هل ننتخب ثالث برلمان في أربع سنوات؟
بنهاية شهر أيار المقبل، سينتهي التفويض الممنوح للجنة الحوار الوطني، والأرجح أن اللجنة ستكون فرغت من إعداد مشروعي قانونين، الأول للأحزاب والثاني للانتخاب، بصرف النظر عمّا سيحيط بهما من جدل وما سيثيرانه من نقاش سياسي وفكري واجتماعي.
وسيكون على الحكومة بعد ذلك أن تقرر بشأنهما، هل ستقبل بهما كما وردا من اللجنة أم ستدخل عليهما بعض التبديل والتعديل؟...أرجّح أن تقبل الحكومة بالقانونين كما وردا إليها من اللجنة، وإلا فقدت الحكومة واللجنة صدقيتهما معاً...لكنني لا أدري كيف ستتعامل الحكومة مع بعض المقترحات والتعديلات التي يتطلب إدخالها على القانونين (بالذات قانون الانتخاب) تعديلات دستورية، هل ستطلق الحكومة الآلية التشريعية لتعديل الدستور، أم أنها ستضرب صفحاً عن هذه المقترحات بخاصّة، وبحجة أنها تحتاج إلى تعديلات دستورية لم يحن أوانها بعد.
وبعد أن تضع الحكومة لمساتها على مشروعي القانونين، هل ستحيلهما لمجلس النواب لاستكمال المسار التشريعي المعروف، أم ستصدرهما بقوانين مؤقتة...إن أخذت بالخيار الأول، ما المصير الذي ستؤول إليه أعمال لجنة الحوار، أليس مجلس النواب «سيد نفسه»، ألا يجوز على سبيل المثال، أن يفرغ المجلس المقترحات من مضمونها، أو أن يدخلها في آلية تشريعية «طويلة المدى»، ودائما هناك أسباب وذرائع ووسائل والأهم «مصالح» لفعل ذلك....كيف ستكون ردة الفعل في حال كهذا، كيف ستتصرف الحكومة بسيناريو من هذا النوع ؟!.
وإن اختارت الحكومة إصدار التشريعين المقترحين على صورة «القوانين المؤقتة» المعروفة، والتي اشتهرت بها حكومات السنوات العشر الأخيرة، ما الذي ستكون عليه ردة فعل المجلس النيابي...وهل سنتقدم الحكومة على اقتراح حل المجلس وإجراء انتخابات مبكرة...وإن كان ذلك كذلك، متى يكون الحل، ومتى تُجرى الانتخابات....هل سننتخب ثالث برلمان في أربع سنوات؟...من المفترض أن برلمان 2007 لم يكمل ولايته الدستورية بعد، وها نحن نتحدث عن حل وترحيل البرلمان الذي تلاه، وانتخاب البرلمان الذي سيليهما؟!.
لسنا على بيّنة بعد مما سيحدث بعد أن تفرغ لجنة الحوار الوطني من أداء مهمتها...ولا ندري إن كانت الحكومة مدركة لما يتعين عمله...ولا ندري إن كان «صنّاع القرار» في الدولة قد حزموا وحسموا أمرهم في هذا الشأن...بالعادة الحكومات لا تعرف الكثير عن الخطوات اللاحقة، بل هي لا تعرف إلى متى تبقى ومتى سترحل...أما صنّاع القرار في الدولة، فالأرجح أنهم يتأملون مزاج الشارع وتوازناته وموازين القوى فيه، الأرجح أنهم يتتبعون التحولات في مواقف ومواقع اللاعبين المحليين ومراكز القوى السياسية والاجتماعية، كما أنهم «يتسقّطون» اتجاهات هبوب الرياح الإقليمية والدولية...وفي ضوء ذلك كله، ستتقرر الوجهة التي ستسلكها خطواتهم التالية.
هذه المرة، لا يجوز، ومن غير الممكن، أن تلقى نتائج أعمال لجنة الحوار الوطني، مصائر مشابهة للمصائر التي آلت إليها أعمال وتوصيات لجان شبيهة تشكلت في غضون السنوات العشر الفائتة...الوضع السياسي والشعبي، المحلي والإقليمي، لا يسمح بكثير من المماطلة والتسويف...لا يسمح بمزيد من اليأس والإحباط...صحيح أن الحراك الشعبي ما زال متواضعاً..وصحيح أنه يتجه للهدوء عموماً...بيد أن الصحيح كذلك، أن الأمور متحركة، وأن من مصلحة البلاد والعباد، تسريع الحراك وحث الخطى على طريق الإصلاح السياسي والتحوّل الديمقراطي.
ربما أكون مخطئاً، وتكون للحكومة، تصوراتها المعدّة سلفاً لمرحلة ما بعد انتهاء لجنة الحوار الوطني من إنجاز مهامها...وأنها – الحكومة – لا تريد استباق الأمور وخلق مشاكل وردات فعل سابقة لأوانها وفي غير مطرحها وتوقيتها...ولكن تجربة السنوات السابقة، علمتنا أن لا نركن كثيراً لهذه الرهانات.
لن يطول انتظارنا، فما هي سوى عدة أسابيع، حتى نتعرف على طبيعة الخطوة التالية، فإما قانون إصلاحي حقيقي للانتخاب، وحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وإما الدخول من جديد في دوامة المراوحة وإعادة تجريب المجرب، ولعبة شراء الوقت وتقطيعه، على أمل أن تنجلي «سحابة الإصلاح والتغيير» التي تظلل المنطقة وتثقل كاهل حكوماتها.
الدستور