هاجس الـ«59,5» بالمائة
يأخذ الحماس لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ، البعض إلى مواقع لا نقبلها لهم ، فهذا يقول بأن من يقاطع الانتخابات لا يحق له الاعتراض على ما يصدر عن مجلس النواب القادم من تشريعات ، وثانْ يؤكد بأن من هم داخل المجلس وحدهم هم من له الحق في الإسهام في بلورة السياسات والتشريعات ، والانخراط في الحوار حولها ، وثالث يكاد يخرج الممتعنين أو المقاطعين عن "الملّة" أو ربما جعلهم مواطنين من درجة ثانية.
الأصل الدستوري ، أن مجلس النواب عند انتخابه ، يصبح ممثلاً للأردنيين جميعاً ، من شارك منهم في الانتخابات أو لم يشارك ، من قاطع منهم أو امتنع عن الخروج من منزله يوم الاقتراع العظيم.. والقاعدة الدستورية تقول ، أن النائب حين يصل إلى قبة البرلمان ، يصبح ممثلا لدائرته الانتخابية ، من اختاره منهم ومن صوّت ضده أو انتخب غيره ، فليس من الديمقراطية ولا من أعرافها ، إطلاق مواقف وتصريحات ، تفترض بالمجلس القادم ، أنه ممثل لجزء من الأردنيين ، وأن الجزء الذي لم يشارك ، محروم من "نعمة التمثيل" لأربع سنوات قادمة ، هذا ليس من الديمقراطية في شيء ، هذا ليس من الدستور في شيء.
ولقد شهدنا في الديمقراطيات الغربية ، الأكثر استقراراً وعراقة ، أن رؤساء وبرلمانات ينتخبون بنسب وفوارق ضئيلة ، وأن أعداداً غفيرة من الناخبين تستنكف عن المشاركة ، وأن قوى وأحزاب تتخذ بين الحين والآخر موقف المقاطعة ، ومع ذلك ، فإن أول شيء يفعله "الفائز أو الفائزون" ، هو التوجه للمواطنين كافة ، من انتخب ومن لم ينتخب ، من اختارهم ومن "ناضل" لإسقاطهم ، بأن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا ، وافتحوا صفحة جديدة... "اقلبوا" صفحة الانتخابات بما فيها من شعارات وتحريض وإساءات ، وتعالوا يداً بيد نكمل المسيرة.
حماس الحكومة لزيادة نسب الإقبال على الانتخاب مفهوم تماماً ، بل ومبرر للغاية ، وأحسب أن نسبة 59,5 بالمائة يجب أن تكون "الحد الأدنى" المستهدف بالنشاط الحكومي لتحفيز الناس على المشاركة ، ولكن من دون أن يتحول هذا الرقم إلى هاجس ضاغط. وأظن أن كثيرين يشاركون الحكومة رغبتها ومصلحتها في زيادة نسب الاقتراع ، وأفترض بأن كل من سيشارك في الانتخابات تصويتاً وترشيحاً له موقف مماثل للموقف الحكومي ، وإن تعددت الأسباب والأغراض والأهداف.
لكن ذلك لا ينبغي أن يدفعنا لـ"شيطنة" المقاطعين ، ولا لإخراجهم من "الملّة" ، كما أنه لا يجب أن يدفعنا للتلفظ بمواقف وتصريحات لا يمكن إجازتها بأي عرف أو قانون أو دستور ، والأهم من كل هذا وذاك ، أننا لا يجب أن نقع في المحظور ، كأن نغمض عيناً عن بعض التجاوزات ، التي من شأنها الإساءة للانتخابات وشفافيتها ، من نوع شراء الأصوات والاستخدام المفرط للمال السياسي.
ثمة إنفاق خارج المألوف في كثير من الحملات الانتخابية ، وثمة استخدام "للمال السياسي" بطرق مباشرة ، قديمة ومعهودة ، وطرق غير مباشرة ، مبتكرة وحديثة ، ، حتى الآن لم نر تفعيلاً لبند العقوبات في قانون الانتخابات.
وأضم صوتي إلى أصوات زملاء سبقوني للتأكيد على أهمية احترام سيادة القانون وتفعيله ، وتقديم نزاهة الانتخابات وشفافيتها على ما عداها من اعتبارات ، لا سيما حين نضع الخطط ونقود التحركات الرامية لتشجيع المواطنين على المشاركة ، فهذه الانتخابات على ما قيل في قانونها أو يمكن أن يقال ، تبدو مفصلية لجهة استرداد ثقة الناس بالعملية الانتخابية برمتها أو فقدانها لسنوات وعقود طوال قادمة ، والكرة في ملعب الحكومة في هذه النقطة بالذات.
الدستور