هل يريد الشارع الإصلاح؟

هل يريد الشارع الإصلاح؟
الرابط المختصر

ثمة من يريد أن يفرّق بين مطالب النخب السياسية الإصلاحية ومطالب الشارع، باعتبار أنّ اهتمام المواطن العادي لا يتجاوز المطالب الاجتماعية والاقتصادية العادية، من حياة كريمة وتعليم وخدمات وصحة وفرص عمل ومعاملة محترمة. وهي مطالب تبتعد كثيراً عن سجالات النخب ومعاركها السياسية والإعلامية.

هذه القراءة صحيحة عند النظر فقط إلى "السطح السياسي"، وبالنظر إلى الفجوة التقليدية بين الدائرة النخبوية والشعبية. لكن بعد التطورات الأخيرة، وذوبان الجليد الثقافي والسياسي الذي كان يجمّد الدماء في عروق الحركة الشعبية، فإنّنا بحاجة إلى قراءة أكثر دقة وعمقاً، تستكشف ما يمكن أن تأتي به الأيام المقبلة، في ضوء ما يحدث في أغلب الدول العربية.

صحيح أنّ مطالب المواطنين ما تزال في إطار المطالب الاقتصادية الطبيعية، لكنّها تتطور اليوم من خلال حركات احتجاج على الأرض وفي الفضاء الالكتروني، وتؤدي بصورة متوالية ومتسارعة إلى سلسلة من الاستنتاجات التي ستؤدي في نهاية اليوم إلى اكتمال الحلقة المفقودة بين النخب والشارع، وتجميع المطالب وتكثيفها من خلال عناوين محددة، مثلاً: الديمقراطية، العدالة، الكرامة.

كيف ستكتمل الحلقة المفقودة؟.. عندما يبدأ المواطنون بالبحث عن إجابات للأسئلة التالية: لماذا هذه المعاناة الاقتصادية والضغوط اليومية؟ لماذا هذه الفجوة الطبقية الفجّة؟ لماذا أعمل وأجتهد وأتعب، وأدفع الضرائب، ثم لا أشعر بالاطمئنان؟ لماذا نفتقد التكافؤ في فرص العمل والخدمات والتنمية؟..

كيف أثرى مجموعة من المتنفذين وأصبحوا يمتلكون البلايين بينما الشريحة الواسعة مسكونة بهواجس الضغوط المالية اليومية؟ أليس من حق المواطنين متوسطي الدخل أن يجدوا تعليماً حكومياً متميزاً يمنح أبناءهم القدرة الحقيقية على التنافس مع أبناء الطبقة الثرية في المدارس والجامعات؟ لماذا تضطر الطبقة الوسطى أن تدفع ما يقارب نصف دخلها على التعليم العام مع أنه حق على الدولة؟

لماذا يضطر الشباب الباحث عن عمل إلى انتظار "الموافقة الأمنية" عندما يجد فرصة مناسبة؟ لماذا تعاني الجامعات من المحسوبيات وضعف الاستقلالية؟ لماذا لا يأمن المواطن الحصول على معاملة لائقة كريمة محترمة في الأجهزة الأمنية المعنية؟ لماذا يعاني المواطنون عند ذهابهم إلى القضاء؟

هذه جملة أسئلة من مئات أخرى، بدأت تُطرح، وأخذ الناس البسطاء يبحثون عن إجابات لها، وتحديداً من أبناء الطبقة الوسطى. وقد بدأت تتولّد إجابات تربط كل ذلك بفشل إدارة الحياة السياسية وبسبب الفساد، وغياب الرقابة على السلطة السياسية واختلال العلاقة بين المواطن والدولة والمؤسسات المعنية، وضرورة الإصلاح الأمني، وهو بالضرورة ما سيقود قريباً جداً إلى تجسير أي فجوات بين مطالب الشارع اليومية والضغط بضرورة الإصلاح السياسي الحقيقي.

عند ذلك، وكما حدث في مصر وتونس واليمن، ستتوارى وتتراجع الاختلافات الثانوية والإقليمية والجهوية، الني كانت تهدد السلم الاجتماعي، وسيحدد الجميع الهدف والخصم والأجندة، وهو ما يقع اليوم في صلب مهمة الطبقة الوسطى من المتعلمين والأطباء والمهندسين والمحامين والمثقفين والمعلمين والأكاديميين أن يحاولوا تخليق هذه الأجواء من التوافقات الشعبية الوطنية، التي تمثّل قوة الدفع الحقيقية للأمام، وصمام الأمان من محاولات اللعب على التناقضات.

ما يعزز القناعة أنّنا على مسافة قدم واحدة من ولادة الدفع الإصلاحي الحقيقي هو ما نلاحظه من أجواء تفاعلية كبيرة، وتحديداً لدى الطبقة الوسطى، لكن المطلوب أن تنتقل من الغرف المغلقة والفضاء الالكتروني إلى الحوار الحر الصريح في الهواء النقي للإجابة عن التساؤل: ماذا نريد؟ وكيف يكون ذلك؟

الغد

أضف تعليقك