"نواب الجويدة"!

"نواب الجويدة"!
الرابط المختصر

وفقاً لمعلومات "الغد" أمس، فإنّ المدّعي العام أمر بإحضار أحد مرشّحي عمان الثالثة (وهو نائب سابق) للتحقيق معه في موضوع يتعلق بالجرائم الانتخابية، ما يعني أنّنا -إلى الآن- أمام قرابة 6 مرشحين يواجهون هذا الموقف؛ بعضهم تم إيقافه في مركز إصلاح وتأهيل الجويدة، وجميعهم من المحسوبين على قطاع التجارة والأعمال.يبدو السؤال الراهن هو عن مصير هؤلاء المرشحين الموقوفين الذين يجري التحقيق معهم في القضاء

. فقانونياً، مثل هذه الإجراءات لا تمنع استمرار ترشّحهم.

وإذا نجح بعضهم في الوصول إلى قبّة البرلمان، فسيحظى بالحصانة النيابية، ما يحول دون استمرار محاكمته التي يفترض، بالتأكيد، أن تستمر إلى ما بعد الانتخابات النيابية!سمعنا أجوبة متعددة حول هذه الإشكالية القانونية-السياسية، إنّما هي برأي أحد المسؤولين الحكوميين الكبار المختصين بالشأن القانوني، واضحة المعالم.

إذ ستطلب المحكمة من مجلس النواب الجديد أن يوافق على رفع الحصانة عن هؤلاء النواب لاستكمال محاكمتهم، طالما أنّ التهمة الموجّهة إليهم لا علاقة لها -مباشرةً- بعملهم كنواب، ولا تمتعهم بالحصانة القانونية.يُفترض هنا أن يقبل مجلس النواب الجديد بأغلبيته رفع الحصانة عن أعضائه "المتهمين" لمحاكمتهم، حمايةً لصورته السياسية، وحتى لا يحكم على نفسه بالإعدام الإعلامي والجماهيري كما حصل مع مجالس النواب السابقة، وأن يكون مثل هذا الاختبار نقطة تسجّل لصالح المجلس لا نقاطاً تسجّل عليه، فيدين نفسه بنفسه!وفي حال رفض مجلس النواب، بأغلبيته، رفع الحصانة عن هؤلاء النواب المشتبه فيهم، فإنّ القضية لا تكون قد انتهت بعد؛ إذ من حق القضاء أن يستأنف محاكمتهم في مرحلة عدم انعقاد الدورات البرلمانية، إذ لا يتمتعون خلالها بالحصانة.

وهذا يجعل من محاولات التهرب والالتفاف على القضاء (سواء بتواطؤ النواب -وهو احتمال غير وارد في اللحظة الراهنة- أو حتى من قبل النواب المشتبه فيهم أنفسهم) تبوء بالفشل، ما يعني أنّ القضايا ستأخذ مسارها القضائي كاملاً. وفي حال دين نواب معينون بجريمة من التهم الموجّهة إليهم، فهم حُكماً سيفقدون مقعدهم النيابي، لأنّنا نتعامل هنا مع جناية وليس جنحة. ووفقاً للخبير الدستوري، د.محمد الحموري (كما جاء في تقرير الزميل موفق كمال في "الغد" أمس)، فإنّه إذا حكم النائب بعقوبة أكثر من عام في جريمة غير سياسية، فإنّ عضويته تسقط حكماً في مجلس النواب.سقوط العضوية عن نائب جاء عبر الدوائر الفردية سيؤدي إلى انتخابات تكميلية لملء المقعد الشاغر. أمّا إذا جاء النائب عبر القائمة الوطنية، فإنّ المرشّح التالي له في القائمة نفسها يأخذ مقعده، فإذا لم يكن هنالك مرشّح آخر، يذهب المقعد للقائمة التالية لقائمته، وفق رأي خبراء.

على كلّ، وبالرغم من هذه الجدالات القانونية، فإنّ البعد الأهم في الموضوع سياسياً يتعلّق بأنّ الدولة ترفع صوتها للمرّة الأولى، عملياً، في وجه ظاهرة شراء الأصوات والذمم؛ وتضرب بقوة عمق هذه الظاهرة المخجلة التي انتشرت في التجارب الانتخابية السابقة، بخاصة في العامين 2007 و2010، وأصبحت كأنّها "أمر واقع"، ولها سوق وسماسرة وزبائن، وكل ذلك كان يواجه بغض الطرف من الدولة وتجاهل الظاهرة بذرائع واهية! ثمة تفسيرات متعددة ومتنوعة لانتشار ظاهرة شراء وبيع الأصوات خلال السنوات الماضية، لكن التفسير الأكثر تماسكاً وقوة برأيي يتمثّل في عدم شعور الناخبين بوجود "إرادة سياسية" بمنع هذا السلوك، ما كان يمنحه "مشروعية واقعية"، برغم التجريم القانوني.تحويل متهمين باستخدام المال السياسي إلى القضاء يتجاوز حماية الانتخابات وردع هذه الظاهرة المخجلة، إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وهو استعادة القيم الوطنية والأخلاقية في علاقة الدولة مع المواطنين.

 الغد

أضف تعليقك