هل تتبرأ عمان من المفاوضات؟!
تصريحات المسؤولين السياسيين في عمان، ترسل برقيات تحذير من أي اتفاق إطار بين الفلسطينيين والاسرائيليين قد يمس مصالح الاردن.
كل التصريحات تقول إن الأردن يدعم المفاوضات لكنه لن يقبل بأي اتفاق اطار يمس مصالحه، والمقصود بمصالحه هنا ملفات مهمة تخصه مثل اللاجئين والقدس والتعويضات وغير ذلك،وهي ملفات تخصه كدولة وراعية لمواطنيها، فوق جوارها للضفة الفلسطينية. هذا في الوقت الذي يقول فيه مسؤولون إن الأردن لن يقبل أي اتفاق لا يطلع على تفاصيله كاملة، والمقصود هنا أي اتفاق قد يأتي مباغتة،على عكس ماتشتهي السفن وعلى عكس ما يتوقع الأردن، وقد يحمل تهديدات بنيوية لمصالح الأردن العليا.
حسنا، اللافت للانتباه في كل القصة تلك التناقضات التي نلمسها،لان المسؤولين يقولون إن الامريكيين والفلسطينيين والإسرائيليين يضعون الأردن في صورة كل المباحثات والتفاصيل- وإذا كان كذلك - فلماذا يخشى الأردن إذن من مفاجآت او اتفاقات قد تهدد مصالحه،إذا كان مطلا فعلا على كل شيء؟!.
اذا كان مطلا على كل التفاصيل -كما يقول - فهو قادر على ماهو مفترض ان يعرف مسبقا،اذا ماكان الاتفاق المقبل سيكون لصالح الاردن ام لا ؟!.
هذا يعني ان كل اشارات المتابعة التفصيلية التي تتغطى بها عمان الرسمية،غير دقيقة،وقد تكون هناك مفاوضات مخفية،او يتم اخفاء بعض مافيها عن الاردن،وهذا يفسر سر التحوطات والتحذيرات والانذارات التي تتوالى على كل الالسن الناطقة في عمان.
التفسير الاخر،للتصريحات المتناقضة في مضمونها،يأتي من باب الاستنتاج،وهو يقول ان الاردن يريد ان يتبرأ مسبقا من اي اتفاق قد يتم اشهاره،خلال الفترة المقبلة،وهذا التبرؤ ينساب ضمنيا عبر كثرة الكلام عن ان الاردن لن يقبل اي اتفاق لايحمي مصالحه ولايراعيها،وان الاردن في صورة التفاصيل لكنه قد يباغت باتفاق لايعجبه،وهذه توطئة للقول لاحقا إن الاردن حذر من مفاوضات واتفاقات السر،ولاعلاقة له بأي اتفاق قد يثير ضجة وجلبة بين الاردنيين والفلسطينيين على المستوى الشعبي.
بقية مقال ماهر ابو طير
المنشور على الصفحة الاخيرة
تم تجهيز البيئة الشعبية والسياسية بهذه التلميحات المتناقضة التي تقول إن الاردن خارج اللعبة،وان هناك شيئا ما يجري بعيدا عن عينيه،فلاتلوموه لاحقا. لا احد يعرف هنا على وجه الحصر والتحديد إذا ما كان هذا التبرؤ الضمني يعني عدم معرفة الاردن حقا بالذي يجري،ام انه يعرف ولايريد حمل كلفة الاتفاق على كاهليه،من حيث نتائجه على ملفاته،وبالتالي سيتم تحميل الكلفة للفلسطينيين والاسرائيليين وحدهم ،للقول لاحقا ان الامر لم يكن بيدنا،حتى لايكون هناك ارتداد سياسي على عمان.
في كل الحالات،لايمكن ان يدار الموقف بالبرقيات المشفرة التي يتم ابراقها الى المستوى الشعبي في البلدين،ولا الى المستوى السياسي الفلسطيني والاسرائيلي.
السؤال الصعب:ما جدوى عدم شراكة الاردن في هذه المرحلة من المفاوضات حول اتفاق الاطار،فهذا الاطار سيقود الى مفاوضات الحل النهائي، فلماذا ينتظر الأردن المباغتة باتفاق اطار، سيدفع نتائجه مباشرة وفرديا بعد وقت قصير؟!. لماذا لايضع الاردن يده علنا في ملف التفاوض،دون ان يتدخل إلا بمقدار مايخص ملفاته وليس بديلا عن الفلسطينيين اوشريكا او وصيا اذا كان خائفا على مصالحه العليا؟!.
ألغاز إذن لايمكن فك غوامضها، فالرسالة السياسية تحمل الشيء ونقيضه، فيقولون ان كل الاطراف تضع الاردن في الصورة،لكنهم يعودون ويقولون إن الاردن لن يقبل بأي اتفاق لايعرف عنه شيئا.
ثم يقولون إن هناك ثوابت أردنية محددة، بشأن الحل النهائي، لكنهم يتركون تحديد اطار الحل النهائي لغيرهم،تارة ُيظهرون التفاؤل والقوة ،وتارة يرتسم التشاؤم والحذر والخشية.
بتنا بحاجة إلى «مندل» حتى نفهم أسرار السياسة الخارجية.
الدستور