هل تلتزم المؤسسات والدول المانحة بمكافحة الفساد ؟

هل تلتزم المؤسسات والدول المانحة بمكافحة الفساد ؟
الرابط المختصر

قبل سنوات قليلة اجتمعت كافة المؤسسات المانحة في العالم في باريس وناقشت كيفية تطوير برامجها الداعمة للتنمية في دول الجنوب وخرجت بمجموعة من المبادئ التي تبناها إعلان باريس ومن ضمنها مكافحة الفساد في تقديم مساعدات التنمية. لكن إلى اي مدى تلتزم تلك المؤسسات بمكافحة الفساد حقا وهل تضطر أن تتجاوز هذه المبادئ لتمرير صفقات مع حكومات ووزارات فاسدة أم أنها تصل إلى مستوى “تشجيع” ودعم الفساد؟

في  العالم العربي هنالك اعتماد شبه تام على المساعدات الخارجية نظرا لضآلة الدعم المحلي لبرامج التنمية المختلفة وعدم قناعة كثير من المسؤولين وصناع القرار بهذه الأولويات. الدعم المقدم من الجهات المانحة يتجه نحو الحكومات والمجتمع المدني وأحيانا القطاع الخاص والأكاديمي حسب معايير التمويل. تعشق الحكومات العربية المشاريع التي تندرج تحت بند “التطوير المؤسسي” وكذلك الأمر للجهات المانحة. مشاريع التطوير المؤسسي هي مفتاح السفر واللجان والمكافآت والمياومات والاستشارات ولكن في معظم الحالات تعوزها الإرادة السياسية. ما أن ينتهي مشروع تطوير مؤسسي بتوصيات محددة وواضحة يأتي المشروع التالي ليبدأ من جديد ويقدم توصيات مختلفة أو مكررة المهم في العملية تعظيم الاستفادة من المال المجاني خاصة تحت نظرية “ما الذي سنحصل عليه” مقابل الدعم، والجواب على هذا السؤال يكون في الغالب مصالح شخصية فقط.

في حالات كثيرة تضطر المؤسسات المانحة لعقد صفقات مع مسؤولين حكوميين يتعمَّدون تعطيل بعض المشاريع بحثا عن مكاسب شخصية. هذه المكاسب قد تتراوح ما بين عضوية لجنة أو تعيين شخص قريب في مشروع وقد تصل إلى إحالة عطاءات كبيرة على شركات يمتلك المسؤول اسهما فيها أو يكون شريكا في أرباحها. تتغاضى الجهات المانحة أحيانا عن تلك السلوكيات بهدف ضمان تنفيذ مشاريعها والحصول على الأهداف الأكبر وهي معادلة معروفة وأصبحت تمارس بكفاءة عالية من الجهتين بل أن بعض الجهات المانحة التي تتشدد في عدم تقديم هذه الصفقات يصبح مغضوبا عليها ولا تحصل على موافقة رسمية لتنفيذ المشاريع ويتم البحث عن ممولين آخرين “أكثر تساهلا” في شروط التمويل.

إذا كان الفساد في القطاع العام معروفا فهو ايضا اصبح منتشرا في المجتمع المدني. تشير سجلات العديد من الجمعيات التي تم إنشاؤها في مختلف الدول العربية إلى حالات ثراء عجيبة اصابت القائمين عليها نتيجة المشاريع التي نفذوها. بالرغم من وجود لوائح ومعايير تمنع الإثراء الشخصي هنالك عدة وسائل للتلاعب بهذه العقبات وبالتالي تسهيل تدفق الأموال من الجهات المانحة نحو الأشخاص القائمين على الجمعيات أكثر من تحويلها للإنفاق الفعلي على الأنشطة. كل ما يتطلبه الموضوع تقارير سير عمل بموازنات يتم التلاعب بها وتحت موافقة الطرفين. ظاهرة أخرى انتشرت في العالم العربي هي “تفريخ” المنظمات الجديدة فإذا كان شخص ما قد أثبت نجاحا مع منظمات مانحة وهو يعمل مديرا للمشاريع في جمعية ما يمكن له أن يستقيل من جمعيته الأولى ويفتح “بقالة” أو جمعية جديدة يصبح فيها هو الآمر الناهي ويحصل على أموال الجهات المانحة مباشرة بدلا من المرور بجمعيته السابقة.

الفساد في المشاريع التنموية في العالم العربي كبير وللأسف فإن بعض الجهات المانحة شريكة في هذه الممارسات التي تتعارض تماما مع قيم الشفافية والنزاهة في الإدارة التنموية.

الدستور

أضف تعليقك