داخلي جديد قد ينتج إمكانيات هائلة لعمل المجلس ودوره من حيث استثمار أفضل للوقت وكفاءة الأداء, وبالتالي يمتلك سلطة أقوى في التشريع, المراقبة والمساءلة".

حدادين بدأ المطالبة بتلك التعديلات علنا خلال المجلس الخامس عشر, الذي حلّ أواخر 2009 عقب انهيار المظلة الأمنية, التي كانت تتحكم بمفاتيحه من خلال كتلة رئيسة بقيادة عبد الهادي المجالي, رئيس المجلس السابق لعدة دورات, بالتحالف مع كتلة أخرى.

قبل شهور, كرّر التاريخ نفسه عندما تفاهمت ثلاث كتل تشكّلت على عجل دون أي محتوى سياسي أو تناغم على تقاسم المناصب في المكتب الدائم واللجان بسبب امتلاكها أغلبية تصل إلى 60% من المجلس, تاركة وراءها خبرات نيابية لا يجوز إقصاؤها.

مبادرة النائب حدادين أحبطت في المرة الأولى بسبب موقف المجالي وقرار الحل المفاجئ. اليوم يراهن هو وكتلته على موقف رئيس المجلس الجديد فيصل الفايز, الذي يدعم مشروع إصلاح النظام الداخلي, بل يدعو له.

النظام الداخلي الحالي يفضي إلى:

- هدر الوقت والجهدٍ بالكامل بسبب قصر فترة الدورة العادية التي لا تزيد على أربعة أشهر في السنة, ما يحرم المجلس من التركيز على الرقابة والتشريع. المطلوب ديمومة نشاط المجلس على مدار السنة مع تحديد أوقات إجازاته السنوية, وتمديد مدة الرئاسة من سنة إلى أربع.

- سلطات رئيس المجلس استثنائية بحيث أنه في حال قرر ترتيب أموره مع الحكومة باستطاعته شل مجلس النواب. فهو الذي يحدّد جدول أعمال كل جلسة, ويمكنه تأخير فتح باب النقاش حول أي قضية طارئة لا تحتمل التأجيل بدلا من أن تكون سلطة القرار جماعية بيد هيئة الأمانة.

- "بند ما يستجد من أعمال" يدرج بقرار من الرئيس ويتيح لعشرة نواب أن يتحدثوا في إطاره بما يحلو لهم لمدة ثلاث دقائق دون الأخذ بالاعتبار أن ما يتحدثون به أمر طارئ ومستجد يستوجب البحث. وليس هناك ما يلزم الحكومة بالرد أو التعليق على ما يثار من مواضيع إلا من الناحية الأدبية.

- لا توجد نصوص تتعامل مع آلية مناقشة القوانين. إذ يقفز النقاش عن كل الجهود التي تبذل في اجتماعات اللجان, ويفتح على مصراعيه تحت القبّة - على نحو ارتجالي- وكأن اللجان لم تناقش أي شيء. البديل هو فتح النقاش في الجلسة العامة (تحت القبّة) حول الاقتراحات التي تمحصّها اللجان. ويستطيع الرئيس التحكم بالنقاشات التي تجرى تحت القبة.

- النظام الحالي يكرس تفرد النائب بديلا عن العمل الجمعي, في إطار نيابي (كتلة أو حزب), يحمل ممثلوه في اللجان موقف الإطار واقتراحات بالتعديل إن وجدت. فتتم دراسة الأفكار بتعمق في اللجان ويبقى حق المجلس محفوظا برد أو قبول المقترحات على اختلافها. لغاية اليوم الكتل السياسية هلامية لا دور لها.

- يفترض أن المجال الوحيد لمساءلة الحكومة من خلال بند ما يستجد من أعمال أو من خلال توجيه أسئلة مباشرة. لكن لا يترتب على إحجام الحكومة عن الرد على أي من تلك الأسئلة أي محاسبة, فيما الوزراء لا يردون بطريقة فاعلة لعدم وجود آليات داخلية لتطبيق نصوص الدستور المتعلقة بطرح الثقة في الوزراء.

- لا توجد آليات لوضع النائب بصورة النقاشات التي تدور داخل اللجان حتى يكون فكرة عن الموضوع قبل عرضه على مجلس النواب لمناقشته بهدف إقراره أو إدخال تعديلات عليه.

- نظام التصويت الالكتروني ما زال غير مفعل في غالبية الأحيان, ما يعني أن الرئيس يستطيع التحكم بعملية تنظيم دور النواب ويعطي أولية الكلام طبقا لأهوائه.

- مشاريع القرارات, الأسئلة النيابية وأجوبة الحكومة, الأجندات تطبع على ورق وترسل باليد لكل نائب ما يعني هدرا هائلا في الورق وتكاليف المواصلات.

- لا ينص النظام الداخلي على آليات رقابة واضحة للمجلس على جهازه المالي والإداري. فلا أحد يعرف شيئا عن موازنة المجلس, وطريقة إنفاق بنودها.

بعد هذا السرد, ثمة أمل في أن يشكّل رئيس مجلس النواب, المتحمس لفكرة تعديل النظام الداخلي, فريق عمل من ممثلي الكتل, والشخصيات المستقلة, ليقترح الإصلاحات بالتوافق, ثم ترسل إلى اللجنة القانونية ومنها إلى المجلس ليتم التصويت على النظام الجديد, بدلا من ترك أمر الإصلاحات للجنة القانونية ورئيسها, بحسب ما ينص عليه النظام الداخلي الحالي.

فالمصيبة قادمة إن لم يعد النواب إنتاج أدوات جديدة وأساليب تكسب مجلسهم الاحترام المفقود وتخفّف من هيمنة الجهاز الإداري وسطوة الحكومات على آليات عمل الدولة ومفاصلها.