هؤلاء احجموا عن المطالبة بالإصلاح!

هؤلاء احجموا عن المطالبة بالإصلاح!
الرابط المختصر

قال لي الشباب الذين التقيتهم في اطراف الجنوب انهم غير معنيين بالحراكات التي تطالب بالتعديلات الدستورية او بقانون انتخاب جديد وقبل ان اسألهم لماذا؟ استطردوا قائلين بان ما يهمهم هو الحصول على فرصة عمل ودخل مناسب يوفر لهم حياة كريمة ويمكنهم من الاعتماد على انفسهم وترتيب حياتهم وبناء اسرة مستقرة.

اضافوا ايضا بان الكلام الكبير الذي يسمعونه من النخب حول الاصلاح والتغيير والحرية والديمقراطية يبدو بعيدا عن همومهم، ولا يعبر –ايضا- عن احتياجاتهم التي لا تنتظر التأجيل، وقالوا: ما قيمة الديمقراطية اذا كنا عاطلين عن العمل منذ سنوات ودخل اسرنا لا يكاد يكفي لدفع الفواتير والالتزامات المدرسية والجامعية وما قيمة التعديلات الدستورية اذا كان الواحد منا يعجز عن شراء ابسط حاجاته الاساسية.

روى لي هؤلاء كيف يقضون ايامهم بعد ان تخرجوا في الجامعة واصطدموا بالواقع المر، قال احدهم: جربت ان اشتغل بالزراعة بعد ان تعذر عليّ الحصول على وظيفة، لكنني اكتشفت بان النتيجة كانت صفرا، فقد انفق والدي كل ما يملك من اجل شراء الاشجار والبذور وبدأنا المشوار لكن مع ندرة المطر والمياه يبس كل شيء.. شاب اخر روى لي قصته مع احد المستثمرين في احد المشاريع الزراعية فقد رضي براتب متواضع على نظام المياومة لكنه بعد شهر وجد نفسه في الشارع لان صاحب «المزرعة» استبدله بشاب من العمالة الوافدة دفع له اجر اقل.

حين نظرت في وجوه الشباب لم أرَ الا «اليأس» وحين تذكرت انشغالات نخبنا وحواراتها حول «الاصلاح» والتغيير قلت: إن ما سمعته يعكس «الفجوة» الكبيرة بين هموم هؤلاء ومطالبهم واحتياجاتهم وبين ما يتحدث عنه المسؤولون من خطط وبرامج وما يطلقونه من وعود لمكافحة البطالة والفقر والاهتمام بالشباب وايضا ما نسمعه من النخب من شعارات لا علاقة لها بعذابات الناس وضرورات حياتهم.

هذه الفجوة –الخيبة ان شئت- هي التي دفعتهم الى العزوف عن المشاركة في الحراكات التي تطالب بالاصلاح لا لانهم لا يريدون التغيير والاصلاح وانما لانهم لا يثقون بكل ما يسمعونه وما يرونه وهي ايضا التي دفعتهم الى «اليأس» هذا الذي لا يمكن معرفة الى اين سيفضي بهم ولا في اي القنوات سيجري تصريفه.

قلت: إن الحديث عن الاصلاح بكل ما تطرحه النخب من مضامين وشعارات هو حديث في المستقبل البعيد وهو مطلوب وضروري للخروج من ازمة السياسات الكبرى واخطائها التي دفعنا وندفع الآن ثمنها لكن الحديث مع هؤلاء الشباب هو حديث في الحاضر هذا الذي لا ينتظر الحلول البعيدة وبالتالي فان القفز الى المستقبل دون معالجة هموم الناس اليومية والحاضرة ودون فتح ابواب الأمل امامهم هو نوع من الهروب والتذاكي والاستغراق في الوهم.

افهم ان تنشغل النخب المسؤولة بالديمقراطية واصلاح السياسة وان تتصارع على السلطة لكن ما لا افهمه هو ان نعجز عن تطمين هؤلاء الشباب على حياتهم بتوفير فرص عمل لهم او مساكن لاسرهم او حليب لاخوانهم الصغار او اسعار مناسبة لشراء احتياجاتهم الضرورية .. هل نقول لهم: انتظروا الديمقراطية حتى تحل مشاكلكم؟

ان اخشى ما اخشاه ان ينفد صبر هؤلاء الشباب خاصة اذا تأخر الاصلاح وغاب امله وان يدفعهم «اليأس» من واقعهم الى التغيير على طريقتهم وعندئذ لا نجد ما نلومهم عليه ولهذا يقتضي ان ننتبه قبل ان نطمئن الى ان الاصلاح السياسي سيحل ازماتنا ومشاكلنا كلها.

الدستور

أضف تعليقك