هدير الحرب : هل يوحدنا؟!
اذا كانت حراكات “الشارع” قد اختلفت على مدى العامين المنصرمين حول “ملف” الاصلاح الداخلي، فان “توحدها” النسبي أمس على “الملف” السوري يعني اننا أمام “تحولات” جديدة يفترض ان نقرأها بوضوح.
المشهد الراهن يذكرنا بما حدث في منتصف العام تسعين من القرن الماضي، آنذاك وقف “المجتمع” الاردني موحداً تجاه “رفض” التدخل في حرب أمريكا ضد العراق، ووجدت “الدولة” نفسها امام حالة انسجام غير مسبوقة انتهت الى “انتصار” قرار “النأي” بالنفس رغم الضغوط التي مورست على الاردن.. ورغم “حسابات” أهم الحلفاء وفي مقدمتهم واشنطن.
الآن، يبدو أن “طبول” الحرب ضد سوريا بدأت تدق، فقد أخرج المسؤولون في لندن وواشنطن “ملف” الاسلحة الكيماوية التي يُتهم النظام في دمشق باستخدامها، وتعالت دعوات تل أبيب “لواشنطن” بوضع حد “للاخطار” التي تهددها اذا ما استمرت الحرب في سوريا وانتقل “المسلحون” الى الجولان، وفي الاثناء تحركت “المراكز” السياسية في المنطقة “لترتيب” اوراقها، استعداداً “لاشتعال” الجبهة وانطلاق “صفارة” الحرب.
السيناريوهات - حتى الآن - غير معروفة تماماً، لكن يبدو انها جاهزة، وسواء بدأت بتوجيه “ضربات” عسكرية في العمق السوري وضد اهداف نوعية محددة لشل قدرة النظام، أو انها اتخذت “شكل” الاختراق بدخول “وحدات” عسكرية خاصة لفرض منطقة آمنة، أو اعلان منطقة “حظر” جوي، أو “السيطرة” على مواقع الاسلحة الكيماوية...، مهما تكن هذه “السيناريوهات” فان الحرب - على ما يبدو - قادمة.. وعلينا ان نتوقع مسألتين: احداهما ان النظام السوري لن يقف مكتوف الايدي، بل سيرد “بقوة” على مصدر النيران وربما غيره.. وسيحاول ان ينقل “المعركة” الى أطراف عديدة في المنطقة، سواء بشكل رد عسكري مباشر أو بتحريك “خلايا” ارهابية قد تكون مجهزة انتظارا لساعة الصفر، أما المسألة الاخرى فهي ان “المتحالفين” مع النظام وهما ايران وحزب الله سيدخلان الى حلبة “الصراع” وسيدافعان عن النظام، ما لم يسبق ذلك ترتيبات “سياسية” مع روسيا لتحييد هذين الحليفين.
حتى الآن، يبدو الموقف الرسمي الاردني “حذراً” تماماً من التدخل في هذه الحرب المتوقعة، فقد أكد الملك في واشنطن ان الاردن لن يكون طرفاً في هذا النزاع، وانه لن يسمح “لقوات امريكية” بالتواجد على الاراضي الاردنية، وبأن “الحل السياسي” هو المخرج الوحيد لانهاء “شلال” الدم في سوريا.
الرسالة التي أطلقها “الحراك” في الشارع “تنسجم” تماماً مع هذا الموقف وتصرّ عليه وتحذر من تجاوزه، وهي - بالطبع - مفهومة لكن الاهم انها “تؤسس” لحالة جديدة يمكن “للحكومة” ان تلتقطها وتبني عليها، لا لمجرد “تجنيب” البلد ويلات اية حرب قادمة فقط (على اهمية ذلك) وانما لتؤسس لمرحلة من “الانسجام” الداخلي عجزنا - للأسف - فيما مضى على انتاجها.
لسنا أبداً مع “النظام” السوري الذي يقتل شعبه ويهدم بلده، ولكن هذه “الحرب” التي تطل علينا برأسها من عواصم لم تشعر “بالرأفة” على السوريين ولم تحرص على وحدتهم وحريتهم بقدر ما تخشى على مصالحها ومصالح الكيان الاسرائيلي، هذه الحرب ليست حربناً، ولا يجوز ان نكون “شركاء” فيها تحت اية مظلة، فما يحدث في سوريا شأن داخلي، ومن واجبنا ان نتعامل معه كذلك، وان نتخذ ما يلزم من “اجراءات” واحترازات لمنع “امتداده” لبلادنا، سواء على الصعي الانساني حيث “مشكلة” اللاجئين، أو على الصعيد السياسي حيث “الضغوطات” التي نواجهها للاندراج في هذه الحرب المتوقعة.
باختصار، أمامنا فرصة لاستثمار هذه “الحالة” الشعبية التي ترفض “الحرب” من اجل “توحيد” جبهتنا الداخلية، واعادة العافية اليها، ورفض كل ما نتعرض له من “ابتزازات” أو “اغراءات” وصولاً الى اتخاذ “موقف” تاريخي ووطني ضد “الحرب”.. فهذه كما قلنا ليست حربنا، ولا تعود على بلدنا ومنطقتنا الا “بالدمار”.
الدستور