هل تشرف هيئة مستقلة عليا على الانتخابات القادمة؟
بعد أن طالت الخدوش نزاهة الانتخابات النيابية الأخيرة وأثارت مظاهر احتجاجية حول المملكة كان بعض أبطالها مرشحين خاسرين ومؤازريهم, يأمل ساسة وحزبيون في أن تشكّل الحكومة لجنة عليا مستقلة, محايدة غير قابلة للعزل تخضع لمظلتها الأجهزة التنفيذية والأمنية كافة لتشرف على العرس الديمقراطي القادم.
هكذا مفوضية وطنية مستقلة تدير وتشرف على الانتخابات, حال العراق ولبنان, كفيلة بتعزيز التحسينات الإجرائية الأخيرة على عملية الاقتراع التي لمسها الناخبون والمرشحون هذا العام, وقطع الشك باليقين حيال معيار النزاهة الذي تفاوت من منطقة لأخرى في الانتخابات الأخيرة.
فلا يمكن أن يبقى الخصم هو الحكم. ولا يعقل أن يكون المجلس النيابي السادس عشر هو الجهة التي ستفتي في طلبات الطعون المتزايدة منذ إعلان نتائج الانتخابات, تماشيا مع القانون المؤقت الإشكالي.
في غيابها, لن يهدأ السجال الناعم والخشن حول آليات التدقيق المتبعة حاليا. وستطال الشبهات أي انتخابات مقبلة في مجتمع ساهم بعض أبنائه في بيع أصواتهم ضمن مخالفات سجلت هنا وهناك, بعد أن استبدلت السلطة معيار تدخلها المباشر لمصلحة المرضي عليهم, بطلبات صدرت لس وص من المرشحين بالنزول في بعض الدوائر.
تشكيل مفوضية مستقلة للإشراف على الانتخابات مطلب سبق أن تبناه المركز الوطني لحقوق الإنسان ضمن حملة وطنية:التحالف الوطني الأردني لإصلاح الإطار القانوني الناظم للعملية الانتخابية على أمل تجويد عملية تعد ركنا في مسيرة الإصلاح السياسي تبدأ عبر بوابة مجلس النواب.
يرفع من سقف التوقعات بميلاد هكذا لجنة التزام الأردن المعلن بمسار الإصلاح السياسي المتعثر وتوسيع مناخ الحريات العامة كشرط لحصوله على الوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوروبي أواخر الشهر الماضي, ليغدو ثانية الدول العربية بعد المغرب تحصل على هذا الوضع. من البديهي أن ترصد بعثات المفوضية الأوروبية ودول الاتحاد المعتمدة كيفية تعامل الحكومة مع تطبيق خطة العمل المشتركة التي انتهى التفاوض بشأنها في ختام الدورة التاسعة لمجلس الشراكة الأوروبي, في بروكسل نهاية الشهر الماضي.
الشق السياسي في الخطة يدور حول ثلاثة محاور رئيسية تدفع صوب إصلاحات متكاملة طالما اشتكى الملك عبد الله الثاني من عرقلتها على يد بعض الجهات في الأردن, ما وضع ملف الإصلاح بين مد وجزر وأفقد الخطاب الرسمي الكثير من الثقة بإمكانية إحداث تغييرات ليست شكلية ترضي المانحين الغربيين وتبقي حنفيات الأموال مفتوحة.
يتحدث هذا المحور عن تأسيس مفوضية مستقلة لتشرف على الانتخابات, تعزيز دور الأحزاب السياسية وتمكينها من خلال مراجعة قانون الأحزاب, اعتماد آلية قانونية لمراقبة وطنية للانتخابات, تفعيل رقابة مجلس الأمّة على الحكومة وتدعيم دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان وديوان المظالم.
روح الإصرار على الإصلاحات السياسية التي تعطلت لسنوات كانت واضحة في كتاب التكليف الملكي لحكومة سمير الرفاعي الثانية. وأيضا في تأكيد الرفاعي عشية الانتخابات بأن الحكومة, أيا كان رئيسها, سترسل قانون الانتخاب المؤقت لأولى جلسات مجلس النواب كي يكون صاحب القرار في تعديله وإقراره قانونا دائما, كذلك شدد على ضرورة توسيع مناخ الحريات الإعلامية والسياسية ضمن حدود القانون.
الدعوة لتأسيس مفوضية عليا انطلقت عام .2009 وكانت مهمة لجهة توقيتها قبيل إقدام الملك على حل المجلس النيابي الخامس عشر أواخر العام الماضي, قبل عامين من استكمال مدته الدستورية.
حكومة الرفاعي تبنت العديد من المقترحات التي قدمتها تلك المبادرة وأدخلتها ضمن القانون المؤقت الذي طبخ بسرية دون التشاور مع الأطراف المعنية, ولم تقبل فكرة تشكيل مثل تلك الهيئة. ورفضت أيضا مطلب تعديل قانون الصوت الواحد غير المتحول المعتمد في الأردن منذ عام ,1993 واستبداله بنظام انتخابي مختلط يقوم صوتين للناخب: لمرشح الدائرة الصغيرة وللقائمة الحزبية/النسبية الوطنية - وهي من توصيات الأجندة الوطنية التي أنجزت قبل خمس سنوات لكن محاورها السياسية ظلّت حبرا على ورق مقابل تسريع الإصلاحات الاقتصادية. لم تقبل الحكومة كذلك مقترحات بإسناد عملية الفصل في الطعون في نتائج الانتخابات إلى القضاء.
لكن يحسب لحكومة الرفاعي أنها طوّرت في الجانب الإجرائي ونجحت في الحصول على شهادات دولية بنزاهة الإجراءات التي رافقت العملية الانتخابية, بحسب القانون مع تسجيل تحفظات على عدالة القانون الحالي وسط شكوك مشروعة تحوم حول عدد من الدوائر, أبرزها عمان الأولى, الثانية, الثالثة وبعض دوائر البلقاء, الطفيلة وإربد.
ينتظر جمهور المشككين صدور التقرير النهائي في غضون عشرة أيام عن المركز الوطني لحقوق الإنسان, بعد تحليل 8200 استبيان جمعه راصدوه من مختلف محافظات المملكة بما فيها البؤر الساخنة - الدوائر مثار الشكوى المستمرة, ومطابقة ما رصد مع شكاوى هاتفية وصلته يوم الاقتراع من المحافظات كافة.
فى انتخابات ,2007 تضمن تقرير المركز إشارات إلى شبهات ساهمت في كسر ما تبقّى من هيبة مجلس النواب - أحد جناحي السلطة التشريعية التي تراقب أداء السلطة التنفيذية. ذلك التقرير الجريء نظر إليه كأحد أسباب تنحية رئيس مجلس إدارة المركز أحمد عبيدات بعد شهور على صدوره. اليوم يأمل الجميع أن يواصل رئيس المجلس الحالي, رئيس الوزراء الأسبق, عدنان بدران العمل بالروح الجريئة والموضوعية ذاتها.
مأسسة مفوضية مستقلة للإشراف على الانتخابات لا تحتاج إلى تعديلات دستورية, إذ أن بإمكان الحكومة- التي تشرف على الانتخابات - وضع مسودة قانون ليؤسس جسما كهذا وترسله إلى مجلس النواب لإقراره. لكن يؤمل أن يشكل المعيار العراقي قياسا في إنشاء مفوضيه كهذه, بعيدا عن روح ومضمون اللجنة العليا للانتخابات التي أعلنت عنها الحكومة المصرية أخيرا للإشراف على الانتخابات المقررة اليوم الأحد وسط تساؤلات مشروعة عمن يديرها?
فعلى الورق, يقول مسؤولون هناك وأعضاء في الحزب الوطني الحاكم, إن هذه اللجنة مستقلة وقادرة على الاضطلاع بمهامها. في المقابل يؤشر تحليل لتشكيلة اللجنة وسلوكها إلى أنها لا تتمتع بأي استقلالية بل هي موسمية ومحدودة الصلاحيات القانونية والقدرات البشرية والمادية, وظيفتها الرئيسية إعلان نتائج عملية لا تملك أي أداة لإدارتها أو الإشراف عليها. بالتوازي مع عمل تلك اللجنة المكبلة بأنواع القيود, تجري على أرض الواقع عمليات قمع واسعة النطاق ضد أنصار بعض المرشحين/ خاصة الإسلاميين والجماعات الداعية لمقاطعة الانتخابات, وسط تكميم أفواه غير مسبوق ضد وسائل الإعلام المرئية. وسط ذلك كله لا تستطيع اللجنة المكلفة النطق بكلمة واحدة إزاء تلك الأحداث التي تؤثر على إرادة الناخب وحرية الانتخابات ونزاهتها.
في مصر اضطرت السلطة الى تعديل المادة 88 من الدستور في آذار/ مارس 2007 لنقل إدارة الانتخابات إلى لجنة عليا تضم شخصين بحكم منصبهما; رئيسا محكمتي استئناف القاهرة والإسكندرية. يتولى الأول رئاسة لجنة تضم قاضيين آخرين يختارهما مجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة وسبعة أعضاء (ثلاثة قضاة سابقين وأربع شخصيات عامة) يختارهم مجلس الشعب. أي أن الغالبية (7 من 11 عضوا) يختارها الحزب الوطني الحاكم الذي يسيطر على غالبية المجلسين.
نظريا, تختص اللجنة بعدة مهام, منها تشكيل اللجان العامة للانتخابات ولجان الاقتراع والفرز ووضع قواعد إعداد جداول الانتخابات, لكن عمليا وزارة الداخلية هي التي تعد هذه الجداول.
لن ندخل في دور وزارة الداخلية المصرية التي هيمنت على مرحلة الترشيح من خلال رفض عشرات الطلبات دون ذكر الأسباب, وحين اشتكى بعضهم إلى القضاء الإداري وحصلوا على أحكام تعيد حقوقهم إليهم, رفضت مديريات الأمن تنفيذ الأحكام وتحايلت عليها بالاستشكال ضدها, ولكن أمام محاكم أخرى. وهذا أسلوب متكرر في الانتخابات بحيث يستهلك الوقت المحدد المتبقي- (أسابيع فقط بين التسجيل والانتخابات), علما أن الأحكام صدرت في اليوم السابق لإجازة عيد الأضحى.
ويطفو على السطح الآن صراع بين اللجنة العليا للانتخابات ووزارة الداخلية. أما رئيس اللجنة, المستشار السيد عبد العزيز عمر, فحاول من خلال أحاديث صحافية تبرئة ذمته من تسويق أي نتائج لا تتحمل اللجنة مسؤولياتها ولا تستطيع التدخل في مسار إنتاجها.
عودة إلى عمان. عيون الأقلية من الأردنيين, الذين لم يفقدوا الأمل نهائيا في وعود الإصلاح السياسي, مسلطة على مجلس النواب الجديد, الذي يفتتح أعماله الملك عبد الله اليوم بخطاب العرش. فهل سيكون هذا المجلس, الذي تسيطر عليه غالبية تقليدية إضافة لما يزيد على 25 يساريا وإصلاحيا, قادرا على إقرار قانون انتخابات جديد ينسجم مع مصلحة الوطن ويوسع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار, تماشيا مع طلب الملك في كتاب التكليف? باختصار, هل يدخل هذا المجلس تاريخ الأردن الحديث على أنه ساهم في استقرار التشريع الرئيسي في الحياة السياسية, علما أن قوانين الانتخاب ظلت مؤقتة منذ عام 1947 في غياب توافق مجتمعي حولها.
ما لم تأخذ الدولة زمام المبادرة صوب إصلاحات سياسية تدريجية ضمن خطة واضحة المعالم تعرّف شكل الأردن وهويته سيبقى الباب مفتوحا أمام منظمات المجتمع المدني والتيار الإسلامي الذي قاطع الانتخابات الأخيرة, لتقديم خطة بديلة. وبالتأكيد لن يقف المانحون الأمريكيون والأوروبيون صامتين إذا استمرت لعبة المراوحة في تنفيذ إصلاحات سياسية لبناء دولة المواطنة والمساواة في الحقوق المدنية والحاكمية الرشيدة.
span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span